يعمد كثير من أحبابنا خطباء الجوامع في خطب العيد بتذكير الناس بأمرين محزنين في خطب عيدهم :
الأول :
تذكير الناس بمن فقدوا من أهليهم في هذا العيد , وكيف أنهم يفقدونهم
–اليوم – في عيدهم وأنهم إذا رجعوا إلى بيوتهم , فقدوا الأب الحنون ,
والأم الرؤم , وإذا تعيادوا فقدوا أشخاصهم , وإذا جلسوا على موائدهم لم
يعد يجلس معهم من كان يجلس في هذا العيد , فتتهيج أحزان غائرة , وتتحرك
مصائب راكدة , فيرجع أهل المصائب – وقلما سلم منها أحد - وقد خيم الحزن
على القلوب , وعادوا إلى بيوتهم في يوم الفرح حزانى , وفي يوم الزينة
مغمومين , ويتحول أفراحهم في يوم عيدهم إلى حزن وآهات , وتقلبت عندهم
مواجع , وتهيجت لديهم أوجاع .
الأمر الثاني : تذكير الناس بمآسي
المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها – وما أكثرها هذه الأيام – فأينما التفت
المرء , يجد مصيبة ومأساة لأفراد المسلمين , مابين تشريد , وفقر , وحرب ,
ودمار , وأطفال قد تيتموا , ونساء قد ترملوا .
واتفق مع إخواني الخطباء
– وأنا واحد منهم - أن المسلمين يعيشون مآسي غير منتهية , بل أجزم أن
غالبية هذا الجيل نشئوا على هذه المآسي , وهم ينتقلون من مأساة إلى أخرى ,
ولكن لِما التذكير بها في مثل هذا اليوم , وما الذي يمكن لمسلم يعيش بعيدا
عن هذه المآسي أن يفعله حال سماع الخطبة , وقد فعل كثر من العامة ما
بوسعهم من الدعاء الصادق لإخوانهم , والمعونة التي بمقدورهم فعلها .
أما التذكير بالأموات يوم العيد فلا أرى وجهاً من المناسبة في التذكير به يوم العيد والفرح والسرور.
لقد
نهى الله رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الحزن بوجه عام عن العام فكيف
بيوم الفرح والسرور, وفي قوله تبارك وتعالى { لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى
مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } النهي عن الأسى وهو
الحزن والنهي عن الفرح الذي هو البطر في حالة تجاوز حدوده , والحزن لون من
ألوان الشقاء ، الذي لا فائدة من ورائه لأنه شيء قد مضى , ولا يمكن رد
شيئا من قضاء الله وقدره
وكان من دعاء رسول الله عليه الصلاة والسلام " وأعوذ بك من الحزن .." .
وقد ذكر شيخ الإسلام : أن الحزن مذموماً في الشريعة , ولم يأت به نصاً واحداً في مدحه .
فلنجعل
من العيد يوم فرح وسرور للمسلمين العابدين الآمنين , ومن حكمة الله تعالى
في أفعاله ,أن نوّع الأقدار على العباد ليقوم كل واحدٍ بالعبودية الواجبة
عليه , وليس واجب الشكر بأقل من واجب الصبر .
وهل نبخل على عامة الناس
أن يفرحوا في يوم ٍ قد أذن الله فيه بالفرح , وكان رسول الله عليه الصلاة
والسلام يأذن للصحابة أن يفرحوا فيه , وهل نحن أشد حباً للأمة من محمد صلى
الله عليه وسلم , الذي كان عليه الفرح في مثل هذا اليوم , ولا يخفى على كل
أحد أن الحكمة هبة ونعمة من الله , ومن الحكمة القول المناسب في الوقت
المناسب , وإذا كان لا يُقبل من أحد أن يذكر أحداً في يوم فرحه بمأساته ,
فكيف إذا كانت الفرحة لعامة الأمة .
فلنجعل الطبائع على سجيتها في عيدها ,وليفرح الناس يوم عيدهم , في حدود ما أباح الله .
جزى الله خطبائنا عنا خير الجزاء , وسددهم وأعانهم