ردا على الدكتور يوسف زيدان : واقعة التحكيم فى الفتنة الكبري خرافة كبري
ربما لا يعلم العالم الكبير وخبير المخطوطات أستاذنا الدكتور يوسف زيدان , مدى ما نكنه له من تقدير وارف وإعجاب جارف , وربما لا يعلم أننى أنشأت مجموعة على موقع التواصل الإجتماعى الشهير ( فيس بوك ) لترشيحه وزيرا للثقافة فى حكومة الدكتور شرف , نظرا لما يمثله الدكتور يوسف زيدان من قيمة فريدة فى مجال هو أحوج ما نحتاجه فى تلك المرحلة الواعدة من تاريخنا المعاصر ,
فأشد ما نحتاجه اليوم هو البدء سريعا فى منظومة إصلاح ثقافي ترد للأمة تاريخها وشرفها المفقود , وعلاقتها بتراثها الذى تم بتره عنها بفعل فاعل منذ خمسينيات القرن الماضي
وجاء ترشيحنا للدكتور يوسف زيدان بالذات , بعد أن شاهدنا بكل الإعجاب والإكبار اعتراف الرجل بأن تراثنا العربي وحضارتنا الإسلامية حافلة بما يثير الذهول لا الإعجاب فقط , وفى دعوته المحمومة للأمة أن تبادر لاستعادة ثقافتها عبر مطالعة الفكر العربي النير التى تحفل به آلاف المطبوعات فضلا على عشرات الآلاف من الكتب المخطوطة التى لم تجد من يطبعها لليوم !!!
كذلك من أشد أوجه الإعجاب بالعالم الكبير أنه صاحب دعوة شهيرة عبر البرامج الفضائية وعبر مقالاته وكتبه , لمحاولة إعادة تصحيح خرافات كثيرة استقرت فى وعى الأمة على أنها حقائق مرسلة , والسبب قلة المطالعة وضياع همة البحث ,
ولهذا أعترف بأنى شعرت بالكثير من الأسي وأنا أطالع لأستاذنا الفاضل يوسف زيدان مقاله فى جريدة المصري اليوم بتاريخ 27 / 4 تحت عنوان ( صقر قريش .. السفاح الثانى )
والذى ذكر ضمنه ما يلي بالحرف :
( نعرف أن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية كان قد أسس دولة بنى أمية بعدما انتصر على الإمام علىّ بن أبي طالب بالخديعة الشهيرة وهى رفع المصاحف فوق أسنة الرماح ثم ما كان من واقعة التحكيم التى راوغ فيها عمرو بن العاص لصالح معاوية فانتهت مقاليد الحكم الإسلامى إلى معاوية الذى أورث ابنه يزيدا )
وهذه الفقرة ـ على صغرها ـ احتوت على الكثير من الأخطاء التاريخية التى لا ينبغي السكوت عنها أبدا , لا سيما وأن الأمر يتعلق بحشمة الصحابة رضي الله عنهم وحقيقة سيرتهم البعيدة عن أمثال روايات التحريف المشتهرة رغم خطئها ,
فأولا : يعلم الدكتور زيدان وكل متخصصي علم النقل والرواية أن كتابة التاريخ الإسلامى لها منهج معين يختلف عن مناهجنا المعاصرة والجريمة الكبري التى تمت بحق التاريخ الإسلامى أن بعض المؤرخين والمثقفين المعاصرين أخذوا عن تاريخ الطبري واعتبروا مجرد ورود الروايات فيه معناها أن الطبري يعتقد صحتها وهذا غير صحيح حيث نص الطبري فى مقدمة تاريخه على أنه جمع كل الروايات التى أتت إليه وبين إسنادها ومصادرها وترك للمحققين من بعده النظر فى صحتها وتلخيصها فهو برئ من كل رواية ساقطة
وهذه جريمة تتابعت على مر الزمن لأن التاريخ مثله مثل الحديث النبوى خضع للتحقيق والتصحيح والتضعيف عن طريق تفنيد ونقد المصادر الأولى , وليس معنى ورود رواية معينة فى أحد الكتب أن كاتبها يعتقد بصحتها , بل يرويها المؤرخ بإسنادها الذى يستلزم منا البحث فيه والتيقن من صلاحية نقلته ورجاله قبل الحكم على الرواية بأنها صحيحة ووقعت بالفعل أم أنها محض افتراء
ولو أخذنا تاريخ الطبري مثالا وهو المرجع الأم الأكبر فى مجاله فإن مرويات الكذابين من الشيعة الإخباريين أحصاها المؤرخ الدكتور خالد كبير علال فزادت عن ثلاثة آلاف رواية باطلة سندا ومتنا وأصحابها أربعة فقط من رواة الشيعة المطعون فيهم يترأسهم لوط بن يحيي ( أبو مخنف ) وهو مصدرها الوحيد , وهو راو هالك حكم جميع علماء الرجال عليه بأنه كذاب مفتر
والمشكلة الكبري أن تلك الروايات تعالج الفترة الأكثر حساسية فى التاريخ الإسلامى وهى الفترة من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام إلى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه
وانتشرت تلك الروايات المغلوطة بين العامة وبين أقلام المثقفين المعاصرين باعتبارها من المسلمات التاريخية رغم أن العلماء قديما وحديثا بينوا مدى بطلانها , لا سيما وأن المفاجأة الكبري تكمن فى أن تلك الروايات الباطلة ليس لها أى مصدر إطلاقا إلا رواية أبي مخنف لوط بن يحيي والذى اتفق العلماء على كذبه , بينما الرواية الصحيحة لنفس الواقعة أرودها المحققون وهى قابعة فى بطون الكتب لا يهتم بها أحد !!
ثانيا : لم يسكت العلماء المحققون عبر التاريخ على هذه الروايات , بل بينوا بطلانها ومنها واقعة التحكيم الشهيرة التى رواها الدكتور زيدان مثلا , وهى واقعة لم تحدث قط فى الواقع ومختلقة من أولها إلى آخرها والرواية الصحيحة لما حدث فى فترة الهدنة بين على ومعاوية رضي الله عنهما نقلها العلامة القاضي أبي بكر بن العربي فى كتابه الرائع ( العواصم من القواصم ) عن روايها الأصلي الإمام الدارقطنى ( عالم الحديث الأشهر ) وهو العالم الذى نقل الواقعة الصحيحة بسند معتبر صحيح ورجاله كلهم ثقات , وعن نفس المصدر نقل الإمام بن تيمية كذب رواية التحكيم فى كتابه الشهير ( الرد على بن مطهر الحلى ) المنشور تحت عنوان ( منهاج السنة )
ومن المعاصرين , قام الدكتور يحيي عبد الله يحيي بإعداد رسالة ماجستير كاملة عن مرويات أبي مخنف وأثرها الفادح فى تزوير وقائع التاريخ ونشرها بعنوان ( مرويات أبي مخنف فى تاريخ الطبري ) وسجل فيها رواية التحكيم الزائفة وبيّن بطلانها , وكذلك الدكتور خالد كبير علال العالم الجزائري فى بحثه المنشور بعنوان ( مدرسة الكذابين فى رواية التاريخ الإسلامى ) , وأيضا قام العالم الدكتور محمد أمحزون بإعداد رسالة دكتوراه من جزءين تتناول أحداث الفتنة الكبري بالتفصيل وتبين بطلان واقعة التحكيم وتروى الرواية الصحيحة بإسنادها المحقق كاملا وتم نشرها بعنوان ( تحقيق موقف الصحابة من الفتنة )
وأيضا قام عالم الحديث المعروف الدكتور أكرم ضياء العمرى ببيان هذا البطلان ونشره فى كتابه ( الفتنة بين الصحابة ) , بالإضافة إلى مشروع تصحيح التاريخ الإسلامى الذى قاده كل من الدكتور جمال عبد الهادى , والدكتورة وفاء جمعة , ونشروا منه عدة أجزاء وبينوا الروايات الباطلة فى وقائع التاريخ منذ واقعة استخلاف أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحتى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه ,
وأيضا ـ لكاتب هذه السطور ـ فصل بهذا الشأن منشور فى كتابي ( شرح تلبيس إبليس لابن الجوزى ـ ج 1 )
ويمكن مطالعة هذا الفصل من خلال هذا الرابط , وهو الفصل الثانى من الكتاب بعنوان
( شرح التلبيس على الشيعة )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ويمكن للقارئ تحميل الكتاب كاملا من هنا :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] %E1%D2%DB%C8%ED
ثالثا : ولولا خشية الإطالة بما لا يناسب ردا بسيطا لذكرت هنا الروايات الصحيحة بأسانيدها كاملة والروايات الباطلة بأسانيدها أيضا مع حكم علماء الحديث على كل راو , ولكنى أستميح القارئ عذرا أن يعود إلى المصادر السابق ذكرها , وكلها متوافر فى المكتبات وفى شبكة الإنترنت لمطالعة الوقائع الصحيحة للفتنة الكبري وبيان بطلان واقعة التحكيم من أساسها وأن واقع ما حدث فى التحكيم يختلف تماما عما رواه الطبري من رواية أبي مخنلف حيث لم يكن هناك رفع للمصاحف على أسنة الرماح , بل أرسل معاوية مصحفا للإمام علىّ مع رسول من طرفه فقبل الإمام علىّ طلبه للتحكيم وأوفد بن عباس وأبي موسي الأشعري معا للتحكيم عند دومة الجندل وأوفد معاوية عمرو بن العاص , واتفق أبو موسي وعمرو على أن يتولى صحابي من العشرة المبشرين أمر الحكم فى قضية قتلة عثمان ـ وهى موضع النزاع وليس تحكيم الخلافة كما أُشيع ـ وأن يبقي الإمام علىّ ومعاوية كلاهما على الحياد فى تلك القضية , ورفض الطرفان الإمام علىّ ومعاوية حكم الحكمين وهكذا استمر النزاع كما كان , حتى استشهد الإمام علىّ
هذه هى رواية الدارقطنى التى أرودها القاضي أبو بكر بن العربي وفيها يتضح لنا أن مسألة الخلافة لم تكن موضوعة للنقاش أصلا فى التحكيم , ومعاوية لم يناد بنفسه أميرا للمؤمنين قط فى حياة الإمام علىّ , كذلك لم ينتصر معاوية على الإمام علىّ فى صفين كما ذكر الدكتور زيدان , ولم يخدعه , فقد قيــّـد الإسلام المكر والخديعة إلا مع خصوم العقيدة فى الحروب ولم تقع واقعة الخديعة والسباب بين عمرو وأبي موسي وحاشاهما من ذلك , وكلها من مفتريات الإخباريين
والله ولى التوفيق
التوقيع:
[SIGPIC][/SIGPIC]
سيبقي العزمُ .. ما بقي الصراعُ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الموقع الشخصي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]