[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]مواصلة لسلسلتنا حول الإنزياح الأسلوبي في القرآن الكريم، أحببت هذه المرة أن نقف عند عامل النصب في قوله تعالى" :يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ
فَآمِنُوا
خَيْرًا لَكُمْ"حيث تم نصب "خيرا" بعد فعل الأمر مما جعل النحاة يقدمون
شتى التبريرات غير متفقين على تخريج واحد كما العادة، لكن ما يهمنا هو
علاقة تلك التقديرات بالإنزياح نفسه:
قال
الفراء:" منصوب باتصاله بالأمر، لأنه من صفة الأمر، وقد يستدل على ذلك،
ألم تر الكناية من الأمر تصلح قبل الخبر.فتقول للرجل:اتق الله هو خير لك،
أي الاتقاء خير لك فإذا سقطت( هو) اتصل بما قبله وهو معرفة فنصب. وليس
نصبه على إضمار يكن لأن ذلك يأتي بقياس يبطل هذا، ألا ترى أنك تقول: اتق
الله تكن محسنا، ولا يجوز أن تقول:اتق الله محسنا وأنت تضمر تكن. ولا يصلح
أن تقول: انصرنا أخانا وأنت تريد تكن أخانا"
قال
الزجاج:" اختلف أهل العربية في تفسير نصب (خير) فقال الكسائي: انتصب
لخروجه من الكلام. قال:وهذا تقوله العرب في الكلام التام، نحو قولك:
لتقومن خيرا لك، فإذا كان الكلام ناقصا رفعوا فقالوا: إن تنته خير لك.
وقال
أبو عبيدة:"....قال الخليل وجميع البصريين:إن هذا محمول على معنى، لأنك
إذا قلت: انته خيرا، فأنت تدفعه عن أمر وتدخله في غيره، كأنك قلت انته خير
وائت خير لك وادخل فيما هو خير لك
قال ثعلب:" قال الكسائي: يقول فيها فآمنوا إيمانا خيرا لكم والخليل يقول:أضمر افعلوا خيرا لكم"
يبدو
أن الفراء سعى سعيا للانتصار للوجه الذي ارتضاه وإبطال ما سواه وهو الشيء
الذي لم يقتنع به الزجاج مع أنه لم يقدم رأيا مقنعا يخصه حين اكتفى بنقل
آراء السابقين الشيء نفسه لاحظناه على ثعلب من خلال التخريج الذي قدمه،
وهذا التعارض بين النحاة هو في الحقيقة تعارض في النص نفسه الذي وقع
تركيبه بطريقة متفردة تسمح وتدفع بغير فعل محذوف وبتقديره في آن واحد،
لذلك نقول من وجهة نظر اسلوبية إن النص لا يؤدي إلى تعارض على مستوى
المعنى ولكنه يصهر في بناء واحد معنيين متعاضدين فيحن قال لهم(آمنوا)
أمرهم بما هو خير لهم، فكانه قال:(اعملوا خيرا لكم) أو (آمنوا إيمانا خيرا
لكم) وفي ذات الوقت فإن إيمانهم يكون خيرا لهم، أو بإيمانهم يفعلون خيرا
لهم.
انتظرونا في مناسبة أخرى ومع انزياح جديد، وتقبلوا احترامي وتقديري