[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالن
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه
.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 7- (عَنْ)أولاً-حول خصائص حرفيها ومعانيها الفطرية:1-(العين)- من معانيها العلو والظهور والإحاطة… وكان لها (128) مصدراً تبدأ بها لهذه المعاني.
2-(النون)- من معانيها الصميميّة والبطون والنفاذ، كما أسلفنا.
وهكذا
فإن ثمة تناقضاً بين معاني حرفيها: (فالعلو والظهور والإحاطة) في (العين).
يناقضها على التوالي (الصميمية، والبطون، والنفاذ) في (النون).
وإذن فما هي محصلة هذه المتناقضات في حرفي (عن)؟.
لم
أجد استعمالاً لحرف (عن) يجمع بين هذه المتناقضات أصدق من عبارة: ((تلقى
الفقه عن شيخه)) وما ماثلها من المعاني المعنوية، نحو: ((ورث الشجاعة عن
أبيه)).
ولكن هل سيراعي العربي في معانيها واستعمالاتها التراثية محصلة هذه الخصائص المتناقضة في حرفيها.
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:هي لدى (ابن هشام) على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: حرف جر: ولها عشرة معان.
1-المجاوزة،
نحو: ((سافرت عن البلد)) و ((رغبت عن صحبته))، و ((ورميت السهم عن
القوس)). ولم يذكر البصريون لها سوى هذا المعنى على ما أثبته (ابن هشام).
والتجاوز في هذه الأمثلة يتوافق مع محصلة المعاني الفطرية المتضادة لخصائص حرفي (عن).
فالإقامة
في البلد، وصحبة الرفاق، واستقرار السهم في القوس هي أحداث تتوافق مع
صميمية (النون) وبطونها. فجاءت (العين) بموحيات العلو والسمو في صوتها
لتمكين الأفعال الآنفة الذكر: (سافرت- رغبت-رميت) من تجاوز مفعولاتها غير
المباشرة (البلد-الصحبة-القوس).
فالمجاوزة
في حقيقتها هي المحصلة (الهندسية-الميكانيكية) لقوة الشد إلى تحت في
الصميمية والبطون (للنون)، ولقوة الشد إلى فوق في العلو والسمو (للعين)،
في حركة أفقية انزلاقية هي المعنى الحقيقي للتجاوز: يمكن رسمها في الشكل
التالي:
العلو للعين
التجاوز هو المحصلة.
البطون للنون
والتجاوز
إما معنوي كقوله تعالى (أذهب الحزن عنه)، وإما حسي، نحو: ((مسح العرق عن
وجهه). وسنجد في معاني (عن) التالية تأويلات وتقديرات من التجاوز هي أقرب
لمعانيها الحقيقية الفطرية.
2-البدل: كما في الحديث الشريف: ((صومي عن أمك))، ونرى أن معنى (التجاوز) أولى به بتقدير: ((دعي ثواب صومك يتجاوزك إلى أمك)).
3-الاستعلاء:
كقوله تعالى ((.. فإنما يبخل عن نفسه))(40). أي على نفسه، والاستعلاء هنا
غير حقيقي، لأنه يقتصر على إمكان استعمال (على) بدلاً من (عن). فالمقصود
فيما نرى هو: ((أن ضرر البخل يتجاوز الآخرين إلى نفس صاحبه)).
4-التعليل:
كقوله تعالى: ((وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك))، أي بسبب قولك. ولكن معنى
(عن) هنا يتوافق مع معنى التجاوز المستمد من محصلة خصائص حرفيها ومعانيهما
كما أسلفنا في مثال:
((تلقى الفقه عن شيخه)). ويظهر هذا المعنى جلياً لو عكسنا المعنى وقلنا: ((عبدنا الله عن قولك)).
5-مرادفة (بعد): كقوله تعالى: ((يحرِّفون الكلم عن مواضعه))(41)-وكقوله أيضاً:
((لَترْكبنَّ
طبقاً عن طبق))(42) أي حالة بعد حالة. والتجاوز هنا واضح لا يحتاج إلى
تأويل أو تقدير. فالتحريف يتم هنا بنقل الكلام من موضع إلى موضع في حركة
(انزلاقية-تجاوزية). وكذلك الأمر في الانتقال من حال إلى حال.
6-الظرفية: كقول الشاعر:
ولا تكُ عنْ حَمْل الرِّباعةِ وانيا)).
| | ((وآسِ سُراةَ الحيِّ حيثُ لقيتَهم
|
وهذا المعنى مردُّه إلى قول بعضهم بأن فعل (ونى) لا يتعدى إلا بحرف (في) بدليل قوله تعالى:
((ولا
تنيافي ذكري)). ولكن (ابن هشام) يحيل هذا المعنى إلى التجاوز وهو الأصح.
إذ أن معنى (ونى عن كذا) جاوزه ولم يدخل فيه، أما (ونى فيه) فمعناه، دخل
فيه وفتر.
7-مرادفة
(مِن): كقوله تعالى: ((هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن
السَّـيِّئات))(43). ونرى أن التجاوز المعنوي في ((قبول التوبة (عن)
عباده))، أبلغ وأوفى للغرض من استعمال (مِن) للتوبة.
وذلك
على العكس من استعمال (مِن) للمعاني الحسية بمعرض القبول والتقبل. فمن
معاني (من) كما مر معنا آنفاً (الاستخراج). ففي قوله تعالى ((.. إذ قرَّبا
قرباناً فتُقبِّل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر))
(44). يمكن صرف (التقبُّل منه) إلى (الأخذ منه).
8-الاستعانة،
نحو: ((رميت السهم عن القوس)) أي بالقوس. ولكن السهم هنا يتجاوز القوس في
حركة انزلاقية فكان معنى التجاوز أكثر توافقاً وتطابقاً مع واقعة الرمي
بالسهام و أوفى للغرض من معنى الاستعانة.
9-مرادفة
الباء، كقوله تعالى: ((وما ينطق عن الهوى))(45). ولكن معنى التجاوز هنا
صريح، بتقدير ((وما يتجاوز نطقه (العقل والحكمة والحقيقة..) إلى الهوى)).
وهي الأبلغ من (الباء).
10-أن تكون زائدة، ولها ثلاثة أوجه:
الأول: للتعويض من أخرى محذوفة، كقول الشاعر:
فهلاّ التي عنْ بيْنَ جَنبيك تدْفعُ))..
| | أتجزعُ إنْ نفسٌ أتاها حِمامُها
|
أي:
((فهلاّ تدفع عن التي بينَ جنبيك))، فحذفت (عن) من أول الموصول وزيدت
بعده. والصياغة الشعرية ركيكة، ولا عبرة لهذا المعنى فيما نرى.
الثاني:
أن تكون حرفاً مصدرياً. وذلك أن بني تميم يقولون: ((أعجبني عن تفعل كذا))
بدلاً من ((أعجبني أن تفعل كذا)). وهذه المصدرية لا أهمية لها لنشوذها.
الثالث: أن تكون اسماً بمعنى (جانب). وذلك حين تجر (بمن أو على).
فمن الأول قول الشاعر:
مِنْ عن يميني تارةً وأمامي).
| | ((فلقد أَراني للرِّماحِ دريئةً
|
ومن الثاني قول أحدهم:
وكيفَ سُدُوحٌ واليمينُ قطيعُ)).
| | ((على عنْ يميني مرَّتِ الطيرُ سُنَّحاً
|
ومعنى التجاوز قد لحقها إلى (الاسمية) أيضاً. فمفهوم (جانب) ينطوي في حد ذاته على التجاوز وهو صريح في البيتين آنفي الذكر.
وهكذا،
كان البصريون أصدق حَدْساً بصدد حصر معاني (عن) جميعاً في التجاوز، الذي
هو محصلة معاني حرفي (العين والنون)، في حركة انزلاقية كما أسلفنا.
وبالتقاء الفطري والتراثي في هذا الحرف الرعوي (عن) يكون واحداً من المستحاثات اللغوية أيضاً.
8- (على)واستطراداً
في الحديث عن معاني (العين) في (عن)، رأينا أن نتحدث هنا عن (على) ذات
الأحرف الثلاثة قبل الحديث عما بقي من حروف الجر ذوات الحرفين.
أولاً-حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:أ-(العين)-
لها خصائص ومعان عديدة بحسب طريقة النطق بصوتها. ونكتفي منها هنا بثلاثة
فقط مما يعنينا في تحديد معاني حروف الجر وسواها من حروف المعاني التي
تشارك في تراكيبها. فمن معانيها:
1-العلو والظهور بما يتوافق مع النطق بصوتها بنبرة عالية. كما في (علا-عَرَب).
2-العيانية والوضوح، بما يتوافق مع نصاعة صوتها ونقائه كيفما نطق به. كما في: (العلم- العراص).
3-العوج والميل: نحو: ((عقد الشيء-لواه))، والعقد والربط، نحو: ((عقل البعير- ربطه)).
والفتل والدوران، نحو: (عبل الحبل-فتله)، وهكذا إلى (64) مصدراً جذراً تبدأ بالعين.
وهذه
المعاني التي تعبِّر عن حَدْس الإحاطة تتوافق مع طبيعة صوت (العين) إذا
لفظ بنبرة عالية وبشيء من الشدة والتكرار، كما في (عصّد-عقّل-عّبل..).
طريقة قديمة في النطق بصوت (العين) قد اندثرت، ولم ألحظ لها أثراً واضحاً
إلا في لهجة رعاة الإبل من عشائر (عنزة) في البادية السورية في الخمسينيات
من هذا القرن. على أن هذا التكرار في صوت (العين) نلحظه مخففاً في أصوات
بعض الناس ممن تكون مخارج أصواتهم قريبة من مخرج صوت (العين). كما يلاحظ
ذلك في طريقة نطق محمد عبد الوهاب بصوت (العين) في أغانيه أيام شبابه.
وكما يلاحظ أيضاً في ترتيل (العين) في القرآن الكريم أحياناً قليلة.
ب- (اللام)-من معانيها الإلصاق والالتصاق.
ح- (الألف اللينة أو المقصورة): فاصل صوتي للامتداد.
فتكون محصلة خصائص أحرفها ومعانيها: ((الاستعلاء والإحاطة والاتصال على تراخ وامتداد)).
ثانياً-حول معانيها واستعمالاتها التراثية:هي لدى (ابن هشام) على وجهين:
الوجه الأول: حرف: ولها تسعة معان:
1-الاستعلاء:
وهو الغالب على معانيها. فإمّا حقيقي، كقوله تعالى: ((وعَليها وعلى
الفُلْكِ تُحملون)(46) وإمّا معنوي كقوله تعالى: ((فضَّلنا بعضَهم على
بعضٍ))(47). وهذا المعنى الغالب في استعمالاتها التراثية، هو المعنى الأصل
لها صراحة بلا تقدير أو تأويل. وذلك لتوافقه مع الخصائص الفطرية لأحرفها.
2-المصاحبة – (مع) كقوله تعالى ((وأتى المال على حبه..))..(48)
ونرى
أنَّ معنى المصاحبة في (مع) أقل بلاغة من معنى الاستعلاء في (على). فالعين
للعلو والإحاطة، واللام للاتصال، والألف اللينة للمسافة. فيكون إيتاء
المال على حبه تعالى مقترناً بمعاني السمو والإحاطة (حصراً)، على شيء من
المسافة بين الإنسان وربه، مما لا تقدر (مع) المصاحبة على تضمين هذه
المعاني الذكية.
وهكذا
الأمر في قوله تعالى ((وإنَّ ربَّك لذو مغفرة للناس على ظُلمهم))(49).
فالصلة بين المغفرة وظلم الناس في (على) تتسم بالسمو والإحاطة والفسحة
أيضاً. فكانت (على) هنا للاستعلاء أوفى للغرض من (مع) للمصاحبة.
3-المجاوزة (عن). كقول الشاعر:
لعمرُ اللهِ أعجبني رِضاها)).
| | ((إذا رضيتْ عليَّ بنو قُشَيْرٍ
|
والرضى
هنا يتسم بالسمو والإحاطة ومسافة التكريم بين الراضي والمرضي (عليه).
فكانت (على) الاستعلاء أبلغ من (عن) المجاوزة. مع الإقرار بأن عبارة
(الرضى عنه) أكثر شيوعاً واستعمالاً من عبارة (الرضى عليه). فجاء بها
الشاعر لضرورة الوزن.
4-التعليل-(اللام):
كقوله تعالى: ((ولتكبروا الله على ما هداكم))(50). والصلة هنا بين (الله)
تعالى والمهديين تتسم أيضاً بالسمو والإحاطة ومسافة التعظيم. فكانت (على)
للاستعلاء أبلغ في ذلك من (اللام) اللاصقة وأوفى للغرض بتقدير: ((لهدايته
لكم)).
5-الظرفية-
(في). كقوله تعالى: ((ادخلوا المدينة على حين غفلة))(51). ولكن دخول
المدينة يتطلب فسحة في الزمان والمكان، لا تتضمنها (في) الظرفية التي تمثل
حفرة في الطبيعة كما سيأتي فلا فسحة معها في الزمان أو المكان. فكانت
(على) أبلغ وأوفى للغرض.
6-موافقة
(من): كقوله تعالى: ((ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس
يستوفون)(52). (على) هنا أصلح للاستعلاء المعنوي على الناس الذين إذا
(كالوهم أو وزنوهم يخسرون)).
7-موافقة
(الباء). نحو ((اركب على اسم الله))، أي باسم الله. ومعنى (الباء) هنا
للاستعانة كما أسلفنا. ولكن (على) بما تتضمنه من معاني السمو والإحاطة
والفسحة هي أوفى للغرض وأبلغ في أداء معنى (الاستعانة من (الباء).
8-أن تكون زائدة للتعويض: كقول الشاعر:
إن لم يجدْ يوماً (على) من يتكِلْ)).
| | ((إن الكريمَ وأبيكَ يعتملْ
|
وأصلها ((إن لم يجد يوماً من يتكل عليه)). فكانت (على) تعويضاً عن (عليه) المحذوفة. وهذا ليس معنى لها ولا عبرة له.
9-أن تكون للاستدراك والإضراب كقول الشاعر:
على أن قُربَ الدارِ خيرٌ مِنَ البُعدِ)).
| | ((بِكُلٍّ تَداوينا فلمْ يَشفَ ما بِنا
|
إذا كانَ مَنْ تهواهُ ليسَ بذي ودّ)).
| | على أنَّ قُرْبَ الدارِ ليسَ بِنافعٍ
|
فقد
أبطل بـ (على) الأولى قوله (لم يشف ما بنا)، ثم أبطل بـ (على) الثانية ما
قاله في الشطر الثاني من البيت الأول: ((على أنَّ قرب الدار..)). وهذا
الاستعمال اصطلاحي وصحيح.
الوجه الثاني: أن تكون اسماً بمعنى (فوق). وذلك إذا دخلت عليها (من). ولم يثبت هذا المعنى لدى (ابن هشام).
وفي
الحقيقة أن معنى (فوق) لا يتضمن الالتصاق أصلاً. وذلك لأن من معاني
(الفاء) الفصل والقطع كما أسلفنا في (الفاء) العاطفة، على العكس من (على).
فنقول: ((حط الطائر على الشجرة))، لالتصاقه بها في أعاليها بفعل (اللام)
اللاصقة، ولا نقول (فوقها). كما نقول: ((حام الطَّائر (فوق الشجرة) وليس
عليها.
وهكذا يرفض (ابن هشام) اسمية (على) بمعنى (فوق)، فكان في ذلك ملتزماً بخصائص أحرف (على) الفطرية، فيلتقي التراثي هنا مع الفطري.
ملاحظة لا بد منها، حول التعدية بـ (على) وبـ (اللام).
لا
يجيز بعض اللغويين تعدية فعلي (حزن وأسف) إلا بحرف الجر (على). وبعضهم
يجيزه بـ (اللام) أيضاً. ويستشهد كلا الفريقين بما ورد في التراث.
فما الضابط في ذلك، وما الأصول في استعمالهما؟.
يجوز
تعدية كل فعل لازم بـ (اللام) عندما يقصد منه أن يكون مفعولاً غير مباشر
(مفعولاً له) أي (لأجله). ففي قولنا (حزنت له) يكون الحزن ملتصقاً بشخص
المحزون من أجله، لما أصابه هو نفسه من مكروه. وهكذا الأمر في (أسفت له)
لخاصية (اللام) بالإلصاق.
أما
في قولنا (حزنت عليه) فالأمر يختلف. فلما كان من معاني (على)، الإحاطة
لحرف (العين)، والالتصاق لحرف (اللام)، والمسافة الفاصلة لحرف (الألف
اللينة)، فإن الحزن هنا يتجاوز المصاب إلى المتكلم لبيان وقع الفاجعة التي
أحاطت به، بسبب ما أصاب المحزون عليه.
(9- إلى):واستطراداً
ثانياً في الحديث عن (اللام والألف اللينة) في نهاية (على)، رأينا أن
نتحدث هنا عن حرف الجر (إلى) قبل أحرف الجر ذات الحرفين.
أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:1-(الهمزة)-
هي بصوتها الانفجاري تثير الانتباه وتوحي بالحضور والوضوح والظهور، مما
جعلها صالحة للقيام بوظيفة النداء، كما أسلفنا والاستفهام أيضاً كما سيأتي:
2-(اللام)- للإلصاق والالتصاق والالتزام كما أسلفنا.
3-(الألف المقصورة)- امتداد صوتي للمسافة في الزمان والمكان.
وهكذا
تكون وظيفة (إلى) بحكم محصلة خصائص أحرفها ومعانيها: ((إلصاق حكم فعل
لازم- بمفعول به، على ظهور ووضوح بفاصل زماني- مكاني)) نحو: ((ذهبت إلى
البيت))، يعني إني ذهبت جهاراً (للهمزة) حتى اتصلت بالبيت (للام)، بفاصل
زماني- مكاني، (للألف المقصورة). أما إذا لم يكن الذهاب جهاراً، فيجب
إضافة (خفية أو تسللاً..).
وذلك
على العكس من وظيفة (اللام) المفردة اللاصقة في: ((هذا الكتاب لزيد))
فالملكية هنا تلتصق مباشرة بزيد، بلا أي فاصل زماني أو مكاني، وهي غير
ظاهرة بالضرورة. ولذلك لا يقال: ((هذا الكتاب إلى زيد))، ولا: ((ذهبت
للبيت)): وقريب من ذلك قولنا ما أحبَّني (لزيد أو إلى زيد)، تعبيراً عن
حبي.
له في الأولى للإلصاق مع (اللام)، وعن حبه لي في الثانية للامتداد مع (الألف) كما أسلفنا.
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:هي لدى (ابن هشام) على ثمانية معان:
1-انتهاء
الغاية الزمانية، كقوله تعالى: (ثم أتِمّوا الصِّيامَ إلى الليل)،
والمكانية كقوله أيضاً: ((من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)). وقد يدخل
ما بعدها في حكم ما قبلها إذا وجدت قرينة، نحو: ((قرأت القرآن من أوله إلى
آخره)). وقد لا يدخل كقوله تعالى: نحو ((ثم أتموا الصيام إلى الليل))(53)،
فالليل لا يدخل. وهذا المعنى هو الأصل في استعمال (إلى) التراثي بما
يتوافق مع خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية كما أسلفنا.
2-المعية:
نحو: ((جمعهم إلى بعضهم بعض)) وقوله تعالى: ((من أنصاري إلى الله))(54).
وهنا تستمد (إلى) معنى (المصاحبة) من خصائص أحرفها. فـ(الهمزة) للحضور
والوضوح و(اللام) للالصاق والجمع، و(الألف المقصورة) للفسحة في الزمان
والمكان. وهذه المعاني هي من مقتضيات (المعية) والمصاحبة.
3-موافقة
(في). كقوله تعالى: ((ليجمعنّكم إلى يوم القيامة)(55). ولئن كانت (إلى)
تأخذ هنا معنى (في) إلا أن معنى انتهاء الغاية الملغية الزمانية
والمكانية.. هو هنا أوفى للغرض وأبلغ من معنى
(في) الظرفية.
4-موافقة
(اللام)، نحو: ((والأمر إليك)). ولكن (إلى) هنا، هي لانتهاء الغاية، وذلك
بتقدير: ((الأمرُ منته إليك)). وهي أبلغ من معنى (اللام) اللاصقة، وأكثر
تعظيماً وتكريماً للمخاطب من قولنا ((والأمر لك)).
5-موافقة (عند): كقول الشاعر
أشهى (إليَّ) من الرحيق السلسل))؟
| | ((أم لا سبيل إلى الشباب، وذِكرُهُ
|
وهذا المعنى صحيح. فهو يتوافق مع خصائص أحرف (إلى) في الظهور والإلصاق والمسافة (الزمانية) بينه وبين الشباب الغابر.
6-التبيين: كقوله تعالى: ((ربِّ السجن أحبُّ (إليَّ) مما يدعونني، إليه))
(56).
ونرى أن (عندي) تصح هنا أيضاً بدلاً من (اليّ) فتكون هذه الفقرة(للتبيين)
والفقرة السابقة لمعنى واحد، بتقدير (عندي)- ولكن (إلى) في المثالين
السابقين هي أوفى للمعنى من (عندي)، وألطف تناولاً وأكثر التصاقاً بذات
المتكلم وهكذا لا يؤبه لهذين المعنيين.
7-الابتداء، كقول الشاعر:
أيُسقى فلا يَروَى (إليّ) ابنُ أحمرا))؟.
| | ((تقولُ وقد غاليتُ بالكُورِ فوقَها
|
أي
(يروي مني)). وهذا المعنى شاذ لتعارضه مع الخصائص الفطرية لأحرف (إلى)،
كما أنه نادر الاستعمال على ما يرى (ابن هشام)، مما لا يؤبه له لتعارض هذا
المعنى مع خصائص أحرف (إلى) الفطرية ومعانيها.
8-التوكيد:
وهي الزائدة، أثبته الفراء، مستدلاً بقراءة بعضهم قوله تعالى: ((فاجعل
أفئدة من الناس تهوي إليهم)(57) بفتح (الواو) إذ أن الأصل (تهوِي)، بكسر
(الواو). وهذا المعنى لا يعتد به لتعارضه مع خصائص أحرف (إلى) فهو شاذ
لقراءة شاذة.
وهكذا
فإن اقتصار معاني (إلى) واستعمالاتها التراثية على (ستة) صحاح فقط من
ثمانية يرجع إلى التزامها بخصائص أحرفها الثلاثة، على تناقض بين خصائص
حرفي (الهمزة، واللام) في (إلى) مما جعلها أقل طواعية لرغبات العربي وأقل
حرية وتحرراً بمعرض التعبير عن المؤيد من المعاني والاستعمالات.
10-فِيأولاً- حول خصائص حرفيها ومعانيهما الفطرية:1-(الفاء)- من معانيها (الفصل والشق والتوسع)، كما في (فأس- فطم- فرج- فتح..).
2-(الياء)-
بحسب حركة النطق بصوتها تشير إلى (تحت)، لتأخذ في الذهن صورة حفرة في
الطبيعة. فتكون (في) بتوافق معاني حرفيها: (الفاء) للتوسع (الياء) للحفرة
(وعاءً للمحتويات) أي ظرف للمكان. فهل ستلتزم استعمالاتها التراثية
بالمعاني الفطرية لحرفيها؟.
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:هي حرف جر. ولها عند (ابن هشام))، عشرة معان.
1-الظرفية- وهي إما مكانية، كقوله تعالى: ((غلبت الروم(58)، في أدنى الأرض (59)…))
وإما زمانية، كما في بقية الآية: ((وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع
سنين))(60)، وقد تكون مجازية نحو: ((ادخلوا في أُمم)) أي معهم. ولكنها
تصبح ظرفية إذا قدرناها ((في جملة أمم)).
3-(التعليل)، نحو: ((إنّ امرأة دخلت النار في هرة)) أي (بسبب هرة) وهو صحيح ولكنه اصطلاحي، لتعارضه مع خصائص حرفي (الفاء والياء).
4-الاستعلاء
لقوله تعالى: (((ولأصلبنكم (في) جذوع النخل))(61) بمعنى (على جذوع النخل)،
وهو، في رأينا غير صحيح. لأن الصلب يكون بتثبيت الجسم في جذع النخلة
بمسامير من حديد وما شابهها وليس فوق جذوعها. وهي هنا للظرفية المكانية.
5-مرادفة
(الباء)، نحو: ((أنت خبير في هذا الأمر)). ونرى أن (في) هنا للظرفية
المجازية- بتقدير ((في شؤون هذا الأمر)). وذلك على العكس مما لو قلنا:
((أنت خبير في استعمال- السلاح))، إن صح هذا الاستعمال أصلاً. فتكون هنا
مرادفة (الباء) بمعنى (الاستعانة).
ويكون الأصح عندئذ أن نقول: ((أنت خبير باستعمال السلاح))، وليس في استعماله.
6-مرادفة (إلى) كقوله تعالى: (( فَرَدُّوا أيديَهم ووضعوها في أفواههم))
(62)، والظرفية المكانية فيما نرى هي أولى بها هنَا، بتقدير : فَرَدّوا أيديَهم في أفواههم)) سواء أكان المعنى مجازياً أو- حقيقياً.
7-المقايسة،
كقوله تعالى/ ((فما متاع الحياة الدنيا (في) الآخرة إلاّ قليل)). وهذا
المعنى يتماس مع الظرفية الزمانية بتقدير: ((إذا قورِن متاع الدنيا بنعيم
الجنة (يوم) الآخرة، فما هو إلاّ قليل)).
8-مرادفة (من) كقول الشاعر:
وهلْ يعِمَنْ من كانَ في العُصُرِ الخالي)).
| | ((ألاعِمْ صباحاً أَيُّها الطللُ البالي
|
ثلاثينَ شهراً (في) ثلاثةِ أحوالِ)).
| | ((وهل يعِمَنْ من كان أحدثُ عهدِه
|
أي
(من) ثلاثة أحوال. وهذا المعنى ضعيف، يصعب تخريجه بشكل سليم. وكان موضع
خلاف فلا يؤبه له، لأنه ليس معنى اصطلاحياً، ولا فطرياً أصيلاً.
9-التعويض:
وهي الزائدة عوضاً من (في) أخرى محذوفة، نحو: ((من ضربت فيمن رغبت))،
وأصله: ((ضربت من رغبت فيه)). وهو معنى ركيك ضعيف الاستعمال، لا يعتبر
اصطلاحياً ولا يؤبه له. فلم يجزه- سوى ابن مالك.
10-التوكيد: وهي الزائدة لغير التعويض، أجازه الفارسي في الضرورة. كقول الشاعر:
يُخالُ (في) سَواده بَرَنْدَجَا)).
| | ((أنا أبو سَعيدٍ إذا الليلُ دَجا
|
وهذا المعنى ضعيف أيضاً وغريب الاستعمال مما لا يؤبه له، ولا يعتبر مصطلحاً.
وهكذا
فإن أغلب معانيها واستعمالاتها التراثية الصحيحة تتوافق مع خصائص حرفيها
ومعانيها الفطرية في الظرفية. مما يصح اعتبارها من أقدم المستحاثات
اللغوية: (الفاء) للمرحلة الزراعية- و(الياء) للمرحلة الغابية.
11-رُبَّأولاً- حول خصائص حرفيها ومعانيها الفطرية:1-(الراء)-
من معانيها التكرار والترجيع والتحرك والتمفصل، بما يتوافق مع طريقة النطق
بصوتها (التكراري)، كما يعرِّفها الأنطاكي في (محيطه). ولقد كان ثمة (8
17) مصدراً جذراً تبدأ بالراء و(172) تنتهي بها لهذه المعاني. مما يثبت
صحة هذه الخاصية وعراقتها في معانيها. كما في (ربك. رتك. رقص. رأد. رجع.. راغ. رمل…).
2-(الباء)- من معانيها (الحفر والبقر. والبيان). كما في (بجّ. بعج. بك (للحفر والبقر)، وكما في بصر. بقل. بهر. (للظهور والبيان).
ومحصلة معاني هذين الحرفين تشير إلى التكرار والبيان .
ثانياً- حول معانيها التراثية وأصول استعمالها:هي حرف جر. أما عند الكوفيين فهي اسم.
لها وظيفة واحدة تتعلق بالعدد كثرة أو قلة. فهي لدى (ابن هشام ) ترِدُ للتكثير كثيراً وللتقليل قليلاً.
1-للتكرار-
كقوله تعالى: ((ربما يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين)). وفي الحديث
الشريف: ((يا رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)). وما أكثر المعنيين
بهذين المثالين.
2-للتقليل- كقول الشاعر:
وذي ولَدٍ لم يلدْه أبوان)).
| | ((ألا رُبَّ مولودٍ وليسَ له أبٌ
|
والمقصود في الشطر الأول (عيسى) وفي الشطر الثاني (آدم) عليهما السلام. وهما قلة.
ولكن
الخصائص الفطرية لحرفيها: (الراء) للتكرار و(الباء) للبيان، تتوافق مع
استعمالها للكثرة والتكرار. وهكذا فإن تغليب استعمالها للكثير على القليل
بما يتوافق مع خصائص (الراء) الفطرية في التكرار، ينم عن حساسية ذوقية
تراثية في منتهى الرهافة.
ثالثاً- حول بعض استعمالاتها:1-لاتجر إلا المفرد النكرة، فلا يقال: ((ربّ رجالٍ)) و((ربّ زيدٍ)).
2-يجب في مجرورها الظاهر أن يوصف، نحو: ((ربّ كتابٍ نافع قرأته)).
3-تعمل
(ربّ) مذكورة ومحذوفة. ويكثر حذفها بعد (الواو)، وتسمى (واو ربّ) وأقل من
ذلك بعد (الفاء) وأقل منهما بعد (بل). وقد تحذف وليس قبلها شيء من الحروف.
4- يجب تصديرها.
5-إذا دخلت عليها (ما) الزائدة (ربما) كفَّتها عن العمل. وقد يبقى لها عمل وهو قليل.
6-يقول
(ابن هشام) في (ربّ) ست عشرة لغة: (ضم الراء وفتحها، وكلاهما مع التشديد
والتخفيف والأوجه الأربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو متحركة ومع التجرد منها
فهذه اثنتا عشرة لغة، والضم والفتح مع اسكان الباء، وضم الحرفين مع
التشديد ومع التخفيف في التلفظ بصوتها.
وهذه
الكثرة من اللغات في (ربّ)، تعود إلى خاصية (التمفصل) في صوت (الراء)،
بحيث تبقى محافظة على خصائصها في التكرار كيفما لُفظت وحُركت.
12-13- مُذْ + مُنْذُلهما معان واستعمالات واحدة:
أولاً- حول خصائص أحرفهما ومعانيهما الفطرية:باستعراض
معانيهما التراثية لم نعثر على رابطة واضحة بينهما وبين خصائص أحرفهما،
ولا سيما (الذال) التي من معانيها (الاهتزاز والشدة والقطع).
وإذن
فلنصرف النظر مؤقتاً عن البحث في خصائص أحرف (الميم والنون والذال) للكشف
عن الرابطة بينها وبين معاني (مذ ومنذ)، إلى أن ننتهي من بيان معانيهما
واستعمالاتهما التراثية.
ثانياً- حول معانيهما واستعمالاتهما التراثية:لهما لدى (ابن هشام) ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يليهما اسم مجرور، فيكونان حرفي جر لثلاثة معان:
1-بمعنى (مِنْ)، إذا كان الزمن ماضياً، نحو: ((ما رأيته (مذ + منذ) يوم الخميس.
2-وبمعنى (في)، إذا كان الزمن حاضراً، نحو: ((ما رأيته (مذ + منذ) يومِنا.
3-وبمعنى (من وإلى) إذا كان معدوداً، نحو ((ما رأيته (مذ + منذ) ثلاثةِ أيام.
وقد استقر العربي على وجوب جر ما بعدهما، نحو: ((ما رأيته (مذ –
منذ)- يومين. وعلى ترجيح جر (منذ) للماضي على رفعه نحو: ((ما رأيته (منذ)
يومين)). وعلى ترجيح رفع (مذ- للماضي على جره، نحو: ((ما رأيته (مذ)
يومان)):
الحالة الثانية: أن يليهما اسم مرفوع. نحو: ((ما رأيته (مذ) ومنذ (يومان). وذلك بتقدير ((مذ كان، منذ كان يومان)).
الحالة الثالثة: أن تليهما جملة فعلية، نحو: ((ما رأيته مذ سافر))، أو جملة اسمية، نحو: - ((ما رأيته منذ هو صغير)).
وهكذا يبدو أنه ليس ثمة علاقة بين معانيهما التراثية وبين الخصائص الفطرية لأحرفهما.
ولكن
ماذا لو أخذنا بأقوال بعض الكوفيين، من أن كلاً من (مذ.منذ) مؤلف من
كلمتين اثنتين هما: (من) + (ذو) الطائية، كما ذكر (ابن هشام)؟ فهل ستتوافق
معانيهما- واستعمالاتهما التراثية مع محصلة معاني ((من + ذو))؟.
أ-(من)،
من معانيها (ابتداء الغاية) مكانية أو زمانية، كما أسلفنا في دراستها.
ولما كانت (مذ ومنذ) تتعلقان بالحاضر أو الماضي، فإن (ابتداء الغاية)
الزمانية هو الذي يعنينا هنا وحده.
ب-(ذو)- معناها الأصلي التراثي (صاحب)، نحو (ذومال)). ولكنها تأتي مصاحبة للزمان، نحو ((اتيته ذات صباح وذا مساء)).
وهكذا
يغلب على معاني (مذ-منذ) الجارتين المتعلقتين بالماضي، فيما نرى، (ابتداء
الغاية الزمانية). وهو أحد معاني (من). أما (الذال)، فهي مخفف (ذو)
الزمانية فتكون محصلة معاني (من+ذو) ابتداء الغاية الزمانية، لتتوافق بذلك
خصائص أحرفهما الفطرية مع معانيهما التراثية.
وما
نحسب إلا أن العربي قد أبدع (مذ) من (منذ)، لأن هذه هي الأصل المركب،
فخففت إلى (مذ) بفعل الشعراء لضرورات الوزن. وذلك على مثال ما كانت (إنّي)
هي أصل (إنّ)- كما سيأتي في الأحرف المشبهة بالفعل.
ويبدو
لي أن هذين الحرفين (مذ ومنذ) قد أبدعا في مرحلة لغوية شعرية متأخرة،
فتراخت بذلك معانيهما واستعمالاتهما التراثية عن خصائص أحرفهما ومعانيهما
الفطرية.
14-حتّى الجارَّةيشترط
في (حتى) الجارة ما يشترط في (حتى) العاطفة، أن يكون مجرورها مفرداً
ظاهراً، لا مضمراً، وهو هنا لا يدخل في حكم ما قبلها، على العكس من (حتى)
العاطفة. فإذا قلنا ((قرأت الكتاب حتى الفصل الخامس)) بالكسر، فإن الفصل
الخامس لا يدخل. وذلك على العكس مما لو قلنا ((قرأت الكتاب حتى الفصلَ
الخامسَ)) بالفتح، فهو يدخل بالعطف، كما سبق.
وحتى الجارة هذه لها معنيان:
1-مرادفة (إلى). نحو: ((سأقيم في المدينة حتى يأتي الربيع)).
2-ومرادفة (كي)، نحو ((أسلم حتى تدخل الجنة)).
ويبدو لي أن الأصل في (حتى) هو العطف لخاصية الاحتواء في (الحاء). التي تناسب العطف وليس الجر. وهكذا جاء (الجر) لاحقاً.
على
أن (حتى) لها معان واستعمالات عديدة أخرى يصعب حصرها، مما لا يعنينا في
هذه الدراسة عن حروف الجر، فصرفنا النظر عنها. وقد قال بعضهم: ((مات
الفراء وفي قلبه شيء من حتى)).
15-16-17 (خَلا+ عَدا+ حَاشا)لم يبدعها العربي أحرفاً للجر أصلاً. وليس ثمة علاقة بين خصائص الأحرف العربية التي تشارك في تراكيبها وبين معانيها واستعمالاتها التراثية. لذلك سنجمل احكامها ومعانيها فيما يلي:
حول معانيها واستعمالاتها التراثية:
1-أفعال ماضية متصرفة، نحو ((شتم زيدٌ رفاقه، وما حاشا أحداً منهم)). و((خلا البيتُ من السكان) و((عدا الغزال عدواً سريعاً)).
2-أفعال ماضية جامدة، نحو: ((سكر القوم حاشا زيداً)) و((قام القوم (خلا-عدا) زيداً)) وإن زيداً في هذه الأمثلة منصوب على الاستثناء.
3-أحرف
جر شبيهةً بالزائدة: إذا استعملت في الاستثناء وجرَّت الاسم المستثنى له.
نحو ((قام القوم (خلا- عدا- حاشا) زيد)) فزيد مجرور لفظاً منصوب محلاً على
الاستثناء.
وهكذا
يتضح أن هذه الأفعال الثلاثة قد أُقحمت في فئة حروف الجر إقحاماً، بدليل
أن مجروراتها تُنصب محلاً على الاستثناء. مما يجعل جرها لما بعدها
اختيارياً وضرباً من الاصطلاح. وربما كان ذلك على أيدي الشعراء لضرورات
الأوزان والقوافي.
وإذن فهي أفعال وليست (حروف) جر أصلية.
18- متى:هي
حرف جر بمعنى (من)، أو بمعنى (الى). وهذان المعنيان خاصان بلغة (هذيل).
يقولون ((وضعته متى كمي)) أي (في) كمي. و((اخرجتها متى كمي))، أي (من) كمي.
ولا
يؤبه لهذين المعنيين لأنهما لغة خاصة بإحدى القبائل العربية. ولأن خصائص
أحرفها لا تتوافق مع هذين المعنيين. وهي إما اسم استفهام، أو اسم شرط
جازم، مما لا علاقة له بالجر.
19- كَيْ:هي على ثلاثة أوجه:
1-اسم استفهام- كقول الشاعر:
قتلاكُمُ ولَظى الهَيجاءِ تضْطِرمُ)).
| | ((كي تجنحونَ إلى سلم وما ثُئِرَتْ
|
هي (كيف) بحذف (الفاء). وهذا المعنى لا علاقة له بـ(كي) الأصلية.
2-حرف جر- وهي الداخلة على (ما) الاستفهامية، نحو ((كيم فعلت ذلك)) أي ((لم فعلته)) والداخلة على (ما) المصدرية، كقول الشاعر:
يُرجَّى الفتى كيما يَضُرُّ ويَنفعُ)).
| | ((إذا أنت لم تنفعْ فضُرَّ فإنما
|
أي، يرجّى الفتى للضرر والنفع.
3-حرف مصدرية ونصب، نحو: ((ذهبت إلى المدرسة لكي أتعلمَ). نرجئ البحث عن (كي) المصدرية هذه إلى فئة أحرف النصب.
ولما
كانت (كي) لا تدخل إلا على الأفعال، كما لاحظنا آنفاً، فإن خاصية الجر
فيها قد أُلصق بها إلصاقاً لتخريج إعراب ما بعدها. فيبدو أنهم لم يجدوا له
مخرجاً إلا بجعلها أداة وما بعدها جملة فعلية في محل جرِِّ بها، على ما
ذكره ابن هشام في (مغني اللبيب). وهكذا تكون وظيفتها في الجر مصطلحة، مما
يخرجها من فئة حروف الجر الأصلية.
20-لَعلّهي أحد الأحرف المشبهة بالفعل ناصبة لاسم ورافعة لخبر، كما سيأتي:
أما في لغة عقيل، فهي حرف جار، كقول الشاعر:
(لعلَّ) أبي المغوارِ منكَ قريبُ)).
| | فقلتُ ادعُ أخرى وارفعِ الصوتَ جَهرة
|
ونرى
أنه لا يؤبه لخاصية الجر فيها، لأنها لغة خاصة لدى احدى القبائل العربية،
ولأن معنى الجر المسند إليها لا يتوافق مع خصائص أحرفها.
وهكذا
فإن حداثة الحروف العربية تتجلى في هذا الفصل بالوعي الجديد لخصائصها
ومعانيها الفطرية بمعرض المطابقة بينها وبين المعاني التراثية وأصول
استعمال حروف الجر التي تشارك في تراكيبها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وفي الاخير لا يسعني الا بان اشكركم لأتحافكم موضوعي هذا ,,,,
سأل المولى عز وجل بان يعلمنا العلم النافع ,,,
وان يرزقنا من حيث لا نحتسب ,,,
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...