icon welcome ghost
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـات بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا .



الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر

قصصص الانبياء

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل
كاتب الموضوعرسالة
المعلومات
الكاتب:
marwa
اللقب:
مشرفة
الرتبه:
مشرفة
الصورة الرمزية

marwa

البيانات
الجنسية :
gzaery
الجنس الجنس :
أنثى
الـبـلــــد :
الجزائر
المزاج :
قصصص الانبياء Pi-ca-22
نوع المتصفح :
غير معروف
المهنة المهنة :
studen
الهواية :
writin
تاريخ الميلاد :
18/12/1994
العمـر العمـر :
29
العمل/الترفيه :
تلميذة
المزاج :
سعيدة وفرحانة
تاريخ التسجيل :
08/03/2010
النقاط النقاط :
29192
تقييم الأعضاء تقييم الأعضاء :
0
إحترام القوانين :
100
توقيع المنتدى :
توقيع المنتدى + دعاء

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://tomouhdz.mam9.com
مُساهمةموضوع: قصصص الانبياء قصصص الانبياء Emptyالجمعة أبريل 16, 2010 8:22 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة الأعراف الآيات148- 154 .
قال الله تعالى:
{وَاتَّخَذَ
قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ
خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ
سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ، وَلَمَّا سُقِطَ فِي
أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ
يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ،
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا
خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى
الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابن
أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا
تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي
رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا
الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا
السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ
بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ
أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}.

وقال تعالى: في سورةطه الآيات83-98 .
{وَمَا
أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا
قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ، فَرَجَعَ مُوسَى
إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ
رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ
أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ
مَوْعِدِي، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا
حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ
أَلْقَى السَّامِرِيُّ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ
فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ، أَفَلا يَرَوْنَ
أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا
نَفْعاً، وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا
فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي
وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى
يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى،قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ
رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، قَالَ
يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ
تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، قَالَ
فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ
فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ
سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ
تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ
إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ
ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً، إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ
الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.
قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله ( سيدنا موسى عليه السلام ) عنهم:
يذكر
تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه
فمكث على الطور يناجيه ربه ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة وهو
تعالى يجيبه عنها.
فعمد رجل منهم يقال له هارون
السامري، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي، فصاغ منه عجلاً وألقى فيه قبضة
من التراب، كان أخذها من أثر فرس جبريل، حين رآه يوم أغرق الله فرعون على
يديه. فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي. ويقال إنه استحال
عجلاً جسداً أي لحماً ودماً حياً يخور، قال قتادة وغيره. وقيل بل كانت
الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كمن تخور البقرة، فيرقصون حوله
ويفرحون.
{فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ
مُوسَى فَنَسِيَ}. أي فنسي موسى ربه عندنا، وذهب يتطلبه وهو هاهنا! تعالى
الله عما يقولون علواً كبيراً، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتضاعفت آلاؤه
وهباته.
قال الله تعالى مبيناً بطلان ما ذهبوا
إليه، وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً أو
شيطاناً رجيماً: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً
وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً}. وقال: {أَلَمْ يَرَوْا
أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ
وَكَانُوا ظَالِمِينَ}.
فذكر أن هذا الحيوان لا
يتكلم ولا يرد جواباً، ولا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه
وهم ظالمون لأنفسهم، عالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال.
{وَلَمَّا
سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}. أي ندموا على ما صنعوا {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ
قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا
لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.
ولما رجع
موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه الألواح
المتضمنة التوراة، ألقاها، فيقال إنه كسرها. وهكذا هو عند أهل الكتاب، وإن
الله أبدله غيرها، وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك، إلا أنه ألقاها
حين عاين ما عاين.
وعند أهل الكتاب: أنهما كانا
لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة. ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله
تعالى عن عبادة العجل، فأمره بمعاينة ذلك.
ولهذا
جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : "ليس الخبر كالمعاينة". ثم أقبل عليهم فعنفهم
ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه، بما ليس بصحيح، قالوا
إنا {حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا
فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}. تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل
حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم
وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار، مع الواحد الأحد الفرد الصمد
القهار!.
ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام
قائلاً له {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ
تَتَّبِعَنِي}. أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا،
فقال: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ}.
أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم.
{قَالَ
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع
الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه أتم الزجر.
قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ
قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ}.
أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختباراً لكم، {وَإِنَّ
رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ}. أي لا هذا {فَاتَّبِعُونِي}. أي فيما أقول لكم
{وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى
يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}. يشهد الله لهارون عليه السلام {وَكَفَى
بِاللَّهِ شَهِيداً}. أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه.
ثم
أقبل موسى على السامري {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}. أي ما حملك
على ما صنعت {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ}. أي رأيت
جبرائيل وهو راكب فرساً {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}. أي
من أثر فرس جبريل. وقد ذكر بعضهم أنه رآه، وكلما وطئت بحوافرها على موضع
اخضّر وأعشب، فأخذ من أثر حافرها، فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من
الذهب كان من أمره ما كان. ولهذا قال: {فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ
سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ
تَقُولَ لا مِسَاسَ}. وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحداً، معاقبة له على مسه
ما لم يكن له مسه، هذا معاقبة له في الدنيا، ثم توعده في الأخرى فقال:
{وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ} - وقرئ {لَنْ تُخْلَفَهُ}
{وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً
لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً}. قال: فعمد
موسى عليه السلام إلى هذا العجل، فحرقه قيل بالنار، كما قاله قتادة وغيره.
وقيل بالمبارد، كما قاله عليّ وابن عباس وغيرهما، وهو نص أهل الكتاب، ثم
ذراه في البحر، وأمر بني إسرائيل فشربوا، فمن كان من عابديه علق على
شفاههم من ذلك الرماد ما يدل عليه، وقيل بل اصفرت ألوانهم.
ثم
قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لهم: {إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ
الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.
وقال
تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُفْتَرِينَ}
وهكذا وقع. وقد قال بعض السلف: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة!
ثم
أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب
إليه، بتوبته عليه، فقال: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ
تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ}.
لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل
إلا بالقتل، كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ
إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا
إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف،
وألقى الله عليهم ضباباً حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه، ثم
مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين
ألفاً!
ثم قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ
مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ
لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}. استدل بعضهم بقوله: {وَفِي
نُسْخَتِهَا}. على أنها تكسرت، وفي هذا الاستدلال نظر، وليس في اللفظ ما
يدل على أنها تكسرت، والله أعلم.
ذكر ابن عباس
في حديث الفتون كما سيأتي: أن عبادتهم ... على أثر خروجهم من البحر. وما
هو ببعيد، لأنهم حين خرجوا {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً
كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}. وهكذا عند أهل الكتاب، فإن عبادتهم العجل كانت قبل
مجيئهم بلاد بيت المقدس. وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل، قتلوا في
أول يوم ثلاثة آلاف، ثم ذهب موسى يستغفر لهم، فغفر لهم بشرط أن يدخلوا
الأرض المقدسة.
{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ
سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ
رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا
بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ
بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي
هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ
قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ
شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ
أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
ذكر السدي
وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل، ومعهم موسى
وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو، ذهبوا مع موسى عليه السلام ليعتذروا عن بني
إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل. وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا
ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام وعمود النور
ساطع صعد موسى الجبل.

فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله. وهذا قد وافقهم عليه طائفة من
المفسرين، وحملوا عليه قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ
يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وليس
هذا بلازم، لقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}. أي
مبلغاً، وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغاً من موسى عليه السلام.
وزعموا
أيضاً أن السبعين رأوا الله، وهذا غلط منهم، لأنهم لما سألوا الرؤية
أخذتهم الرجفة، كما قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ
لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ
وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وقال هاهنا {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ
قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ}.
قال
محمد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً: الخير فالخير،
وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة على ما تركتم
وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم.
فخرج بهم إلى طور سيناء، لميقات وقَّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم. فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله، فقال: أفعل.
فلما
دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى
فدخل في الغمام، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله، وقع على
جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه. فضرب دونه الحجاب،
ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً، فسمعوه وهو يكلم موسى،
يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل. فلما فرغ الله من أمره وانكشف عن موسى
الغمام أقبل إليهم فقالوا: {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً}. فأخذتهم الرجفة، وهي الصاعقة فأتلفت أرواحهم فماتوا
جميعاً. فقام موسى يناشد ربه ويدعوه، ويرغب إليه ويقول: {رَبِّ لَوْ
شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ
السُّفَهَاءُ مِنَّا} أي لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل
منا فإنا براء مما عملوا.
وقال ابن عباس ومجاهد
وقتادة وابن جريج: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة
العجل. وقوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ}. أي اختبارك وابتلاؤك
وامتحانك. قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس، وغير
واحد من علماء السلف والخلف، يعني أنت الذي قدّرت هذا، وخلقت ما كان من
أمر العجل اختباراً تختبرهم به كما: {قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ
يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ}. أي اختبرتم.
ولهذا
قال: {تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ}. أي من شئت
أظللته باختبارك إياه، ومن شئت هديته، لك الحكم والمشيئة ولا مانع ولا راد
لما حكمت وقضيت.
{أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي
هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}. أي
تبنا إليك ورجعنا وأنبنا. قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو
العالية وإبراهيم التيمي والضحاك والسدي وقتادة وغير واحد. وهو كذلك في
اللغة. {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ
كُلَّ شَيْءٍ}. أي أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور التي أخلقها
وأقدرها.
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}.
كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله
لما فرغ من خلق السماوات والأرض كتب كتاباً فهو موضوع عنده فوق العرش: "إن
رحمتي تغلب غضبي" {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}. أي فسأوجبها حتماً
لمن يتصف بهذه الصفات: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الأُمِّيَّ} الآية.
وهذا فيه تنويه بذكر محمد
صلى الله عليه وسلم وأمته من الله لموسى عليه السلام، في جملة ما ناجاه به
وأعلمه وأطلعه عليه. وقد تكلمنا على هذه الآية وما بعدها في التفسير بما
فيه كفاية ومقنع، ولله الحمد والمنة.
وقال
قتادة: قال موسى: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق، السابقون في دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال:
رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها، وكان من قبلهم
يقرأون كتابهم نظراً، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئاً ولم يعرفوه، وإن
الله أعطاهم من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم، قال: رب اجعلهم أمتي،
قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح
أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فضول الضلالة حتى
يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال:
رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها.
وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها ناراً
فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتهم
من غنيهم لفقيرهم، قال: رب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال:
رب فإني أجد في الألواح أمة إذا هَمَّ أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له
عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال قتادة: فذكر لنا أن موسى عليه السلام نبذ الألواح، وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد.
وقد
ذكر كثير من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السلام، وأوردوا أشياء
كثيرة لا أصل لها ونحن نذكر ما تيسر ذكره من الأحاديث والآثار بعون الله
وتوفيقه، وحسن هدايته ومعونته وتأييده.
قال
الحافظ أبو حاتم محمد بن حاتم بن حبان في صحيحه: "ذكر سؤال كليم الله ربه
عز وجل عن أدنى أهل الجنة وأرفعهم منزلة": أخبرنا عمر بن سعيد الطائي
ببلخ، حدثنا حامد بن يحيى البلخي، حدثنا سفيان، حدثنا مطرف بن طريف وعبد
الملك بن أبجر شيخان صالحان، قالا: سمعنا الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن
شعبة يقول على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن موسى عليه السلام
سأل ربه عز وجل: أي أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعدما يدخل أهل
الجنة الجنة، فيقال له: أدخل الجنة، فيقول: كيف أدخل الجنة وقد نزل الناس
منازلهم وأخذوا إخاذاتهم؟ فيقال له: ترضى أن يكون لك من الجنة مثل ما كان
لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: نعم أي رب، فيقال: لك هذا ومثله معه، فيقول:
أي رب رضيت؛ فيقال له: لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. وسأل ربه: "أي
أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال: سأحدثك عنهم، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها،
فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
ومصداق
ذلك في كتاب الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ
قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وهكذا
رواه مسلم والترمذي كلاهما عن ابن أبي عمر، عن سفيان وهو ابن عيينه به.
ولفظ مسلم: "فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟
فيقال رضيت رب. فيقال له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في
الخامسة: رضيت رب. فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت
عينك، فيقول: رضيت رب "قال رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت غرس
كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر".
قال: ومصداقه من كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقال الترمذي حسن صحيح: قال: ورواه بعضهم عن الشعبي عن المغيره فلم يرفعه، والمرفوع أصح.
وقال
ابن حبان: "ذكر سؤال الكليم ربه عن خصال سبع" : حدثنا عبد الله بن محمد بن
مسلم ببيت المقدس، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب. أخبرني عمرو بن
الحارث، أن أبا السمح حدثه عن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: "سأل موسى ربه عز وجل عن ست خصال كان يظن أنها له خالصة،
والسابعة لم يكن موسى يحبها: قال: يا رب أي عبادك أتقى؟ قال: الذي يذكر
ولا ينسى. قال: فأي عبادك أهدى؟ قال: الذي يتبع الهدى. قال: فأي عبادك
أحكم؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. قال: فأي عبادك أعلم؟ قال:
عالم لا يشبع من العلم. يجمع علم الناس إلى علمه. قال: فأي عبادك أعزّ؟
قال: الذي إذا قدر غفر. قال: فأي عبادك أغنى؟ قال: الذي يرضى بما يؤتى.
قال: فأي عبادك أفقر؟ قال: صاحب منقوص".
وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس الغنى عن ظهر، إنما الغنى غنى النفس،
وإذا أراد الله بعبد خيراً جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه، وإذا أراد
الله بعبد شراً جعل فقره بين عينيه.

قال ابن حبان: قوله "صاحب منقوص" يريد به منقوص حالته، يستقل ما أوتي ويطلب الفضل.
وقد
رواه ابن جرير في تاريخه عن ابن حميد، عن يعقوب التميمي، عن هارون بن
هبيرة، عن أبيه، عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه عز وجل فذكر نحوه. وفيه
"قال: أي رب فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن
يجد كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى. قال: أي رب فهل في الأرض أحد أعلم
مني؟ قال: نعم الخضر فسأل السبيل إلى لقيه، فكان ما سنذكره بعد إن شاء
الله، وبه الثقة.
ذكر حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان
قال
الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن درّاج، عن أبي
الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن
موسى قال: أي رب عبدك المؤمن مقتر عليه في الدنيا! قال: ففتح له باب من
الجنة فنظر إليها، قال: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال: يا رب وعزتك
وجلالك لو كان مقطَّع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى
يوم القيامة، وكان هذا مصيره لم ير بؤساً قط. قال: ثم قال: أي رب، عبدك
الكافر موسع عليه في الدنيا، قال: ففتح له باب إلى النار فقال: يا موسى
هذا ما أعددت له. فقال موسى: أي رب وعزتك وجلالك لو كانت له الدنيا منذ
يوم خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير خيراً قط".
تفرد به أحمد من هذا الوجه، وفي صحته نظر. والله أعلم.

وقال ابن حبان: "ذكر سؤال كليم الله ربه جل وعلا أن يعلمه شيئاً يذكره به"
: حدثنا ابن سلمة، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن
الحارث أن درَّاجاً حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: "قال موسى: يا رب علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به.
قال: قل يا موسى لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل
لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به. قال: يا موسى لو أن أهل
السماوات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم
لا إله إلا الله".
ويشهد
لهذا الحديث حديث البطاقة، وأقرب شيء إلى معناه الحديث المروي في السنن عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الدعاء دعاء عرفة. وأفضل ما قلت
أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد وهو على كل شيء قدير".
وقال ابن أبي
حاتم: عند تفسير آية الكرسي: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن
عبد الرحمن الدسكي، حدثني أبي عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن
أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن بني إسرائيل قالوا لموسى:
هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله! فناداه ربه عز وجل: يا موسى هل ينام ربك،
فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل، ففعل موسى. فلما ذهب من الليل ثلثه نعس
فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت
الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات والأرض
فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك قال: وأنزل الله على رسوله آية الكرسي.

وقال ابن جرير: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية
بن شبل عن الحكم بن أُبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر قال: "وقع في نفس
موسى عليه السلام هل ينام الله عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكاً فأَرقَّه
ثلاثاً، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما. قال:
فجعل ينام وكادت يداه تلتقيان، فيسقط فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام
نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان، قال: ضرب الله له مثلاً: أن لو كان
ينام لم تستمسك السماء والأرض".
وهذا حديث غريب رفعه. والأشبه أن يكون موقوفاً، وأن يكون أصله إسرائيلياً.
وقال
الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ
الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.
وقال تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ
وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ
وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
قال
ابن عباس وغير واحد من السلف: لما جاءهم موسى بالألواح فيها التوراة أمرهم
بقبولها والأخذ بها بقوة وعزم. فقالوا: انشرها علينا فإن كانت أوامرها
ونواهيها سهلة قبلناها. فقال: بل اقبلوها بما فيها، فراجعوه مراراً، فأمر
الله الملائكة فرفعوا الجبل على رؤوسهم حتى صار كأنه ظله، أي غمامة، على
رؤوسهم. وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها وإلا سقط هذا الجبل عليكم فقبلوا
ذلك وأمروا بالسجود فسجدوا فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم، فصارت
سُنة لليهود إلى اليوم، يقولون لا سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب.
وقال
سنيد بن داود عن حجاج بن محمد، عن أبي بكر بن عبد الله قال: فلما نشرها لم
يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز، فليس على وجه الأرض
يهودي صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونفض لها رأسه.
قال
الله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}. أي ثم بعد مشاهدة
هذا الميثاق العظيم والأمر الجسيم نكثتم عهودكم ومواثيقكم {فَلَوْلَا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}. بأن تدارككم بالإرسال إليكم
وإنزال الكتب عليكم. {لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.



ورد ذكر القصة في سورة الكهف الآيات 60-82.
القصة: الخضر
قال تعالى:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) (الكهف)
كان لموسى -عليه السلام- هدف من رحلته هذه التي اعتزمها،, وأنه كان يقصد
من ورائها امرا، فهو يعلن عن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن
المشقة، ومهما يكن الزمن الذي ينفه في الوصول. فيعبر عن هذا التصميم قائلا
(أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا).
نرى أن القرآن الكريم لا يحدد لنا المكان الذي وقت فيه الحوادث، ولا يحدد
لنا التاريخ، كما أنه لم يصرح بالأسماء. ولم يبين ماهية العبد الصالح الذي
التقاه موسى، هل هو نبي أو رسول؟ أم عالم؟ أم ولي؟
اختلف المفسرون في تحديد المكان، فقيل إنه بحر فارس والروم، وقيل بل بحر
الأردن أو القلزم، وقيل عند طنجة، وقيل في أفريقيا، وقيل هو بحر الأندلس..
ولا يقوم الدليل على صحة مكان من هذه الأمكنة، ولو كان تحديد المكان
مطلوبا لحدده الله تعالى.. وإنما أبهم السياق القرآني المكان، كما أبهم
تحديد الزمان، كما ضبب أسماء الأشخاص لحكمة عليا.
إن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب.. وليس هو علم
الأنبياء القائم على الوحي.. إنما نحن أمام علم من طبيعة غامضة أشد
الغموض.. علم القدر الأعلى، وذلك علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة.. مكان
اللقاء مجهول كما رأينا.. وزمان اللقاء غير معروف هو الآخر.. لا نعرف متى
تم لقاء موسى بهذا العبد.
وهكذا تمضي القصة بغير أن تحدد لك سطورها مكان وقوع الأحداث، ولا زمانه،
يخفي السياق القرآني أيضا اسم أهم أبطالها.. يشير إليه الحق تبارك وتعالى
بقوله: (عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا
وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) هو عبد أخفى السياق القرآني اسمه..
هذا العبد هو الذي يبحث عنه موسى ليتعلم منه.
لقد خص الله تعالى نبيه الكريم موسى -عليه السلام- بأمور كثيرة. فهو كليم
الله عز وجل، وأحد أولى العزم من الرسل، وصاحب معجزة العصا واليد، والنبي
الذي أنزلت عليه التوراة دون واسطة، وإنما كلمه الله تكليما.. هذا النبي
العظيم يتحول في القصة إلى طالب علم متواضع يحتمل أستاذه ليتعلم.. ومن
يكون معلمه غير هذا العبد الذي يتجاوز السياق القرآني اسمه، وإن حدثتنا
السنة المطهرة أنه هو الخضر -عليه السلام- كما حدثتنا أن الفتى هو يوشع بن
نون ، ويسير موسى مع العبد الذي يتلقى علمه من الله بغير أسباب التلقي
الني نعرفها.
ومع منزلة موسى العظيمة إلا أن الخضر يرفض صحبة موسى.. يفهمه أنه لن
يستطيع معه صبرا.. ثم يوافق على صحبته بشرط.. ألا يسأله موسى عن شيء حتى
يحدثه الخضر عنه.
والخضر هو الصمت المبهم ذاته، إنه لا يتحدث، وتصرفاته تثير دهشة موسى
العميقة.. إن هناك تصرفات يأتيها الخضر وترتفع أمام عيني موسى حتى لتصل
إلى مرتبة الجرائم والكوارث.. وهناك تصرفات تبدو لموسى بلا معنى.. وتثير
تصرفات الخضر دهشة موسى ومعارضته.. ورغم علم موسى ومرتبته، فإنه يجد نفسه
في حيرة عميقة من تصرفات هذا العبد الذي آتاه الله من لدنه علما.
وقد اختلف العلماء في الخضر: فيهم من يعتبره وليا من أولياء الله، وفيهم
من يعتبره نبيا.. وقد نسجت الأساطير نفسها حول حياته ووجوده، فقيل إنه لا
يزال حيا إلى يوم القيامة، وهي قضية لم ترد بها نصوص أو آثار يوثق فيها،
فلا نقول فيها إلا أنه مات كما يموت عباد الله.. وتبقى قضية ولايته، أو
نبوته.. وسنرجئ الحديث في هذه القضية حتى ننظر في قصته كما أوردها القرآن
الكريم.
قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، يدعوهم إلى الله ويحدثهم عن الحق، ويبدو
أن حديثه جاء جامعا مانعا رائعا.. بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد
المستمعين من بني إسرائيل: هل على وجه الأرض أحد اعلم منك يا نبي الله؟
قال موسى مندفعا: لا..
وساق الله تعالى عتابه لموسى حين لم يرد العلم إليه، فبعث إليه جبريل يسأله: يا موسى ما يدريك أين يضع الله علمه؟
أدرك موسى أنه تسرع.. وعاد جبريل، عليه السلام، يقول له: إن لله عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.
تاقت نفس موسى الكريمة إلى زيادة العلم، وانعقدت نيته على الرحيل لمصاحبة
هذا العبد العالم.. سأل كيف السبيل إليه.. فأمر أن يرحل، وأن يحمل معه
حوتا في مكتل، أي سمكة في سلة.. وفي هذا المكان الذي ترتد فيه الحياة لهذا
الحوت ويتسرب في البحر، سيجد العبد العالم.. انطلق موسى -طالب العلم- ومعه
فتاه.. وقد حمل الفتى حوتا في سلة.. انطلقا بحثا عن العبد الصالح العالم..
وليست لديهم أي علامة على المكان الذي يوجد فيه إلا معجزة ارتداد الحياة
للسمكة القابعة في السلة وتسربها إلى البحر.
ويظهر عزم موسى -عليه السلام- على العثور على هذا العبد العالم ولو اضطره
الأمر إلى أن يسير أحقابا وأحقابا. قيل أن الحقب عام، وقيل ثمانون عاما.
على أية حال فهو تعبير عن التصميم، لا عن المدة على وجه التحديد.
وصل الاثنان إلى صخرة جوار البحر.. رقد موسى واستسلم للنعاس، وبقي الفتى
ساهرا.. وألقت الرياح إحدى الأمواج على الشاطئ فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه
الحياة وقفز إلى البحر.. (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)..
وكان تسرب الحوت إلى البحر علامة أعلم الله بها موسى لتحديد مكان لقائه
بالرجل الحكيم الذي جاء موسى يتعلم منه.
نهض موسى من نومه فلم يلاحظ أن الحوت تسرب إلى البحر.. ونسي فتاه الذي
يصحبه أن يحدثه عما وقع للحوت.. وسار موسى مع فتاه بقية يومهما وليلتهما
وقد نسيا حوتهما.. ثم تذكر موسى غداءه وحل عليه التعب.. (قَالَ لِفَتَاهُ
آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا).. ولمع في
ذهن الفتى ما وقع.
ساعتئذ تذكر الفتى كيف تسرب الحوت إلى البحر هناك.. وأخبر موسى بما وقع،
واعتذر إليه بأن الشيطان أنساه أن يذكر له ما وقع، رغم غرابة ما وقع، فقد
اتخذ الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا).. كان أمرا عجيبا ما رآه
يوشع بن نون ، لقد رأى الحوت يشق الماء فيترك علامة وكأنه طير يتلوى على
الرمال.
سعد موسى من مروق الحوت إلى البحر و(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ)..
هذا ما كنا نريده.. إن تسرب الحوت يحدد المكان الذي سنلتقي فيه بالرجل
العالم.. ويرتد موسى وفتاه يقصان أثرهما عائدين.. انظر إلى بداية القصة،
وكيف تجيء غامضة أشد الغموض، مبهمة أعظم الإبهام.
أخيرا وصل موسى إلى المكان الذي تسرب منه الحوت.. وصلا إلى الصخرة التي
ناما عندها، وتسرب عندها الحوت من السلة إلى البحر.. وهناك وجدا رجلا.
يقول البخاري إن موسى وفتاه وجدا الخضر مسجى بثوبه.. وقد جعل طرفه تحت رجليه وطرف تحت رأسه.
فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك سلام..؟ من أنت؟
قال موسى: أنا موسى.
قال الخضر: موسى بني إسرائيل.. عليك السلام يا نبي إسرائيل.
قال موسى: وما أدراك بي..؟
قال الخضر: الذي أدراك بي ودلك علي.. ماذا تريد يا موسى..؟
قال موسى ملاطفا مبالغا في التوقير: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا).
قال الخضر: أما يكفيك أن التوراة بيديك.. وأن الوحي يأتيك..؟ يا موسى (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا).
نريد أن نتوقف لحظة لنلاحظ الفرق بين سؤال موسى الملاطف المغالي في
الأدب.. ورد الخضر الحاسم، الذي يفهم موسى أن علمه لا ينبغي لموسى أن
يعرفه، كما أن علم موسى هو علم لا يعرفه الخضر.. يقول المفسرون إن الخضر
قال لموسى: إن علمي أنت تجهله.. ولن تطيق عليه صبرا، لأن الظواهر التي
ستحكم بها على علمي لن تشفي قلبك ولن تعطيك تفسيرا، وربما رأيت في تصرفاتي
ما لا تفهم له سببا أو تدري له علة.. وإذن لن تصبر على علمي يا موسى.
احتمل موسى كلمات الصد القاسية وعاد يرجوه أن يسمح له بمصاحبته والتعلم
منه.. وقال له موسى فيما قال إنه سيجده إن شاء الله صابرا ولا يعصي له
أمرا.
تأمل كيف يتواضع كليم الله ويؤكد للعبد المدثر بالخفاء أنه لن يعصي له أمرا.
قال الخضر لموسى -عليهما السلام- إن هناك شرطا يشترطه لقبول أن يصاحبه
موسى ويتعلم منه هو ألا يسأله عن شيء حتى يحدثه هو عنه.. فوافق موسى على
الشرط وانطلقا..
انطلق موسى مع الخضر يمشيان على ساحل البحر.. مرت سفينة، فطلب الخضر وموسى
من أصحابها أن يحملوهما، وعرف أصحاب السفينة الخضر فحملوه وحملوا موسى
بدون أجر، إكراما للخضر، وفوجئ موسى حين رست السفينة وغادرها أصحابها
وركابها.. فوجئ بأن الخضر يتخلف فيها، لم يكد أصحابها يبتعدون حتى بدأ
الخضر يخرق السفينة.. اقتلع لوحا من ألواحها وألقاه في البحر فحملته
الأمواج بعيدا.
فاستنكر موسى فعلة الخضر. لقد حملنا أصحاب السفينة بغير أجر.. أكرمونا..
وها هو ذا يخرق سفينتهم ويفسدها.. كان التصرف من وجهة نظر موسى معيبا..
وغلبت طبيعة موسى المندفعة عليه، كما حركته غيرته على الحق، فاندفع يحدث
أستاذه ومعلمه وقد نسي شرطه الذي اشترطه عليه: (قَالَ أَخَرَقْتَهَا
لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا).
وهنا يلفت العبد الرباني نظر موسى إلى عبث محاولة التعليم منه، لأنه لن
يستطيع الصبر عليه (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ
صَبْرًا)، ويعتذر موسى بالنسيان ويرجوه ألا يؤاخذه وألا يرهقه (قَالَ لَا
تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا).
سارا معا.. فمرا على حديقة يلعب فيها الصبيان.. حتى إذا تعبوا من اللعب
انتحى كل واحد منهم ناحية واستسلم للنعاس.. فوجئ موسى بأن العبد الرباني
يقتل غلاما.. ويثور موسى سائلا عن الجريمة التي ارتكبها هذا الصبي ليقتله
هكذا.. يعاود العبد الرباني تذكيره بأنه أفهمه أنه لن يستطيع الصبر عليه
(قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا)..
ويعتذر موسى بأنه نسي ولن يعاود الأسئلة وإذا سأله مرة أخرى سيكون من حقه
أن يفارقه (قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي
قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا).
ومضى موسى مع الخضر.. فدخلا قرية بخيلة.. لا يعرف موسى لماذا ذهبا إلى
القرية، ولا يعرف لماذا يبيتان فيها، نفذ ما معهما من الطعام، فاستطعما
أهل القرية فأبوا أن يضيفوهما.. وجاء عليهما المساء، وأوى الاثنان إلى
خلاء فيه جدار يريد أن ينقض.. جدار يتهاوى ويكاد يهم بالسقوط.. وفوجئ موسى
بأن الرجل العابد ينهض ليقضي الليل كله في إصلاح الجدار وبنائه من جديد..
ويندهش موسى من تصرف رفيقه ومعلمه، إن القرية بخيلة، لا يستحق من فيها هذا
العمل المجاني (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا).. انتهى
الأمر بهذه العبارة.. قال عبد الله لموسى: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي
وَبَيْنِكَ).
لقد حذر العبد الرباني موسى من مغبة السؤال. وجاء دور التفسير الآن..
إن كل تصرفات العبد الرباني التي أثارت موسى وحيرته لم يكن حين فعلها تصدر
عن أمره.. كان ينفذ إرادة عليا.. وكانت لهذه الإرادة العليا حكمتها
الخافية، وكانت التصرفات تشي بالقسوة الظاهرة، بينما تخفي حقيقتها رحمة
حانية.. وهكذا تخفي الكوارث أحيانا في الدنيا جوهر الرحمة، وترتدي النعم
ثياب المصائب وتجيد التنكر، وهكذا يتناقض ظاهر الأمر وباطنه، ولا يعلم
موسى، رغم علمه الهائل غير قطرة من علم العبد الرباني، ولا يعلم العبد
الرباني من علم الله إلا بمقدار ما يأخذ العصفور الذي يبلل منقاره في
البحر، من ماء البحر..
كشف العبد الرباني لموسى شيئين في الوقت نفسه.. كشف له أن علمه -أي علم
موسى- محدود.. كما كشف له أن كثيرا من المصائب التي تقع على الأرض تخفي في
ردائها الأسود الكئيب رحمة عظمى.
إن أصحاب السفينة سيعتبرون خرق سفينتهم مصيبة جاءتهم، بينما هي نعمة تتخفى
في زي المصيبة.. نعمة لن تكشف النقاب عن وجهها إلا بعد أن تنشب الحرب
ويصادر الملك كل السفن الموجودة غصبا، ثم يفلت هذه السفينة التالفة
المعيبة.. وبذلك يبقى مصدر رزق الأسرة عندهم كما هو، فلا يموتون جوعا.
أيضا سيعتبر والد الطفل المقتول وأمه أن كارثة قد دهمتهما لقتل وحيدهما
الصغير البريء.. غير أن موته يمثل بالنسبة لهما رحمة عظمى، فإن الله
سيعطيهما بدلا منه غلاما يرعاهما في شيخوختهما ولا يرهقهما طغيانا وكفرا
كالغلام المقتول.
وهكذا تختفي النعمة في ثياب المحنة، وترتدي الرحمة قناع الكارثة، ويختلف
ظاهر الأشياء عن باطنها حتى ليحتج نبي الله موسى إلى تصرف يجري أمامه، ثم
يستلفته عبد من عباد الله إلى حكمة التصرف ومغزاه ورحمة الله الكلية التي
تخفي نفسها وراء أقنعة عديدة.
أما الجدار الذي أتعب نفسه بإقامته، من غير أن يطلب أجرا من أهل القرية،
كان يخبئ تحته كنزا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار
ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان
أبوهما صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما، فأراد أن يكبرا
ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته.
ثم ينفض الرجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف. وهو
أمر الله لا أمره. فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة وفيما قبلها، ووجهه
إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه.
واختفى هذا العبد الصالح.. لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول.. إلا أن موسى تعلم من صحبته درسين مهمين:
تعلم ألا يغتر بعلمه في الشريعة، فهناك علم الحقيقة.
وتعلم ألا يتجهم قلبه لمصائب البشر، فربما تكون يد الرحمة الخالقة تخفي
سرها من اللطف والإنقاذ، والإيناس وراء أقنعة الحزن والآلام والموت.
هذه هي الدروس التي تعلمها موسى كليم الله عز وجل ورسوله من هذا العبد المدثر بالخفاء.
والآن من يكون صاحب هذا العلم إذن..؟ أهو ولي أم نبي..؟
يرى كثير من الصوفية أن هذا العبد الرباني ولي من أولياء الله تعالى،
أطلعه الله على جزء من علمه اللدني بغير أسباب انتقال العلم المعروفة..
ويرى بعض العلماء أن هذا العبد الصالح كان نبيا.. ويحتج أصحاب هذا الرأي
بأن سياق القصة يدل على نبوته من وجوه:
1. أحدها قوله تعالى:
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) (الكهف)
2. والثاني قول موسى له:
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا
عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
(67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ
سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ
لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) (الكهف)
فلو كان وليا ولم يكن نبي، لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على
موسى هذا الرد. ولو أنه كان غير نبي، لكان هذا معناه أنه ليس معصوما، ولم
يكن هناك دافع لموسى، وهو النبي العظيم، وصاحب العصمة، أن يلتمس علما من
ولي غير واجب العصمة.
3. والثالث أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام بوحي من الله وأمر منه..
وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولي لا يجوز له
الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لأن خاطره ليس بواجب
العصمة.. إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق.. وإذن ففي إقدام الخضر على قتل
الغلام دليل نبوته.
4. والرابع قول الخضر لموسى:
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
يعني أن ما فعلته لم أفعله من تلقاء نفسي، بل أمر أمرت به من الله وأوحي إلي فيه.
فرأى العلماء أن الخضر نبيا، أما العباد والصوفية رأوا أنه وليا من أولياء الله.
ومن كلمات الخضر التي أوردها الصوفي
الموضوع الأصلي : قصصص الانبياء الكاتب : marwaالمصدر : منتديات طموح الجزائر
marwa : توقيع العضو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المعلومات
الكاتب:
المدير{ع~المعز}العام
اللقب:
المدير العام
الرتبه:
المدير العام
الصورة الرمزية

المدير{ع~المعز}العام

البيانات
الجنسية :
gzaery
الجنس الجنس :
ذكر
الـبـلــــد :
الجزائر
المزاج :
قصصص الانبياء Pi-ca-20
نوع المتصفح :
firefox
المهنة المهنة :
studen
الهواية :
readin
تاريخ الميلاد :
07/04/1987
العمـر العمـر :
37
العمل/الترفيه :
المدير المميز في المنتدى
المزاج :
في منتهى الروعة و الإطمئنان فرح بما حوله
تاريخ التسجيل :
08/03/2009
النقاط النقاط :
77638
تقييم الأعضاء تقييم الأعضاء :
0
إحترام القوانين :
100
توقيع المنتدى :
توقيع المنتدى + دعاء

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://tomouhdz.mam9.com
مُساهمةموضوع: رد: قصصص الانبياء قصصص الانبياء Emptyالسبت أبريل 17, 2010 4:32 pm

شكرا لك على الموضوع الرائع و المميز
الموضوع الأصلي : قصصص الانبياء الكاتب : المدير{ع~المعز}العامالمصدر : منتديات طموح الجزائر
المدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصصص الانبياء

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة
صفحة 1 من اصل 1

مواضيع مماثلة

-
» قصص الانبياء
» اسطوانة قصص الانبياء للشعراوى

odessarab الكلمات الدلالية
odessarabرابط الموضوع
odessarab bbcode BBCode
odessarab HTML HTML كود الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات طموح الجزائر :: ˆ~¤®§][©][ المنتديات الإسلامية الصوتيات منها و المرئيات ][©][§®¤~ˆ :: سور القرآن الكريم-