لا اعرف كيف تفكر عقولهم ! لا أتصور أن لقلوبهم وضيفة أخرى غير أن تدق! أنا أيضا أصبح قلبي يدق وفقط, لم اعد اشعر بشيء نحوه الآن غير الذهول ! حتى أنت يا أبي !؟ اعتقدت انه غير كل البشر غير كل الرجال , لكنه خذلني لا بل قتلني ولا يعرف مزقني ولا يشعر !!

اليوم
أنهيت امتحاناتي الجامعية اليوم أتاني عمي وأخي حسين وقتلاني بسكين أبي
الغالي.. تمنيت لو أن أنفاسي ما امتدت لأعيش تلك اللحظة أو أن الصمم سبق
صوتهما إلى أذناي..!! وآه آه وأنا ابحث لنفسي عن مفر أو سكين أخرى تنهي سريعا عذابي فلم أجد إلا صوت أخي حسين وهو يقول " تعالي , تعالي عندي.. " فترى هل أدرك من شهد موتي أني ابحث عن قبر يحتويني ففتح لي ذراعيه !!؟ فكيف نسيت يا والدي ثلاثين عاما بهذه السرعة ؟ في أي مكب رميت كل الذكريات اخبرني ؟ كيف استطعت انتزاع عمرا مضى بهذه البساطة !!؟

أمي الحبيبة بل أقول ماما كما تعودت أن أناديك, ابنتك لن تعود إلى ذلك البيت ثانيتا, اجل لن افعل لن اذهب إلى هناك فأبي سيستبدلك بأخرى , إمرة تواصل معه الدرب وتأنس وحدته ! فهل هذا عذر اقبله ! هل في هذا قسوة مني أو منه ؟ أو أن قلبك سيسامحه ويعذره ؟ كيف نسى ثلاثين عاما في اقل من عامين من رحيلك !! كيف ؟ كيف ؟

من اليوم سوف اعلم قلبي القسوة , اعلمه أن لا يشفق ولا يتردد في غلظته.. سوف يصبح اشد من أحجارهم التي في الصدور تلك التي نست سريعا نبرة صوتك, صورتك , عطرك ,
اهتمامك الذي قسم بعدل فلا يجد احد انه ينقصه شيء أو انه اقل من غيره..
فهل ستطلبين مني أن اغفر ؟ أن اعذر وأتعقل ؟ اعرف انك ستقولين ذلك لكني
تغيرت وتصلبت تحت المطرقة !! لا اقدر أن أعود إلى ذلك البيت الذي أفنيتي عمرك فيه وبين أركانه , لا اقدر أن أرى أخرى على مائدة الطعام ومقعدك فارغ !! فارغ ؟؟ فارغ كمثل هذه الدنيا بدونك.. فارغ كمثل قلوبهم التي رضت بأن لا تملئ الدنيا صراخا واحتجاجا, فارغ كمثل عقل والدي الذي نساك ونسى رمضان واجتماعنا في المطبخ حولك.. ضحكتك, نور وجهك حين تبتسمين ,
مسحة يدك التي تهون وتمحي كل الهموم...آه لقد نسى يا امي كل ذلك ولابد انه
سيجمع أشيائك وصورك ويخبأها ويخفيها في مكان بعيد فقريبا سيعوضها بأخرى..!!

هذه رسالتي كتبتها لك ولا اعرف كيف ستصلك !! هل اصرخ بها آم أضعها على قبرك ؟ لا اعرف لكني لن أعود... لن أعود كزهرة دوّار الشمس التي ذبلت وانحنت حين غاب عنها النور...