كنتُ في ذلك الحِين صَبيًّا في العاشرة من عُمري تقريبًا،
وكانتْ لي جَدَّة غاية في الحنان والحبِّ، حتى إنها عندما كانت تزورنا
وتريدُ أنْ تنصرفَ لتسافرَ إلى جَدِّي بالبلد، كُنَّا نحزنُ حُزْنًا
شديدًا ونبكي؛ وذلك بسبب طيبتها وحبِّها، والصفاء والنقاء الذي بداخلها.
كانت تحكي لي ولإخوتي القصص والحكايات الجميلة،
وأيضًا لَهْجَتها الريفيَّة التي كُنَّا نفرحُ بها ونضحك كلَّما تحدثنا
بها؛ حيث إننا نعيش في القاهرة وتَرَبَّيْنَا بها؛ نظرًا لطبيعة عمل والدي
في الحكومة.
وفي
إحدى المرَّات خلال العُطْلة الصيفيَّة، طلبْنَا من والدي أنْ نسافرَ إلى
البلد لزيارة قَرْيَتنا؛ فقَدْ كُنَّا نحبُّ منظرَ الشجرِ الأخضر، ومياه
الترعة الزَّرْقاء، أيضًا كُنَّا نستمتعُ بدوران الساقية، وركوب الحمار،
وأيضًا كُنَّا نحبُّ الناس الطيِّبين من أقاربنا الذين يرحِّبون بنا،
ويعاملوننا كأنَّنا سيَّاحٌ من عالَمٍ آخرَ، كانوا يهشون في وجوهنا
ويبشون، ويُعَرِّفوننا على أنفسهم، فتقول لي: أنا خالتك فلانة، وأنا عمتك
الفلانيَّة، أما الرجال فكانوا كُلهم أعمامي وأجدادي؛ فكُنَّا نشعرُ أنَّ
القرية كلها عائلتنا الكبيرة.
وعندما ألححْتُ على والدي للسفر إلى البلد، اعتذرَ لانشغاله بالعمل، وقال لي: أنت الآن كبير، لماذا لا تسافر وحدك، فالطريق سهل وآمن؟ وبالفعل
سعدتُ بالفكرة ورحَّبتُ بها دون تردُّدٍ؛ لأنه أشْعَرَنِي أنني أستطيع
تحمُّل المسؤوليَّة، وشَرَحَ لي ماذا أركبُ، وأين أنزلُ، وماذا أقول
للسائق.
وتوكَّلت على الله، فأرادتْ والدتي أنْ تعطيني كيسًا به هَدِيَّة لجَدَّتي،
ولكن عندما حَمَلْتُه من الأرض، قالتْ لي: لا، إنه ثقيلٌ عليك؛ حيث إنني
كنتُ ضَعيفَ البِنْيَة، ولكنني رفعته من الأرض للحظة، وظننتُ أنني أستطيع
حَمْلَه؛ لأنني كنتُ أحبُّ جَدَّتي كثيرًا، وأردتُ أنْ أسعدَها، وأُدْخِلَ
على قلبِها الكبير الفرحةَ والسرور، فأخبرتُ والدتي أنني أستطيع حَمْلَه.
وفى الصباح توكَّلت على ربِّي، ومَن يتوكَّل على الله فهو حَسْبُه،
وأوصلني والدي إلى الموقف وانصرفَ، فانتظرتُ حتى حضرتِ السيارة التي تسافر
إلى بلدتنا، وركبتُ وكنتُ في غاية الانشراح والحبور، وطلبتُ من السائق أنْ
ينزلني بالقُرْب من جَدِّي صالح كما قال لي والدي، وتعجَّبتُ أنَّ السائق
أجاب بنعم! وأنه يعرف جَدِّي، ووصلتُ بسلامة الله، ونزلتُ مِنَ العَرَبة
ورفعتُ الكِيس ومشيتُ، لكنني لم أستطع حَمْلَه لثِقَلِه، ولكنني جاهدتُ
نفسي، أمشي فترة وأقفُ فترة، أتحسَّسُ يَديَّ التي تورَّمتْ من الكيس.
وعندما وصلتُ إلى دار جَدِّي ورأَتْنِي جَدَّتي، أقبلتْ في فرحة كبيرة، ودهشة شديد، فاحتضنتني بقوَّة وحنان لن أنساهما أبدًا.
الموضوع الأصلي :
جدتي وأنا الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|