هل يكشف المريخ أسراره لعالم الفضاء العربي؟
قد
يجهل حتى أعضاء فريق العربة الفضائية "سبيريت" التي حطّت يوم السبت على
سطح كوكب المريخ أن قائدهم الأعلى ولد في مدينة زحلة، وفيها أتمّ دراسته
الثانوية وفاز بالمرتبة الأولى في الامتحانات العامة في
لبنان
عام 1965. المسافة التي قطعها شارل العشي من مدينة زحلة إلى قيادة أهم
مؤسسة فضائية في العالم تعادل مسيرة الخمسمائة مليون كيلومتر، التي قطعتها
عربة "سبيريت" Spirit. هذا العالم
اللبناني نموذج لعباقرة عرب يحققون للولايات المتحدة مليارات الدولارات من
دون أن تدفع عنهم دولاراً واحداً لأوطانهم الأم. تمتد مسيرة شارل العشي ما
بين ثلاث ثقافات وأربعة علوم وعشرات المسؤوليات الفضائية، التي أهلّته
لمنصب مدير "مختبر الدفع النفاث" JPL
المسؤول عن برامج المركبات الفضائية الآلية في الولايات المتحدة: ثقافة
النشأة والتعليم العربيين، وثقافة التحصيل العلمي الأولي الفرنسية، التي
نال بها شهادة البكالوريوس في الفيزياء والهندسة الكهربائية من جامعة
غرينوبل، والثقافة الأميركية، التي حصل بها على الدكتوراه في علوم الكهرباء
من معهد كاليفورنيا التكنولوجي "كالتيك"، والماجستير في الجيولوجيا من
جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس.
واجتاز
العشي مسافات فضائية جغرافية وتاريخية ما بين مساهمته في الفريق العلمي
لمركبة "أبولو" التي هبطت على سطح القمر، والمسح الفضائي لمنطقة القطب
المتجمد، وتصوير التركيب المغناطيسي لمذنب هالي وكوكب الزُهرة، وبرامج
الاستشعار الفضائي لباطن الأرض في مصر والسعودية بحثاُ عن المياه، والعثور
على أطلال مدينة "وبار" الاسطورية تحت رمال الربع الخالي في شبه الجزيرة
العربية. في حديث مع كاتب هذه السطور منشور في 2 فبراير 1992 على الصفحة
الأولى من صحيفة "الحياة" اللندنية ذكر شارل العشي أن المسح الفضائي للربع
الخالي كشف عن طرق ومواقع أثرية قديمة يعود عمرها إلى آلاف السنين مدفونة
تحت أطنان الرمال.
والعشي
مشهور عالمياً في تعقب آثار مركبات ضاعت في الطريق إلى المريخ وعددها أكثر
من 20 مركبة فضاء أميركية وروسية وأوروبية. آخر هذه المركبات عربة "بيغل"
الأوروبية، التي اختفى أثرها بعد اختراق مركبتها جو الكوكب قبل اسبوعين.
وفي عام 1993 رأس العشي لجنة التحقيق باختفاء مركبة "راصد المريخ". ضمت
اللجنة أبرز المختصين بكوكب المريخ، بينهم عالم الفلك الشهير كارل ساغان،
الذي ساهم في بعثة مركبة "فايكنغ"، وهي أول مركبة أفلحت في الهبوط على سطح
المريخ عام 1976. أثمرت دراسة اللجنة عن النجاح الباهر في إرسال مركبة
"باثفايندر"، التي حطّت على سطح المريخ في يوليو عام 1997.
وستشد عربة "سبيريت" الحالية أبصار العالم خلال 3 شهور من جولاتها المرتقبة على سطح الكوكب الأحمر، كما يطلق على المريخ.
الشخص
الملائم في الكوكب الملائم. ففي المريخ أبدعت مواهب شارل العشي المعروف
بطرقه المبتكرة في الاستشعار وتطوير أنظمة رادار استخدمت خلال نحو 15 عاماً
في مكوكات الفضاء الأميركية. ساعدت هذه الأنظمة مركبة الفضاء التي حملت
عربة "سبيريت" في الهبوط في الموقع المختار لها على مسافة 150 مليون
كيلومتر من نقطة انطلاقها في الكرة الأرضية. هبطت المركبة في موقع محدد من
فوهة يبلغ عرضها نحو 144 كيلومتر تقع جنوب خط الاستواء لكوكب المريخ.
يُعتقد أن هذه الفوهة نشأت عن ارتطام مذنب بسطح الكوكب قبل 4 مليارات عام،
وقد اختيرت لاحتوائها على آثار قنوات ومجاري مياه تعود ربما إلى أنهار أو
سيول قديمة جافة. اقتضى الهبوط في هذا الموقع حساب حركات ثلاثة أجسام تدور
في آن حول الشمس، هي الكرة الأرضية، التي انطلقت منها المركبة الفضائية،
وكوكب المريخ، الذي تقصده، إضافة إلى دوران المركبة نفسها حول الشمس. وسجلت
المركبة عند اختراقها جو المريخ رقما قياسياً في الدقة الملاحية بلغ 200
متر، من دون أن تحتاج إلى تعديل مسارها ولو مرة واحدة عبر رحلة استغرقت نحو
8 شهور.
كل
يوم يمرّ على عربة "سبيريت" في المريخ يعادل الهبوط في موقع آخر، حسب شارل
العشي، الذي دعا زملائه المبتهجين بالحدث الفضائي الباهر إلى الروّية
والتبصر. أسباب الحذر كبيرة. فالمركبة الفضائية مرّت بأخطر 6 دقائق من
رحلتها عند ارتطامها بجو المريخ. درجة الحرارة الناجمة عن ارتطام المركبة
المنطلقة بسرعة نحو 20 ألف كيلومتر في الساعة تماثل الحرارة على سطح الشمس،
وتبلغ 1447 درجة مئوية. مع ذلك حافظت الدروع الواقية المحيطة بالمركبة على
درجة حرارة داخلها تعادل حرارة الغرفة. ستة دقائق من الجحيم، حسب تعبير
مسؤول البعثة فصلت ما بين الانتقال من سرعة 20 ألف كيلومتر في الساعة إلى
سرعة صفر، ليتهيأ للمركبة فتح مظلات الكبح واستخدام صواريخ دافعة صغيرة
لتوجيه حركتها. وعلى مسافة تبلغ ارتفاع بناية من ستة طوابق عن سطح الكوكب
انفتحت مظلات الهبوط وحطّت المركبة في موقعها المختار وتفتّحت أذرعها التي
تحتضن العربة داخلها. وعلى رغم تحريك "سبيريت" أقدامها الأمامية في اليوم
التالي لهبوطها، إلاّ أنها لن تشرع قبل نحو اسبوع في السير على أقدامها
الستة خارج المركبة التي حملتها إلى سطح المريخ. مخاطر كبيرة تهدد العربة
آنذاك حيث يمكن لصخرة تحت مركبة الهبوط أن تسد عليها منفذ الانتقال إلى سطح
المريخ.
عربة
"سبيريت" واحدة من مركبات فضائية عدة أرسلت إلى المريخ في السنة الماضية
للاستفادة من مروره في أقرب موقع إلى الأرض خلال 60 ألف السنة الأخيرة. في
24 من الشهر الحالي ستحط على الطرف الآخر من المريخ عربة "تشانس" Chance،
التوأم لعربة "سبيريت". والعربتان آلّيتان (روبوت) تتحركان ذاتياً بواسطة
أقدامهما الستة، وقادرتان على تلمس طريقيهما عبر الصخور المتناثرة على سطح
المريخ. بلغت كلفة العربتين 820 مليون دولار، وهما مجهزتان بأدوات البحث
الجيولوجي لكشط الصخور أو حفرها والتقاط نماذج منها لإجراء التحليلات
اللازمة لذلك في الموقع مباشرة. أول موقع للتنقيب ستتوقف عنده العربة يطلق
عليه العلماء اسم "الحفرة النائمة"، وهي واحدة من عدة حفر ضحلة تبّقع سطح
الموقع الذي هبطت فيه العربة. ويؤمل العلماء أن تصبح هذه الحفر نوافذ يطلون
منها إلى أعماق المريخ بحثاً عن أي أثر للماء والتنقيب عن تاريخه
الجيولوجي. هل ستكشف هذه الحفر عن آثار للمياه والحياة على سطح الكوكب
الأحمر، الذي يقع والأرض على مسافة مساوية من الشمس؟ هل تجيب عن الأسئلة
المخيفة حول أسباب اختفاء المياه، وهلاك الحياة في المريخ، وما الذي حوّل
هذا الكوكب الشقيق للأرض إلى كرة صخرية جرداء تسفعها الشمس القاتلة؟
هل
يكشف كوكب المريخ عن أسراره الخفية لشارل العشي؟ وهل ستؤكد اكتشافاته
الاعتقاد الراسخ لمصطفى شاهين، أبرز علماء الفضاء العرب المعاصرين، بوجود
حياة على المريخ؟ العشي تلميذ نجيب لشاهين الذي تحدثت عنه مقالة منشورة هنا
في الشهر الماضي بعنوان (مصطفى شاهين بطل عصر الفضاء المجهول). وقد لازم
العشي شاهين كالظل خلال نحو ربع قرن من عملهما المشترك في مختبر "الدفع
النفاث". وفي أعقاب هبوط مركبة "باثفايندر" في يوليو عام 1997 ذكر شاهين
لكاتب هذه السطور كيف كشف التحليل الجيولوجي والكيماوي لنماذج الصخور
والتراب التي جمعتها العربة الآلية من سطح الكوكب أنها تتكون من الكوارتز
والسليكا. هذه التركيبات الجيولوجية للرمال التي تملأ سطح الأرض يحدثها
النشاط البركاني والمائي. ويعتقد شاهين المعروف باكتشافاته المنشورة حول
المريخ بحدوث انفصام بين غازي الهيدروجين والأوكسجين اللذين يشكلان الماء.
سبب هذا الانفصام هي الشمس التي تسفع سطح المريخ المكشوف دون غطاء جوي
يحميه كالأرض من أشعتها المهلكة. وأدّى اختفاء الماء إلى توقف الدورة
الهايدرولوجية (المائية) التي تشكل أساس النشاط البيولوجي للكواكب الحية.
بانتظار
العثور على دليل يبرهن صحة هذه الآراء قد تنفع نكتة ظريفة يرويها كارل
ساغان في كتابه "الكون"، الذي ترجم إلى معظم اللغات العالمية بما فيها
العربية وتحول إلى مسلسل تلفزيوني مشهور. تقول النكتة أن رئيس تحرير صحيفة
أميركية أرسل برقية إلى عالم فلك يطلب فيها مقالة من 500 كلمة عمّا إذا كان
هناك حياة في المريخ. جاءت المقالة فورياً من العالم، وهي تتكون من عبارة
"لا أحد يعرف" مكررة 500 مرة!
الموضوع الأصلي :
هل يكشف المريخ أسراره لعالم الفضاء العربي؟ الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|