المبيدات الكيميائية وعلاقتها بتلوث البيئة
شهدت
السنوات الأخيرة من القرن الماضي تزايداً ملحوظاً لإنتاج المبيدات
الكيميائية في العالم, وأصبحت المبيدات بصورة عامة والحشرية منها بصورة
خاصة, إحدى الوسائل التكنولوجية المعتمدة لزيادة الإنتاج الزراعي ومكافحة
الأمراض المميتة للإنسان والحيوان. والمبيدات عبارة عن مادة كيميائية تقتل
أو تمنع أو تحدّ من تكاثر وانتشار الكائنات الحية التي تنافس الإنسان في
غذائه وممتلكاته وصحته.
ومن المعروف أنه في السنوات الأخيرة صار نحو 56% من سكان العالم يعانون من نقص الغذاء, وتزداد هذه النسبة الى نحو 79% في
دول العالم الثالث. ومع وصول عدد سكان العالم في العام 2000 الى نحو 6-7
مليار نسمة, بات من الضروري زيادة الإنتاج الزراعي. وتعتبر المبيدات
الكيميائية إحدى الوسائل الحديثة التي تعمل على زيادة الإنتاج, فبالإضافة
الى دورها في القضاء على عدد كبير من الآفات الضارة بالنباتات أو الحد
منها, فهي أيضاً قادرة على القضاء على الحشرات الناقلة للأمراض. ولا ينكر
أحد الدور الكبير والفعّال الذي لعبته المبيدات الكيميائية بمختلف أنواعها
في الماضي والحاضر, حيث أنقذت عشرات الملايين من البشر من الموت. غير أن
هذه المبيدات لها في المقابل آثار سلبية كثيرة, إذا لم تستعمل وفقاً
لمعايير دقيقة.
كيفية انتقال المواد السامة
على ضوء بحوث عدة, تجمّع الكثير من الحقائق حول تأثير المبيدات, وخاصة الـ"د. د. ت" و"H.C.C.H"
وغيرها, على الخلايا العصبية, وعلى الهرمونات الجنسية للحيوانات الفقارية,
ومن ضمنها الإنسان؛ ولذلك يعتبر بعض الباحثين أن هذه المواد يجب ألا
تستعمل أكثر من مرتين, كما أنه لا بد من استبدالها بطرق أخرى غير ملوثة
للبيئة أو الوسط الذي نعيش فيه.
وتؤدي هذه المواد الى تطوّر غير طبيعي
لكثير من الكائنات الحية ذات الأهمية الإقتصادية والتي تعيش في الماء, كما
تؤدي الى تقليل نسبة التركيب الضوئي بشكل كبير في "الفيتوبلانكتون" (phytoplankton) الذي يؤدي بدوره الى اضطراب التوازن الغازي في الماء (نقص كمية الأوكسيجين).
ويعتقد الباحثون أنه نتيجة لازدياد تركيز هذه المواد في جسم الإنسان فسوف تظهر عليه آثارها السلبية عند انتقالها بالسلسلة الغذائية.
لقد استعمل مبيد الـ"د. د. ت" في الولايات المتحدة الأميركية للقضاء على البعوض في مستنقعات "Long – Island"
حيث رشت به هذه المستنقعات لعدة سنوات متتالية. واستعمل المبيد بتركيز
منخفض كي لا يؤثر على الكائنات المائية المتواجدة هناك, ولكن غاب عن اذهان
الباحثين أن هذه المواد صعبة التفكك, وتبقى لفترة زمنية طويلة محتفظة
بسميتها, وهكذا انتقلت المواد المذكورة عبر السلسلة الغذائية الى النباتات
ومن ثم الأسماك. فالحيوانات والطيور التي تعيش على الأسماك, ونتيجة لما
يعرف بظاهرة التكبير الحيوي البيولوجي, بات تركيزها عالياً لدى الفئة
الأخيرة, فماتت جماعات منها.
إن ازدياد تركيز هذه المواد يؤدي الى نتائج خطيرة منها:
1-
التأثير على البناء الضوئي في النباتات المائية, ومع أن ذلك لا يؤثر على
كمية الأوكسيجين في الجو لكنه قد يؤثر على المصادر الغذائية للإنسان حيث
أن هذه الكائنات توجد في أسفل السلسلة الغذائية.
2- يؤثر المبيد الحشري الـ"د. د. ت"
على تكاثر بعض الحيوانات, كالطيور البحرية عن طريق التأثير على هرمونات
الجنس, مما يؤدي الى وضع هذه الطيور بيضاً رقيق القشرة, وبالتالي الى نقص
في تعداد بعض أجناس هذه الحيوانات الى حد الإنقراض.
3- يوجد المبيد الحشري الـ"د. د. ت"
في بعض أسماك البحار بكميات تقترب من الكميات التي تسبب قتلاً جماعياً
لهذه الأسماك. ويعتبر تحريم أو منع استيراد مثل هذه المبيدات أمراً هاماً,
حيث أنها لا تتحلل في المحيط الحيوي بسهولة.
مصادر تلوث البيئة
تتعدد مصادر تلوث البيئة في البلدان النامية المستوردة لتلك المبيدات, وسوف نحصر أهمها في النقاط التالية:
1-
استخدام وتداول المبيدات عشوائياً: كثيراً ما يستخدم المزارعون تلك
المبيدات من دون علمهم بنوع المبيد ولا الإسم التجاري المستخدم. بالإضافة
الى ذلك لا يعتمدون على الجرعة الموصى بها من قبل الشركات المنتجة مما
يزيد من تلوث البيئة.
2- المبيدات المحظور استخدامها محلياً ودولياً:
هذه الظاهرة ذات شهرة ورواج كبير في البلدان النامية, حيث أن هذه البلدان
تعتبر سوقاً لتصريف المركبات الكيميائية السامة. ومع أن بعض هذه الدول
تقوم بتحريم تداول هذه المبيدات إلا أن المنع والتحريم لا يجد طريقه الى
عصابات التهريب والإتجار بالمواد الكيميائية القاتلة, مما قد يسبب حالة
تسمم ووفاة بين مستخدميها, ويؤدي الى أضرار بالغة ومدمرة للبيئة.
3-
الحالات الطارئة أو المفاجئة: هي الحالات التي يتم فيها انتشار المبيدات
في البيئة بسبب حدوث انفجارات, ما يؤدي الى إصابة الكثيرين بالعاهات
والأمراض المزمنة.
تأثير المبيدات الحشرية على البيئة
أشارت جميع الدراسات العلمية الى خطر التسممات الناشئة عن المبيدات الحشرية وتأثيرها على البيئة.
تؤدي
عمليات الرش الى انتشار المبيد الحشري الى مسافات تتعدى كثيراً المواقع
المطلوب رشها. وينتشر الرذاذ في الهواء قبل أن يتسرب مع الغبار أوالأمطار
الى النباتات والتربة والماء, وقد يتأكسد المبيد المترسب بفعل أشعة الشمس
والحرارة...
تعتبر المبيدات الحشرية من أهم ملوثات البيئة لتأثيرها
الشامل على جميع مكوناتها الحية, بما في ذلك تأثيرها على التوازن البيئي.
حيث كثرت في السنوات الأخيرة الحوادث الناتجة عن التلوث. خصوصاً في دول
العالم الثالث, والتي تعتبرها البلدان الصناعية الكبرى مدفناً لنفاياتها
وسوقاً لسلعها, وقد أدى ذلك الى تلوث خطير للغذاء الذي نتناوله والماء
الذي نشربه والهواء الذي نتنشقه والتربة التي نأكل خيراتها...
• تلوث
الغذاء: يعتبر استخدام المبيدات الزراعية والحشرية أمراً ضرورياً لحماية
المحاصيل الزراعية وبالتالي الى زيادة الإنتاج وخفض ثمنه.
وحسب آراء الباحثين فإن تعرض الإنسان لمتبقيات المبيدات الحشرية يؤدي الى
مخاطر السمية المزمنة والإصابة بالأمراض الخطيرة, كما أن بعض المبيدات
الفوسفورية العضوية تؤدي الى السمية العصبية المتأخرة التي تنتهي بالشلل
المزمن.
لقد لوحظ خلال السنوات الأخيرة أن معظم حوادث التلوث بالمبيدات
تحدث نتيجة لعدم احترام التحذيرات الأولية عند استخدام تلك المواد. لذلك
فإن وجود يافطة تحوي التعليمات الواضحة والتحذيرات التي يتوجب اتخاذها عند
استعمال تلك المبيدات يعتبر أمراً ضرورياً وخاصة في البلدان النامية, كما
أن فرض رقابة مشددة وقيام الهيئات العامة بوضع المقاييس والمعايير للتأكد
من نقاوة تلك المركبات وبيان طرق استخدام كل مادة لها علاقة بتلوث الغذاء,
يعد من الأمور الأساسية للوقاية.
• تلوث الماء: تعتبر المبيدات الكيميائية إحدى ملوثات الماء, وتصل إليه من خلال طرق عدة.
والمجموعة
الكلورية العضوية تعد من أخطر المبيدات الحشرية الملوثة للماء, حيث أن
مفعولها طويل الأمد, كما أنها ذات تأثير واسع على عدد كبير من المخلوقات
ومنها الإنسان. ومن أهم مبيدات هذه المجموعة الـ"د. د. ت" و"الدرين" و"الأندرين" وهي تصل الى مياه البحار عن طريق المياه المتسربة من الأراضي الزراعية أو من الجو.
والمبيدات الحشرية الكلورية لا تتحلل بسهولة وتبقى لفترة زمنية طويلة لذلك يمنع استعمالها.
• تلوث
التربة: كان استخدام المبيدات الحشرية في الأرض الزراعية ولا يزال, من أهم
مشاكل تلوث التربة لأنه يؤثر على خصوبتها, ويؤدي في النهاية الى تلوثها,
والى إلحاق الضرر بالإنسان والحيوان عبر تناول النباتات الملوثة.
توصيات
1- لا يجوز استخدام أي مبيد حشري أو غيره في الزراعة أو في مكافحة الحشرات من دون أن يكون مرخصاً قانوناً.
2- تحديد الزمن الفاصل ما بين استخدام المبيد ووقت الجنى (القطاف), حيث يعد ذلك عاملاً هاماً من عوامل الوقاية.
3-
ضرورة تواجد العناصر الغذائية في التربة, مثل النيتروجين والفوسفور
والكبريت, وتوافر الأحياء الدقيقة المكروبية من فطريات وبكتيريا, حيث أن
التربة ذات المحتوى العالي من المواد العضوية تكون أكـثر كفاءة في إنهاء
فعالية المبيد الحشري.
4- يجب تصريف سوائل الرش والمياه المستخدمة
لمكافحة الطفيليات على الحيوانات بعيداً عن المزروعات ومجاري المياه,
ومصادر المياه الجوفية, وذلك لخطورة تسرب المبيدات الحشرية الى الإنسان
والحيوان والحياة المائية.
5- ممارسة الرقابة الجادة على استيراد
المبيدات بمختلف أنواعها بالتنسيق بين جهات الاختصاص والجهات المعنية, على
أن تكون هناك جهة مسؤولة عن تحديد مواصفات المبيدات, وإعطاء الموافقة
الرسمية على استيرادها.
6- ضرورة وجود معامل لتحليل عينات من المبيدات
الزراعية وغيرها سواء كانت مستوردة أو مصنعة محلياً, وذلك لمعرفة كفاءتها
ومطابقتها للمواصفات وأثرها السام على البيئة.
7- اتبـاع طريقـة الرش
الجزئي مثلاً: بـرش صف من الأشجار الشديدة الإصابة, وتـرك صـف أو عدة
صفـوف بدون رش... وذلك ضمانــاً لبـقاء العــدد الاحتـياطي من
الحيـوانــات والحشـرات التـي تشـكـل أعـداء طبيعـية لأنـواع أخـرى,
وللتخـفيف من التلوث الذي تحدثه المبيدات.
8- استخدام بدائل المبيدات
الحشرية, مثل المفترسات والطفيليات والطيور والأسماك التي تكافح الحشرات,
واستخدام المواد المسببة لعقم الحشرات...
9- إشعار النحالين بإغلاق مناحلهم مسبقاً قبل إجراء عمليات الرش بالمواد الكيميائية.
وشكـراً .
الجنس
المهنة
العمـر
النقاط : 
تقييم الأعضاء : 
موضوع: || المبيدات الكيميائية وعلاقتها بتلوث البيئة || الأكـاديمـية 
الأربعاء يونيو 29, 2011 4:40 pm
