عصافير مدينتنا
كان الأطفال يطيرون في مدينتنا ويسافرون مجانناً الى كل الأتجاهات ومعهم قصاصات متناثرة من دفاترهم المدرسية ,
حينما أتتهم الرجفة الأولى من أعصار الأنفجار وعبثت بأجسادهم الطرية الى
قطع من لحومٍ ممزقة قبل أن يلحقه الدوي الذي جعل قطع العظام وزجاج
الشبابيك سهامً مميتة في الهواء, تثقب مافي طريقها .
لم نتعرف على أخي أحمد من بين أشلاء تلاميذ مدرسة الجيل السعيد الأبتدائية للبنين ,أبداً ,
لم يكن هناك , ولم يعد موجوداً , لاجثته , ولا أي دليل يخصه ,قد وصلنا , ورغم كل البحث المضني ,.
في المساء الخامس عشر على الحادثة , رجعت أمي المنكوبة الى الدار وكأنها مجذوبة حلت لتوها من كهفٍ متربٍ كانت فيه ومنذ سنين,.
تفحصت
وجهها المتحجر والخالي من السوائل ,من نزيف أمواج البكاء ,لقراءة الأجابة
, ولكنها سرعان ماسقطت على ركبتيها وهبطت على باطون الحوش ودنت برأسها نحو
الأرض
فضننتها تسجد,.
الا
أنها أمدت يدها نحو الحفرة المدورة والتي تقف في وسطها فسيلة نخلة وأخذت
حفنة من ترابها ونثرتها على رأسها ومن ثم رفعته الى الأعلى.
وجدتني حدقاتها المنهكة , ووالتي أستغرقتها وقتاً لتتعرف على صورة الشبح الذي أمامها هو ليس الا أنا ,وواقفا .
صرخت بعدها وقالت:
- لم يكن أحمدً, لم يكن أبني .
وغرقت في بكاء تتخللها ذبحات سعال.
كان
جمهور من الأولاد قد أكتشفوا ذلك اليوم بقايا لنصف وجه طفلٍ , معلق على
شجرة رمان في البستان المجاور والمهجور, فظنوه أخي الصغير ..
لقد مرت أيام وشهورٌ على المجزرة ,
الدماء جفت , والأيادي التي تلقفت بقايا الأجساد كانت قد دفنتها ولم يبق من المكان الا شيئان ,
حمام دمٍ وحش ضارٍ والحان النشيد الذي كانوا يغنونها وقت الساعة .
في النهاية وجدت قلم أحمد الأسود والذي أهديته أياه في عيد الطالب سالماً بين بقايا الخراب .
همست لأمي بخبر ذلك وكي أقول لها حقيقة الأمر , فعساها أن تتيقن من موت أبنها وتنهض للحياة مجدداً , فوجدتها تبتسم وتقول :
- أذن أخفيه عنه وأعمله مفاجأة يابني.
تركتها على فراشها في ركن الغرفة وركضت نحو الدرجات المؤدية للسطح لأطمئن من عودة سرب الحمام ,
كانت تجلس جميعها على سقف وعتبات أبواب أقفاصها ولكنها بدت وكأنها تخاف من شيئ مجهول في الأرض ,
كانت علبة الرسائل السرية الحمراء بيني وبين منى , جارتي الحبيبة , هناك و تتأرجح من الرياح الخفيفة.
كنت تواقا لسطورها ولقائها ..
طلبت بأن أنساها وأبحث عن طريقي ,فأنها اُجبرت على قبول تاجرٍ كان لصاً وسكيراً من سنوات قليلة ومن عمر أبيها.
الموضوع الأصلي :
................. عصافير مدينتنا ..................... الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|