قال
الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ
مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي
الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ
وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ
لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ،
وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ
عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ
نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.
فأرسلته ذات يوم ونسيت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر
على دار فرعون وذكر المفسرون أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت
مغلق عليه فلم يتجاسرون على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون
آسية بنت مزاحم
فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار
النبوية ، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حباً شديداً جداً.
فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودافعت عنه
{وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ
عَيْنٍ لِي وَلَكَ}
فقال لها فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا، أي لا حاجة لي به.
وقد
أنالها الله ما رَجَتْ من النفع. أما في الدنيا فهداها الله به،
وأما في الآخرة فأسكنها جنته .
رد موسى الى امه
قال
الله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ
مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ
رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ،
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ
لا يَشْعُرُونَ، وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ
فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ
لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ
تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
قال
ابن عباس اصبح فؤاد أم موسى فارغاً من كل شيء من أمور الدنيا، إلا
من موسى حتى كادت أن تظهر أمره وتسأل عنه جهرة لولا أن صبرها
وثبتها الله تعالى , و قالت لأخته وهي ابنتها الكبيرة اتبعي أثره
واطلبي لي خبره
وذلك لأن موسى عليه السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه
برضاعة، فلم يقبل ثدياً ولا أخذ طعاماً، فحاروا في أمره واجتهدوا
على تغذيته بكل ممكن فلم يفعل. كما قال تعالى {وَحَرَّمْنَا
عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} فأرسلوه مع القوابل والنساء
إلى السوق لعلهم يجدون من يوافق رضاعته، فبينما هم وقوف به والناس
عكوف عليه إذ بصرت به أخته فلم تظهر أنها تعرفه بل قالت:
{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ
يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}.
فلما قالت ذلك قالوا لها: ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه؟ فقالت:
رغبة في سرور الملك، ورجاء منفعته.
فذهبوا معها إلى منزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها،
وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهب البشير إلى
آسية يعلمها بذلك، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون
عندها، وان تحسن إليها فأبت عليها، وقالت إن لي بعلاً وأولاداً،
ولست أقدر على هذا، إلا أن ترسليه معي، فأرسلته معها وجعلت لها
راتب، وأجرت عليها النفقات والكساوي والهبات، فرجعت به، وقد جمع
الله شمله بشملها.
{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا
تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}
سبب خروجه موسى من مصر
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً
وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا
رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ
عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي
مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا
مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قَالَ
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}.
دخل
موسى المدينة فوجد فيها رجلان يتضاربان ويتهاوشان أحدهما من شيعنه
أي إسرائيلي و الآخر من عدوه أي قبطي.
{فَإسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ
عَدُوِّهِ}
وذلك لأن موسى عليه السلام كانت له بديار مصر صولة بسبب نسبته إلى
تبني فرعون له وتربيته في بيته وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت
لهم وجاهة وارتفعت رؤوسهم بسبب أنهم أرضعوه وهم أخواله أي من
الرضاعة فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليه السلام على ذلك
القبطي أقبل إليه موسى {فَوَكَزَهُ}.
أي طعنة بجمع كفه. وقيل : بعصا كانت معه
{فَقَضَى عَلَيْهِ} أي فمات
منها.
ولم
يرد موسى قتله بالكلية وإنما أزاد زجره وردعه
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا
الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى
إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ، فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ
بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ
تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا
أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ
مِنْ الْمُصْلِحِينَ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ
يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ، فَخَرَجَ
مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ}.
يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفاً - أي من فرعون وملئه -
أن يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره إنما قتله موسى في
نصرة رجل من بني إسرائيل فتقوى ظنونهم أن موسى منهم ويترتب على ذلك
أمر عظيم.
فصار يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم
{خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} أي يلتفت
فبينما هو كذلك إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس
يستصرخه أي يصرخ به ويستغيثه على آخر قد قاتله، فعنّفه موسى ولامه
على كثرة شره ومخاصمته، قال له: {إِنَّكَ
لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}.
ثم
أراد أن يبطش بذلك القبطي الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي فيردعه
عنه ويخلصه منه فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي
{قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ
تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا
أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ
مِنْ الْمُصْلِحِينَ}.
الموضوع الأصلي :
قصةموسى عليه السلام ج1 الكاتب :
دحو نور الايمانالمصدر :
منتديات طموح الجزائردحو نور الايمان : توقيع العضو
|