أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـات بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا .
العبد مفهوم مشتق من العبادة، وهي الطاعة المطلقة مع الخضوع والاستسلام والتذلل... وابن منظور: يرى أن أصل العبودية الخضوع والتذلل... والتعبد التنسك، والعبادة الطاعة. والأنباري يقول: " فلان عابد وهو الخاضع لربه المستقيم المنقاد لأمره ".
أرى أن لفظ العبد متحد يطلق على الإنسان بمفهومه المجرد العام كمخلوق لله، حراً كان أو مملوكاً، ذكراً أو أنثى؛ لأن الخلق كلهم عبيد الله، طوعاً أو كرهاً، لقوله - تعالى -: ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا* وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) (سورة مريم آية 93- 94- 95) وقوله: ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) (سورة الحجر آية 42) وقوله: ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) (سورة الإسراء آية 65).
وفي كلامنا اليومي العادي كثيراً ما نستعمل جملة " يا عباد الله " ونقصد بها "أيها الناس "، و العبودية لا تتم في تصوري إلا إذا توفرت فيها ثلاثة شروط هي: هي إيمان وتصديق قلبي، واعتراف قولي، ثم عمل بالجوارح، يترجم النية والقول، إلى واقع، وهي حاجة إنسانية فطرية، كالحاجات البيولوجية تماما، مرتبطة أساسا بالوجود الإنسي والجني؛ لقوله - تعالى -: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) (سورة الذاريات آية56). إن الإنسان إذن جبل على العبادة، فهي جزء من تكوينه البيولوجي والشخصي، لا يمكن الاستغناء عنها؛ لأنها الغاية، التي من أجلها خلق، وإن انحرف الإنسان، ولم يعبد الله، فهو حتماً سيعبد غير الله (شيطان، أوثان، هوى، نفس، مادة حزب، إيديولوجيا، علب فكرية... ).
إن العبودية المرتبطة بالامتثال التام لأوامر الله ونواهيه وشرائعه، هي التي تحرر الإنسان من عبودية الإنسان، ومن كل أشكال العبوديات الأخر، كما أن طبيعتها ونوعيتها هي التي تحدد نوع العلاقة بين الإنسان والله، وبين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والكون، فكلما تخلص الإنسان من تأثير النفس وهواها، ووسوسة الشيطان ومن يدور في فلكه، وأخلص لسلطة الله مختاراً غير مكره، ولا مرغم، وامتثل لها امتثالاً مطلقاً لا يشوبه شك أو ريب، إلا وأصبح عبداً حراً، ونال شرف العبودية لله - عز وجل -؛ لأن كلمة عبد في القرآن الكريم، مفردةً كانت أو جمعاً إذا أضيفت إلى الله - سبحانه وتعالى - أفادت التكريم والتشريف والرضى التام من الله على العبد كما هو واضح، في قوله - تعالى –( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) (سورة الإسراء آية 1)، وقوله ( الحمد لله الذي أنزل على عبد الكتاب ولم يجعل له عوجا) (سورة الكهف آية 1)، وقوله - تعالى –( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) (سورة الحجر آية 49)، وقوله - تعالى –أيضا: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) (سورة الزمر الآية53)، وقوله - تعالى-: ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) (سورة ص من آية 45 إلى 47).... ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) (سورة ص آية44) إن الآيات التي تمجد العبودية لله، والواردة في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على أن أفعال العبد صادرة عن إرادته الحرة الغير خاضعة لأي تأثير خارجي أو إرادة غريبة، فأنا حين أختار عبادة الله، فأنا أمارس حرية الاختيار، والله - سبحانه وتعالى - أعطاني فرصة الاختيار، وحرية الاختيار، كما يثبت ذلك القرآن الكريم في كثير من الآيات كقوله - تعالى -: (وهديناه النجدين) وقوله: ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (سورة الإنسان آية 3) وقوله: ( ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين) (سورة البلد آية 10).... وعندما أختار عبادة الله وطاعته، أكون قد اخترت الفطرة، واستجبت لمؤثر داخلي، هو ما يمكن أن أسميه بغريزة التعبد، أما عندما أختار العصيان والتمرد على الله - سبحانه وتعالى -، فسأكون مخالفا للفطرة، وخاضعا لمؤثر خارجي، طارئ، يسترقني ويستعبدني، قد يكون هو النفس أو الهوى أو الشيطان، أو المال... وهذا لن يخرجني من دائرة العبودية لله كرهاً وقهراً لا طوعاً؛ لأن الخلق كلهم عباد الله، وأنا مخلوق لله، وكل مخلوق لا ملجأ له من الله إلا إليه، أحب أم كره، أما إذا اخترت التمرد على الشيطان والنفس وعصيانهما، فسأكون أيضا قد اخترت الحرية ومارستها برفضي للاستعباد، وعدم الخضوع لتأثير مختلف القوى الباطنية، كالدوافع الغريزية الغير مهذبة، والأهواء على اختلافها، والقوى الظاهرية، سواء كانت مادية في شكل فرد أو مجتمع، أو فكرية في شكل فلسفة أو إيديولوجية أو سياسة واقتصاد... فأنا إذا حر مرتين: (1) حر عندما أقبلت على الله وأطعته وأسلمت أمري إليه، واخترت أن أكون عبداً له وحده لا شريك له، (2) وحر عندما تمردت على نفسي الأمارة بالسوء، والشيطان ومن والاهما؛ لإدراكي أن الاستعباد لغير الله، مذلة وتحقير وصغار عند الله، وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وصدق الله العظيم إذ يقول: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) (سورة هود آية 15 -16). وهذا رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، يدعو على كل مشرك لا يؤمن بالله، أو يعبد غير الله، فهم مشركون بكل المقاييس، آثروا الدنيا وزينتها على الآخرة وجنتها، فقال: (( تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش...)) (الحديث أخرجه االبخاري) إن المشركين أطاعوا غير الله، فأضاعوا حرية الاختيار، التي تميز الإنسان ككائن عاقل، مكلف ومسؤول عن أفعاله الإرادية، وسقطوا تحت نير الاسترقاق والاستعباد المزدوج:
(1) عبيد لله رغم أنفهم، مكرهين لا طائعين، بحكم الخلق والإيجاد.
(2) عبيد لغير الله بحكم العبادة والانقياد لغير الله.
نستنتج من كل ما سبق، أن العبودية لله حرية مطلقة، لا يمكن أن تتحقق، إلا في ظل العبودية الاختيارية، الخالصة لله، والصادرة عن عقل وقلب المؤمن الصادق مع ربه، دون إكراه أو إرغام، ويترجم هذا قوله - تعالى -: ( من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) (سورة النحل 16). أما العبودية لغير الله، فهي استرقاق واستعباد قائم على الجبر والقسر، صاحبها عبد مملوك لنفسه وقرينه وهواه، حياته نكدة، وأيامه اكتئاب مزمن، وقلق مستمر...ونهاية مأساوية.وصدق الله العظيم إذ يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) (سورة ط 20).