ليلة منحرفة
ما زلت اذكر قولك يوما:" الحب الأبدي لم يكن مصيرنا بل طريقنا إلى الأدب "
لا اعرف هل أهنئ الأدب على ما أوجدانه معه من إبداعات ,أم أعزي الحب فينا على خيبة الأمل .
لا أعرف حقا كيف أصف تلك المرحلة من حياتي عندما كنت أكتب لعينيك, و أنا أتخيل كيف ستكون الابتسامة مرسومة على شفتيك .
أحيانا أشعر بأنانيتي ...لأنني أرى بعيون اللاوعي أنني كتبتك في الكلمات كي تعرف كلماتي, و ليس كي تُعرفي أنتي معها.
إني أوجدت تلك الكلمات من خلالك , أجل لربما هذا صحيح و لكن رغم ذلك كنت أحبك .
لا
اعرف هل استعمال الفعل في صيغة الماضي يدل على أني نسيت, أم هي كانت
وسيلتي كي أتناسى خلال السنوات التي تلت رحيلك عني , السنوات التي تلت
رحيل الأدب عني .
لم
اقترف خطيئة الكتابة منذ فترة طويلة , منذ تفكيري في أنك سترحلين, هل
كان خوفي من فقدانك سبب صومي عن الكتابة؟........أم الكتابة صامت عني
معلنة انه وقت رحيلك...........؟
لطالما
كنت أيتها الأديبة قوية الشخصية , و أنا بقربك أشعر أنني أذوب في عالمك
الوردي , لن أنكر أنني حسدتك كثير المرات على إبداعك, و كلما سألتك من أين
تأتي أفكارك.......
و تجيبين علي بتلك النظرة التي بعد غيابك فهمتها .
كنت
أراها جميلة ساحرة و لكن بعد أن غبني رأيتها على حقيقتها..... كم كانت
هي نظرة ساخرة تقتل رجولتي , هل كان حبي لكِ أعمي كي لا أرى أنني أهُنت
وقتها أم أنني كنت أعمي بصري عن تلك الأمور كي تبقي لي.
لا
اعرف لما أعادك إلي الزمن هذه الليلة الباردة في بلدي , منذ رحلتي على أول
طائرة تغادر مطار الوطن , شعرت باليتم اجل لا تستغربي يتمي , اني قد تيتمت
من حضن الحرف الذي كان يغريني ان اراه يبتسم لي و لوابتسامة شاحبة كانت
تعنى غيري ا كثر مما تعنيه لي , كنت ارى في حقيقة الكلمات انها قصص اخرى
لعوالم اخرى لم اكن انا مرسوما فيها و لكن كان يعجبني انا اراك شامخة في
القصة كما في الحياة .
اللعنة
على هذا البرد اليوم الذي غلف ليلي بشوق دفين اليك ,عاد لينبض بين اضلعي
منذ رايت طائرتك تحط على ارض البلاد في نشرة الاخبار, لقد اختفيت من
عمري سنوات كنت اوهم نفسي انك قد رحلت وانا نسيت , لم اسال عنك و لاعن
دواوينك و لا عن قصصك كنت قد اصبحتي عندي سلعة منتهية الصلاحية و امراة
بلا قلب , لكن اليوم عدتي الي بعد الغياب , عدت و لا اعرف هل عادن معك
صلاحيتك او قلبك ,و انا اقرا في الجرائد عن حفل توقيعك للكتاب الذي رسمتي
قصتي فيه , هل يعقل انني اصبحت اليوم مجرد رجل كان و مضى ليصبح على الرف
مع بقية الرجال و الذكريات , يا الهي لا اعرف لما لم افهمك عندها .
لما
كلما سألتك عن الأفكار أجبتي بنفس الابتسامة و قلت: الرواية و القصة هي
مجرد مكنونات نظهرها الى العلن بعد ان تصبح بلا قيمة داخلنا نخرجها كي
نترك حيزا للجديد نخرجها كي لا نترك الرماد يتنفس معنا اوكسجين الحياة ,
هل اصبحت اليوم مجرد رماد بعد ان كنت انا جسد الحياة في وقت ما .
الليلة
ساقترف جنون الكتابة من جديد , اشتهي ان انحر براءة الاوراق البيضاء التي
سكنت كثيرا درج مكتبي , كتابك بالقرب من يدي لم اشتره لم استطع ان ادفع
عدة دنانير ثمن حكايتي.
كيف
ادفع ثمنا لما عشته انا , هل يعقل ان ياتي علينا الزمن ذات يوم لنصبح هكذا
اشباه اشخاص ,اشباه شخصيات في اروقة حياة عشناها و حفنة اوراق كتبت بحبر
اسود في طابعة ببلاد المهجر هل هذا ما اصبحت عليه فعلا .
ليلتي
هذه مجنونة علي ان اخترق كل الحواجز التي بنيتها هذه السنين ,حتى استطيع
التخلص من كل رواسب تواجدك في عالمي, ايتها المراة المفترسة غادري ليلتي.
دعيني
اخنقك في حروفي كي تهربي, اريد ان ابدع من جديد بعيدا عن تدخل عينيك بين
اسطري ,اريد ان اعود مجددا ذلك الاناني المتباهي الذي في يوم ما كان يعجبك
, لا تنكري انني كنت ابدو الوحيد المناسب لك عندما كنت اكتب لك بتلك
الطريقة , اعترفي انك كنت تذوبين كلما امتدح احد حرفي و كنت على
برائتي اعتبره فخرا بي , و لكنني اكتشفت انه فخر لان تكوني لرجل مثلي
وقتها .
اليوم ساجعل ذلك الرجل يولد من جديد كي يعيدك الى الحياة في قصة كما فعلت به, اليوم ساحترف الكتابة كما لم افعل يوما.
حاجتي كبيرة الى نهش جسم تلك الاوراق المكتنزة في ادراج مكتبي .
هل الورق سلاح للانتقام؟
هل يعقل ان يكون سلاح الجريمة المشتهاة ؟..... ام مجرد منفضة غبار عن شريط الحياة
الذكريات هل نحن من نشعلها ام هي من تشعلنا و تطفينا , بارادتها نحن نسير
و نتوقف مع توالي الايام , لطالما اردت ان اكون استثنائيا كي اكون جديرا
بك و بحبك , و لكن فهمت في اخر المساء ان الاستثنائية معك هي البقاء بقربك
, انت لا تطيقين الوحدة , و لا تطيقين الرفقة , انت فقط تطيقين رفقة
الحروف ووحشة البشر.
هاهو
ذا انا ذلك المغمور على حد وصفك لي في كتابك ترى هل يعقل انني كنت فعلا
مغمورا وقتها اكثر من الان ام انك كنت تبررين لنفسك سبب رحيلك عني , هل
تتوقعين انه ان عذرك الناس عن فعلتك ساصفح عنك و انسى , انني نفس الجرح
الذي رحلت عنه و لكنه فقط اصبح يسيل دما بعد ان كنت اسيل حبرا و شوقا لقد
انتميت بعد رحيلك الى صنف البشر بعد ان كنت في زمنك ملكا و عبدا للكتابة ,
هل اعود لعبوديتي اليوم اشتهي الثورة و اشتهي الشهادة , و اشتهي ان اسمع
زلزلة صوت القلم يجر نفسه على سطح ورقتي التي نسيت راحتي ملمسها .
لماذا فقط مع عودتك اعود كي اكتب...............؟
ترى هل تدركين انني بعد ان كنت ارتشف قهوتي الصباحية الحلوة, مع ملعقة من سكرية حبك .
اصبحت مرة ككل ايامي منذ رحيلك , هاته الكلمات التي اردت ان اخرجها من قلبي ,
عارية
كما تخيلتها مجردة من كل منمقات الكتابة و اساليب البيان ,قوية كما اردتها
, مشتعلة كما حلمت بها ,فلم هذه اليد المشلولة تابى ان تركض نحو قلمي ,
اهل اصبحت الان فقط اعى بكل كياني ان الكتابة اليك قاتلة ,و الكتابة
عنك موجعة, كما كان حبك في حياتي ضربة قاضية .
لم اعرف كيف بامكاني كتابة اول جملة هل يمكن ان اقول :
"لا
زلت ايتها المتمردة ,متمردة في كل شيء تشبهين بلدي وقت ثورتها , و انا ما
زلت نفس الجسر الذي عبرت عليه يوما للضفة الاخرى و لكنه تهشم تحت اقدامك "
هل استطيع ان اكتب اليك مثلا لاقول :
"
لما كل هذه الكلمات الكثيرة كي تشرحي للناس قصة خيانتك معي , كان عليك فقط
ان تبدئي بقول انا القاتلة و اسردي بعدها عليهم حبكتك الجميلة لوضع
النهاية "
اتدرين
يا سيدتي اشعر انك خلقت كي تكتبي قصتي التي اوجدت فصولها بنفسك , كان علي
ان ادرك مع اول درس لك في فن الحياة , انك شبح للموت و الخراب, و ملاك
للحروف و الكلمات, كان علي ان ادرك بفطنتي كانسان عاقل و واعي انك كنت
اكبر بكثير و اجمل بكثير من ان تكوني حقيقية حتى في الاحلام , هل يعقل
ان تعود مجددا احلامي التي رحلت معك .
ساكتب
اليك و المشكلة انني افكر في الكتابة بعد رحيلك او قبل رحيلك , فقد اصبح
هذا هو المقياس في الزمن , و لكن اتعلمين سرا , ان العودة الى الكتابة بعد
الغياب شيء مثير , ان تعرفي لذة ما ينتظرك و تحسين بشوق اليه كبير , و
تحسي بالجنون كما لو انك تعودين مجددا الى المراهقة فالكتابة معك كانت
مراهقتي و شبابي ,شيء مثير جدا و احمق جدا و حاجتك اليه كبيرة كما التنفس
و الماء.
كل
شيء عاد الى سابق عهده الليلة , انتِ و انا و الاوراق و الجنون , اشعر ان
معرفة مكان تواجدك يستفزني كي اكتب شيئا رائعا لن تطاله طائلة التمزيق
ما دام يتكلم عنك , فلا زلت كما عرفتك تحبين الكتابة المشتعلة حبا او
انتقاما لا يختلف الامر لديك ما دامت كلها حرائق في القلب .
في
هذه المدينة التي التقينا بها و احببنا بعضنا بها , شاء القدر ان نلتقي
فيها مجددا بعد الفراق و لكن كي نكره بعضنا, كي نحقد على بعضنا , بعض
المدن لا تستطيع تحمل فكرة انك اتيت اليها و لم تترك بداخلك ذكرى , عليها
دائما ان تجعل من شريط حياتك بها فرحا او مجزرة.
هل اشبه مدينتي الصامتة هذه حد التطرف ام انها من تشبهني في تكوينها .
اتذكرين
عينيك و انت تودعينني على سلالم العمارة , شعرت يومها بالغربة و انت
المهاجرة , شعرت يومها انني يتيم رغم وجود ابوي ,يومها و انا انظر الى
عينيك تذكرت يوم لقائنا احسست فيهما بطعم الغرق اللذيذ ...وربما
اعتذار مسبق عن كل الجراح التي ستتركينها بي في يوم من الايام .
تابعتك و انت تغادرين جسدا شاحبا من اللون الرمادي , و مقبرة كبيرة لمشاريع احلام .
هل ساكتبك اليوم على دفتري او جامع اوراقي كي اعلن انتحارك الجميل من ايام حياتي , و حفل تابينك في قلبي........
في
الواقع اشعر بنعاس شديد و يدي المشلولة بفنجان القهوة تابى الخضوع لسلطة
القلم كما ترفض كل الامور في بلدي سلطة السلطة ,هل اتركك لليلة اخرى كي
تزيدي ماساتي ليلة او انحرك الان على اوراقي و اعلن انها ليلة واحدة في
العمر هي ليلتي المنحرفة .