في
ساعات الصباح الأولى، تثب إحدى الفراشات في بهجة عبر الأراضي الطبيعية
المنبسطة في مكان ما شمال غرب المحيط الهادئ. لكن أجداد هذه الفراشة قدموا
من موقع آخر يبعد سبعمائة ميل عن هذا المكان، منذ عدة اشهر. تاركين خلفهم
تلك المواقع الضبابية لنباتات الاوكاليبتوس وأشجار السرو على ساحل
كاليفورنيا، وستقوم هي ورفاقها من أحفادهم عند منتصف الخريف برحلة عودة
ربما إلى نفس الفرع أو الغصن الذي كان موطناً للأجداد، لتكتمل بذلك واحدة
من أروع رحلات الهجرة في مملكة الحيوان. ولكن كيف عرف هؤلاء الأحفاد مواطن
أجدادهم عبر هذا البعد السحيق؟
حيرة وتأمل
لقد تكونت، لعدة سنوات
مضت، إجابات قليلة عن كيفية أن يقوم مخلوق يزن اقل من وزن العملة المعدنية
الصغيرة، وله مخ اصغر من رأس الدبوس، بالإبحار في جولته السنوية بدقة أنظمة
تحديد الأماكن الكونية (جى بى اس).
و على أية حال، يفصح العلماء هذه
الأيام عن انهم قد وجدوا دليلهم الأول الكبير بان الفراش يعتمد على ساعته
البيولوجية لمتابعة حركة الشمس بدقة، وضبط مساره.
ويقولون إنه مازال
هناك عمل كثير قبل أن يمكنهم تفهم واستيعاب عملية الهجرة كلية، ولكنهم
يأملون أن يقودهم هذا الاكتشاف إلى استنتاجات حول اللغز الذي اسر الخيال
لمدة طويلة. ويقول لينكولن براور، عالم الأحياء في كلية سويت براير في
فرجينيا بان هذه فعلاً خطوة كبيرة للأمام لتحديد كيف يجد الفراش طريقه إلى
كاليفورنيا والمكسيك ولفهم هذه العملية المعقدة.
الساعة البيولوجية
وفي
العدد الصادر هذا الأسبوع من صحيفة العلوم يطرح كتاب أحد التقارير الجديدة
فكرة أن الساعة البيولوجية للفراش (وهي مثل الساعة البيولوجية التي تحدد
نمط النوم في الإنسان) حاسمة وأساسية في قدرته على معرفة إلى أين هو ذاهب.
وبعبارة أخرى فان هذه الساعة تعرف ذاتيا كيف تقوم بالتعويض عن حركة الشمس
عبر السماء كل ساعة وكل يوم, مما يسمح للفراش بالطيران في الاتجاه السليم
الذي يرغبه. ويبين ستيفين ريبيرت بالمدرسة الطبية بجامعة ماساتشوسيتس في
وورسيستر أن الدراسة تقدم الطريقة التي تخبر بها الساعة البيولوجية الحيوان
كيف يوجه نفسه في الفضاء، و أنها أشبه بساعة ذات أربعة أبعاد.
ما لا
تجيب عليه هذه الدراسة هو كيفية معرفة الفراش للاتجاه الذي يريد الطيران
فيه أولا، وكيف يعرف أنه وصل بالضبط للأراضي الشتوية في المكسيك وساحل
كاليفورنيا وهى الأماكن التي لم يرها غير أجداده فقط.
إنه للغز ذلك
الذي أعطى للفراش هذه المكانة الفريدة في الثقافة الأمريكية، من الأعداد
الهائلة للفراشات على اتساع البلاد، إلى خرائط الهجرة المدبسة على ألواح
الفلين في العديد من المدارس الأولية (الابتدائية).
غرامة ألف دولار
وأيضا،
في «باسيفيك جروف»، اقدم موقع شتوي معروف للفراش في الولايات المتحدة
الأمريكية, فلقد شكل غموض هذا المخلوق هوية المدينة. ففي مداخل «كيب كود»
المكسوة بالأخشاب على ساحل كاليفورنيا, ترحب إشارات الشوارع بالسائقين إلى
«مدينة الفراشات». ومنذ عام 1939 يحتشد أطفال الروضة المرتدين أجنحة
برتقالية وسوداء في «طريق الفنار» في استعراض الفراشة السنوي. ومنذ ذلك
الوقت يعد إيذاء أي فراشة جريمة يعاقب عليها بغرامة تبلغ ألف دولار.
وعندما
درست سلطات المدينة عام 1990 هدم ملجأ الفراش، صوت تسعة وستون بالمائة من
السكان لصالح رفع الضرائب بمقدار مليون ومائتين ألف دولار حتى يمكنهم
إنقاذه.
وبملاحظة أن الفراش يقضى ما يقرب من مائة وثمانين يوما في
مأواه الشتوي في الهضاب المكسيكية، فيتعجب الدكتور براور أن تدور الساعة
البيولوجية للفراش درجة واحدة يوميا فترسله لاتجاه الجنوب في الخريف
ولاتجاه الشمال في الربيع.
أعمار حسب الضرورة
ويقول الآخرون بان
هذه الساعة تتحكم في أجزاء كبيرة من سلوك الفراش، فعلى سبيل المثال يعيش
الفراش المولود في أوائل الخريف، عندما تكون الأيام قصيرة، لمدة ثمانية
شهور وهكذا يستطيع الهجرة بطول الطريق للجنوب. وتعيش جميع الأجيال الأخرى
من أربعة إلى ثمانية أسابيع فقط.
.ويقول اورلى تيلور، عالم البيئة بجامعة كانساس في لورنس، بان الدراسة توضح الآلية الأساسية وانهم قد ابتدؤوا الآن في فحصها.
علاوة
على ذلك تمثل دراسة الدكتور ريبيرت الاستخدام التدشينى «لمحاكي طيران»
جديد يحدد نطاق طيران الفراش حتى يطير في داخل اسطوانة. وللمرة الأولى يسمح
للعلماء بمراقبة رد فعل الفراش عند تغيير مصدر الضوء ومكانه. ويقول ريبيرت
في التقرير الحالي انه وزملاءه قد اكتشفوا أن الفراش قد اصبح مرتبكا عند
تعرضه لضوء ثابت.
ويضيف آخرون أن نجاح هذا الجهاز الغريب سيعطي العلماء
أداة جديدة لدراسة هجرة الفراش. ويقول براور الآن سنكون قادرين على تثبيت
هذه الأشياء بشكل تجريبي.
الموضوع الأصلي :
كشف سرّ هجرة الفراشات الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|