تلتهم المجرات وتلتهمها الثقوب السوداء!
تلتهم المجرات وتلتهمها الثقوب السوداء!
اكتشف
علماء الفلك وجهاً جديداً لمجرتنا، " الدرب اللبنية ": تقطّع أوصال كل
المجرات الصغيرة المحيطة بها، ثم تبتلعها. في الوقت نفسه، تتآكلها من
الداخل ثقوب سوداء... .
" الدرب اللبنية " ( درب التبانة ) هي مجرة
حلزونية، عرضها 90000 سنة ضوئية . أذرعها الحلزونية، التي تضم غالبية الغاز
والنجوم الأسطع، تلتف حول " بصلة " مركزية غنية للغاية بالمادة، يختبىء في
مركزها ثقب أسود فائق الكتلة وغير مرئي. الشمس نفسها ليس فيها شيء
استثنائي: نجم ضائع في وسط 200 مليار نجم آخر، في ذراع " أوريون "، على بعد
26000 سنة ضوئية من قلب المجرة. تدور حول الدرب اللبنية مجرات قزمة صغيرة
مثل القوس ( الرامي )Sagittaire أو سحابة ماجلان الكبرى، فتجتذبها وتفككها
وتلتهمها. البراهين التي جمعها العلماء دقيقة: مجرتنا هي ملتهمة حقيقية
لمجانساتها، تبتلع بلا هوادة أية مجرة صغيرة تمر بجوارها. وقد اكتشف علماء
فيزياء فلكية مؤخراً بقايا اثنتين من المجرات التي التهمتها الدرب اللبنية.
وهذه مناسبة لفهم منشأ مجرتنا بشكل أفضل وحتى توقع تطورها خلال مليارات
السنوات القادمة... . مع ذلك، فرص اقتراب مجرتنا من مجرات أخرى نادرة: بما
أن الكون في حالة تمدد، فإن الأشياء تنزع بالأحرى نحو الابتعاد بعضها عن
البعض الآخر... . إلا أن ذلك لا ينطبق على جاراتها في حشد المجرات الذي
تنتمي إليه، "المجموعة المحلية": الجاذبية في قلب هذه المجموعة هي العنصر
المسيطر، والمجرات فيها تتقارب على نحو حتمي.
في كل الأحوال، من
ضعيف الاحتمال أن تتصادم النجوم، نظراً للمسافة الفاصلة بينها؛ أما سحب
الغاز في مجرتين، فإن التصادم بينها عنيف: تسحق كل منها الأخرى، وتضغط كل
منها الثانية، وتتسخن كلها. والنتيجة خاضعة لقانون الأقوى: " تبتلع "
المجرة الأكبر المجرة الأصغر. وهذا تحديداً ما تقوم به مجرتنا مع بعض
جاراتها الصغيرة.
معروف طبعاً نزوع الدرب اللبنية إلى اجتذاب المجرتين
الشهيرتين، سحابتي ماجلان الكبرى والصغرى . تقوم الدرب اللبنية بتعرية
هاتين المجرتين الصغيرتين، " القزمتين " عبر جسر من المادة. تُحْدِث قوى
الجاذبية العملاقة الضالعة هنا، والمتناسبة طرداً مع كتلة الأجسام
الموجودة، " مفعولَ مد وجزر " على غرار ذاك الذي يحكم حركات المحيطات على
الأرض، ولكن هنا على المستوى الكوني. النتيجة: لا تشوه مجرتنا سحابتي
ماجلان، شيئاً فشيئاً، بل تنتزع منهما قطعاً من المادة. وتؤكد آخر حسابات
علماء الفيزياء الفلكية أنه لا بد وأن سحابتي ماجلان قد بدأتا دوراناً حول
مجرتنا في نوع من رقصة الموتى، ومن ضعيف الاحتمال أن تخرجا سالمتين منه. في
الواقع، بما أن المورود الكتلوي أكثر ملاءمة بكثير للدرب اللبنية، فإن
الأمر سينتهي بأن تبتلعهما لتصبحا جزءاً من بنيتها.
ولابد أن هذا ما
كان يحدث منذ 8 مليارات سنة، ولكن على نحو أعنف: حينما كانت مجرتنا في
بداية فتوتها، ابتلعت إحدى المجرات، وآثار هذا الالتهام موجودة في قرص
مجرتنا نفسه. إلا أن الأمر ليس مجرد قضمات صغيرة عابرة أو ميل شديد إلى
الالتهام: تمكن العلماء من تصوير مجرتنا وهي تبتلع مجرة صغيرة اسمها " مجرة
الرامي القزمة ". وتعود أولى الصور السالبة هنا إلى العام 1994. وتبين من
خلال عمليات الرصد اللاحقة أن مجرتنا تقوم حرفياً بتقطيع أوصالها. ووفقاً
لآخر عمليات المحاكاة، فإن المجرة القزمة لن تعيش طويلاً: بعد دورة أو
دورتين أخريين، لا بد أن تتبدد لتنضم نجومها إلى نجوم الدرب اللبنية.
يبدو
في الواقع أن ابتلاع المماثلات شائع جداً لدى المجرات. وهكذا، أشارت عالمة
الفيزياء الفلكية " فرانسواز كومب " إلى أن " مجرة كمجرتنا لا بد أن
تلتهم، على مدى حياتها، نحو 2 إلى 3 مجرات كبيرة، مثلما كان الحال بالنسبة
للدرب اللبنية منذ 8 مليارات سنة، ونحو عشر مجرات قزمة ". إذن، فالتهام
المجانسات إياه ربما يكون سيرورة طبيعية بالنسبة للمجرات. بل إن لذلك
تأثيراً مفيداً بالنسبة للنجوم: يحث على ولادتها، التي تتم على شكل ومضات
نارية ضخمة قوية وسريعة! ولكن، حتى الآن لم يتم التوصل إلى معرفة كل تفاصيل
هذه الظاهرة.
وليدة مجرات بدئية صغيرة عديدة:
من المعروف اليوم أن
مجرتنا ليست وحيدة المنشأ، لم تولد من سحابة غازية ضخمة ربما تكون قد
انهارت على نفسها، بل من عدة مجرات بدئية صغيرة اتحدت فيما بينها. إلا أن
مثل هذه المجرات الصغيرة تشهد فتوة صاخبة: تكون النجوم الأولى التي تتولد
في حضنها ضخمة جداً، وتتفجر غالباً في مستعرات عظمى. وخلال نموها، تبتلع
هذه المجرات البدئية كميات ضخمة من الغاز، مثل سحب الهيدروجين التي ما نزال
نشاهدها تسقط في مجرتنا اليوم. ربما تكون هذه الطفولة المضطربة قد استمرت
وقتاً أطول بكثير من الملياري سنة الأولين من تاريخ المجرة... . " تشير
نتائجنا، خلافاً لما كان معتقداً، إلى أن الاضطراب استمر خلال الـ 7 أو 8
مليارات سنة التالية "، حسب عبارة عالمة الفلك " بيرجيتا نوردستروم ".
مجرة تلتهم نفسها:
يتمركز
في قلب مجرتنا. حوله، تلتف حلزونات غازية واسعة، وتنتظم الأذرع الحلزونية،
وتدور مئات من آلاف النجوم...قوته خارقة بقدر ما هي خفية. ذاك هو ثقب
الدرب اللبنية الأسود المركزي، الغامض، إذ لا تتوفر حوله أية صورة. المادة
اللامعة وحدها، الدائرة حلزونياً نحو هذه الهوة بلا توقف، تنم عن وجوده
الغامض والمخيف. لم تغامر أية أداة علمية أبداً في الاقتراب منه، إذ أنه
موجود على بعد 26000 سنة ضوئية من الأرض.
لم يعد هذا الثقب الأسود،
ملتهم النجوم، الذي يسميه علماء الفلك " الرامي A "، محض خيال، بل أضحى
جزءاً من المشهد المجري من الناحية الرسمية. في العام 2002، أتاحت عمليات
الرصد التي أنجزها القمر الصنعي الأمريكي " تشاندرا " ضمن شبكة الأشعة
السينية للعلماء أن يتقدموا خطوة عملاقة باتجاه الثقب الأسود...في الواقع،
رصد هذا القمر الصنعي مقذوفات مادية فائقة السرعة، تقرب من سرعة الضوء،
مسخَّنة بحرارة تبلغ عشرات ملايين الدرجات وحتى مسافة تصل إلى نحو 200 وحدة
فلكية حول مركز المجرة، وهو دليل على تأثير حقل جاذبية هو في غاية القوة
على المادة المحيطة. وكان قد تم تحديد موضع مصدر حقل الجاذبية إياه على نحو
تام... . ثم، في أيار 2003، جاء دور المقراب الأرضي العملاق Yepun،
المنصوب التشيلي، والمزود بجهاز NACO ( كاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء )
وبمنظومة بصرية تكيفية قادرة على تحييد الاضطرابات الجوية، في تقديم نتائج
أدلته بعد أن كشف ومضات أشعة تحت حمراء قوية جداً مصدرها مركز المجرة. يقول
عالم الفلك " دانيال روان ": " كشف تحليل المعطيات عن أن انبعاثات الأشعة
تحت الحمراء آتية من مصدر قريب للغاية من الجسم المركزي، من نمط شعاع
المنظومة الشمسية. وتتباين شدته سريعاً جداً، بمقاييس زمنية من معدل بضع
دقائق. يؤكد ذلك أن الإشارات لا بد أن تكون قادمة من منطقة تتوضع عند
الحدود الخارجية المتاخمة تماماً للثقب الأسود، والمسماة " الأفق ". لأول
مرة، يحصل علماء الفيزياء الفلكية على معلومات أخيراً حول ما يحدث في
المواضع التي تحد تماماً النطاق الخارجي للثقب الأسود!. لكن الأكثر إثارة
للدهشة هو أن هذه الإشارات كانت دورية، بدورية ظاهرة مدتها سبع عشرة دقيقة.
" إذا كانت هذه الدورية ناشئة عن حركة الغاز في المدار حول الثقب الأسود،
فذلك يعني أن الثقب الأسود نفسه يدور دوراناً سريعاً "، يقول " دانيال روان
". وذاك هو احتمال نظري لم يستطع العلماء مطلقاً بعد ملاحظته.
وهذا
ليس كل شيء. خلال العام 2004، اكتملت اللوحة بعمليات رصد أخرى بمقاريب
منصوبة في التشيلي وهاواي. وبقرنها بعمليات الرصد التي أنجزت في السنوات
السابقة، أتاحت هذه المرة أن تحدد بدقة بالغة قيمة كتلة الجرم المركزي:
أكبر من كتلة الشمس بنحو 3,7 مليون مرة! كل ذلك ضمن حجم هو أصغر من
المجموعة الشمسية نفسها بنحو 50 مرة على الأقل! مع مثل هذه الخاصيات، لم
يعد الشك مسموحاً: لا يمكن أن يكون الشيء المعني سوى ثقب أسود. وأكثر من
ذلك، من المعروف اليوم أن هذا الثقب الأسود هو غول يلتهم مع ذلك ما يعادل
جزءاً من مائة من كتلة الشمس في اليوم، أي نحو 10 كواكب مشتري!. ذاك هو إذن
ما يلتهم مركزَ الدرب اللبنية، ببطء وقسوة!.
:
تلتهم المجرات وتلتهمها الثقوب السوداء!................. الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|
الجنس
المهنة
العمـر
النقاط : 
تقييم الأعضاء : 
موضوع: تلتهم المجرات وتلتهمها الثقوب السوداء!................. 
الجمعة يوليو 08, 2011 3:28 pm
