أشاقكَ والليل مُلْقي الجِرانِ | غرابٌ يَنوحُ على غصْنِ بانِ |
أحمُّ الجناح شديد الصياح | يُبكِّي بعينين لاتَهْمُلانِ |
وفي نَعَباتِ الغرابِ اغترابٌ | وفي البانِ بَيْنٌ بعيدُ التَّدانِ |
لعمري لئن فزعَتْ مقلتاك | إلى دمعة قَطْرُها غيرُ وانِ |
فَحَقَّ لعينيك ألاّ تجفَّ | دموعهما وهما تَطرِفانِ |
ومن كان في الحيَ بالأمس منك | قريبَ المكان بعيدُ المكانِ |
فهل لك يا عيشُ من رَجْعة ٍ | بأيّامِك المُونقاتِ الحسانِ |
فيا عيشَنا والهوى مُورِقٌ | له غُصُنٌ أخْضر العُودِ دانِ |
لعَلَّ الشَّبابَ ورَيْعانَه | يُسَوِّدُ ما بيَّضَ القادمانِ |
وهيهات يا عيشُ من رجْعة ٍ | بأغصانِكَ المائِلاتِ الدَّواني |
لقد صَدع الشيْبُ ما بيننا | وبينك صَدْعَ الرِّداءِ اليماني |
عليك السَّلام فكم ليلة ٍ | جَموحٍ دليلٍ خليعِ العنانِ |
قَصَرْتُ بك اللَّهوَ في جانبيه | بِقَرْعِ الدُّفوفِ وعزَفِ القيانِ |
وعَذْراءَ لمْ تَفْتَرِعْها السُّقاة ُ | ولا اسْتامها الشَّربُ في بيتِ حانِ |
ولا احتَلَبَتْ دَرَّها أرْجُلٌ | ولا وَسَمَتْها بنارٍ يَدانِ |
ولكنْ غَذَتْها بألبانِها | ضُروُعٌ يَحُفُّ بها جَدْولانِ |
إلى أن تحوّل عنها الصِّبا | وأهْدى الفطام لها المرضعانِ |
فأحسبها وهي مكروعة ٌ | تمجُّ سلافَتُها في الأَوانِ |
عناقيد أخلافُها حُفَّلٌ | تدرّ بمثل الدّماء القَواني |
فلم تَزَل الشمس مَشغولة ً | بصِبغَتها في بطُونِ الدِّنان |
ترشّحها لِلِثامِ الرْجال | إلى أن تصدّى لها الساقيانِ |
فَفَضّا الخواتِيم عن جَوْنة ٍ | صدُوفٍ عن الفحل بكرٍ عَوانِ |
عجوزِ غذا المِسْكُ أصداغها | مضمَّخة الجلد بالزعفْرانِ |
يطوفُ علينا بها أحْورٌ | يَداهُ مِنَ الكأسِ مَخضوبتانِ |
لياليَ تحْسَبُ لي من سِنيَّ | ثمانٍ وواحدة ٌ واثنتانِ |
غلامٌ صغير أخو شِرَّة ٍ | يطيرُ مَعي للهوى طائرانِ |
جَرُور الإزارِ خَليع العِذَار | عليَّ لِعهد الصِّبا بُرْدتانِ |
أصيب الذنوبَ ولا أتَقي | عقوبة َ ما يكتب الكاتبان |
تَنَافَسُ فيَّ عيونُ الرّجالِ | وتعْثَرُ بي في الحُجول الغواني |
فأقْصرت لما نَهاني المشيب | وأقْصَر عَن عَذليَ العاذلانِ |
وعافتْ عَيوفٌ وأتْرابُها | رُنُوِّي إليها وملَّتْ مكاني |
وراجعتُ لمّا أطار الشبابَ | غرابان عن مفْرقي طائِرانِ |
رأتْ رجلاً وسَمَتْه السِّنونَ | بِرَيْبِ المشيب وريْبِ الزّمانِ |
فَصَدَّت وقالت أخو شيبة ٍ | عديمٌ ألا بِئْسَتِ الحالَتانِ |
فقلت كذلكَ من عَضَّهُ | من الدهر ناباه والمخلبانِ |
وعُجْتُ إلى جَملٍ بازِلِ | رحيبٍ رحى الزور فحل هجانِ |
سبوح اليدين طموحِ الحرانِ | غؤُولٍ لأنساعه والبِطانِ |
فعضَّيت أعواد رحلي به | وناباه من زمَع يضربانِ |
فلّما استقلَّ بأجْرانهِ | ولانَ على السير بعض اللِّيانِ |
قطعتُ به من بلادِ الشآمِ | خُرُوقاً يضلُّ بها الهاديانِ |
إلى مَلِكٍ من بني هاشمٍ | كريم الضّرائب سبْط البنانِ |
إلى عَلم البأسِ في كفّه | من الجود عينان نضَّاختانِ |