الذين كانوا – الفصل الثاني – (في الهواء)
من
المؤكد أن المقال المدهش ، الذي نشره ( موريس جيسوب ) ، في واحدة من أشهر
المجلات العلمية ، في الولايات المتحدة الأميركية ، وأكثرها مصداقية
واحترامًا في العالم أجمع ، كان قنبلة بكل المقاييس ، خاصة وأنه قد دعمه
بالصور والتحليلات والآراء العلمية القوية ، التي تجعل الأمر ، على صعوبته ،
عسير التكذيب .
ففي مقاله ، وصف ( جيسوب ) الحجم الهائل لصخور حضارة (
الأنكا ) وضخامتها غير الطبيعية ، وأشكالها المعقدة الدقيقة ، ثم أضاف إلى
كل هذا نقاء تركيبها ، ليخرج بنتيجة علمية مدهشة .
أن تلك الأحجار ، التي تعود إلى ملايين السنين قبل الميلاد ، ليست عملاً يدويًا ، بأي حال من الأحوال .
إنها عمل آلي ، بكل ما تحمله الكلمة من معان ..
لقد
تم صقلها ، ونحتها ، وعمل تلك النقوش الدقيقة المعقدة عليها ، بوساطة
آليات شديدة التقنية والتقدم ، ولا يستبعد أن يكون بعضها قد تم عمله ،
بوساطة أشياء تفوق القدرات العلمية للعالم ، في تاريخ نشر المقال ، عام
1945 م .
بل لم يكتف ( جيسوب ) بهذا ، وإنما أضاف إليه أن تلك الأحجار ،
قد بنيت حتمًا ، في عهد ما قبل طوفان ( نوح ) ، ووضعت في أماكنها بوساطة
أجهزة خاصة جدًا ، تطير في الهواء ، مع استخدام مجال مضاد للجاذبية .
في تلك الفترة ، التي نشر فيها ( جيسوب ) رأيه هذا ، لم يكن العالم أبدًا كما هو عليه الآن .
لم
تكن هناك أجهزة كمبيوتر ، أو أشعة ليزر ، أو مشاريع فضاء ، أو طائرات
هليكوبتر ، بل لم يكن هوس الأطباق الطائرة حتى مجرد فكرة في أذهان العلماء
أو العامة .
كل هذا ، ويأتي ( جيسوب ) لينشر مقالاً عن تقنية مذهلة ، في الماضي السحيق ..
السحيق جدًا ..
وكان
من الطبيعي ، والحال هكذا ، أن يثير مقال ( جيسوب ) عاصفة عاتية من الجدل ،
وموجة مدهشة من الرفض والاستنكار ، بل الغضب أيضًا ..
ولكن ( جيسوب ) لم يكن مجرد كاتب مقال ..
إنه عالم ..
وعالم من المعدودين على أصابع اليد الواحدة أيضًا ..
وعندما يأتي حديث كهذا ، على لسان وقلم عالم مهيب ، مثل ( موريس جيسوب ) ، كان من الطبيعي أن يتوقف العلماء أمامه طويلاً ..
ولأن
العلم لا يدحضه إلا العلم ، فقد بدأ علماء آخرون يدرسون صور ( جيسوب )
ويخضعونها لعشرات الفحوص والاختبارات ، في الوقت نفسه الذي شد فيه بعض
العلماء رحالهم ، وسافروا إلى أميركا الوسطى ، حيث حضارة ( الأنكا ) لرؤية
تلك الأحجار الضخمة بأنفسهم .
وكانت النتائج مدهشة ، بكل المقاييس ..
فعدد
المؤيدين لفكرة ( جيسوب ) ونظريته ، تضاعف ثلاث مرات ، بعد فحص ودراسة
بقايا حضارة ( الأنكا ) ، في حين راحت البقية الباقية من العلماء ، والتي
رفضت بإصرار مغادرة معاملها ، بحجة أنها ترفض تصديق الفكرة من الأساس ، فما
بالك بالسعي لإثباتها ، تستنكر أن يخرج ( موريس جيسوب ) بأية نظرية ، أيًا
كان نوعها ، لأنه لا يحمل شهادة الدكتوراه رسميًا .
ولكن ( جيسوب )
واصل إصراره على نظريته ، بمقال جديد ، نشرته المجلة العلمية نفسها ، ليشير
فيه إلى أن صانعي تلك الأحجار ، ليسوا من سكان كوكب الأرض ، وإنما هم رواد
فضاء ، أتوا إلينا بتكنولوجيتهم المتقدمة من عالم آخر .
وعلى الرغم من
أن نظريته هذه كانت الأسبق ، إلى ما عرف بعد ثلاثة عقود باسم ( نظرية رواد
الفضاء القدامى ) ، إلا أنها قوبلت برفض شرس عنيف ، خاصة وأنها مبنية على
افتراض محض ، وليس على دلالة علمية واضحة ثابتة ..
ومرة أخرى ، عاد الحديث والهجوم ، حول عدم حصول ( جيسوب ) على شهادة الدكتوراه .
ولكن
العالم الألماني ( أريك فون دانكن ) ، والحاصل على ثلاث درجات دكتوراه ،
فاجأ الكل بمقال ساخن ، أيد فيه ، بكل حماس وحرارة ، نظرية ( موريس جيسوب )
، بل حبذ رأيه الخاص بالفضائين القدامى .
وهنا ظهرت موجة من الحيرة
الحقيقية ، وخاصة بعد إعلان كشف الليزر ، وتأثيراته المدهشة ، التي تجعله
قادرًا على صنع نقوش معقدة دقيقة ، شبيهة بتلك الموجودة على أحجار ( الأنكا
) ، وبدء عصر الفضاء ، وإعلان رجل الأعمال ( كينيث أرنولد ) عن رؤية
الأطباق الطائرة لأول مرة ، والحديث عن حادثة سقوط أحد الأطباق الطائرة ،
في مدينة ( روزويل ) بولاية ( نيومكسيكو ) .
كل الأحداث والتطورات
العالمية ، بدأت تتجه نحو تأييد نظرية ( جيسوب ) الذي قرر ، بعد انتهاء
الحملة الأثرية ، استكمال بحوثه حول البقايا الأثرية في أميركا الوسطى ،
على نفقته الخاصة ، فسافر إلى ( المكسيك ) ، في أواخر الخمسينات ، ليبدأ
سلسلة جديدة من الأبحاث ، قادته أيضًا إلى مفاجأة مدهشة ، لا تقل ، بأي حال
من الأحوال ، عن مفاجأة أحجار ( الأنكا ) .
لقد عثر هناك على مجموعة من
الأشكال الجيولوجية ، التي أثارت انتباهه للوهلة الأولى ، فراح يدرسها
لعام كامل ، قبل أن يرسل مقاله الجديد ، إلى تلك المجلة العلمية المحترمة .
لقد أثبت ( جيسوب ) هذه المرة ، أن الأشكال والحفر الجيولوجية في ( المكسيك ) ، هي حفر صنعها انفجار بعض القنابل والألغام .
ومع
الضجة التي صنعها مقاله الجديد ، خرج ( جيسوب ) بفكرة ثانية ، تؤيد فكرته
الأولى ، وتقول : إن تلك الحفر نتاج قصف جوي ، من سفن فضائية متقدمة .
هاجت
الأوساط العلمية وماجت مرة أخرى ، واستنكرت واستهجنت كعادتها ، على الرغم
من صور ( جيسوب ) ودراساته ، ومقاله الثالث ، الذي ربط بين طبيعة تلك الحفر
المكسيكية ، وبين الحفر القمرية الغامضة ، المعروفة باسم ( لين ) و (
هيجينا س . ن ) في حجمها وشكلها .
ثم جاء من علماء الفلك من أيده ، ووافقه على هذا التشابه المدهش ، مع التحفظ على فكرة الهجوم الفضائي .
ومع
موجة الاعتراض والاستنكار ، تسرب خبر يؤكد أن القوات الجوية الأميركية
لديها مجموعة من الصور ، الملتقطة من الجو ، لتلك الحفر ، عن طريق طائرات
استطلاع ، وبناء على إذن من الحكومة المكسيكية ، وأنها تقارن فعليًا بينها ،
وبين حفر القمر ، في محاولة لإيجاد تفسير علمي للموقف كله .
وهنا تضاعفت الحيرة ألف مرة ..
الأمر جاد جدًا إذن ، وليس مجرد هوس عالم ، في الخمسينات من عمره ..
هناك بالفعل حضارة متقدمة ، سادت الأرض منذ ملايين السنين ، وتركت آثارها في أماكن شتى .
وهدأت
العاصفة نوعًا ما ، وبدأ البعض يستسلم ويستكين لنظرية رواد الفضاء القدامى
هذه ، على الرغم من غرابتها ، وخاصة مع عشرات الدلائل ، في شتى أنحاء
الأرض ، والتي تشير إلى هذا ، على نحو ما .
ففي ( فيينا ) عام 1937 م ،
اكتشف أحد علماء الآثار ، في قرية ( ليساك ) حجرًا أصفر اللون ، عليه نقوش
لرجال يرتدون حلات حديثة ، ونساء يرتدين الملابس الحريرية ، ويحملن الحقائب
الأنيقة ، ونقوش لشوارع ووسائل مواصلات .
ولكن العلماء أكدوا أن عمر ذلك الحجر بنقوشه ، يعود إلى مليون سنة قبل الميلاد على الأقل .
وفي
عام 1957 م ، في قصر ( توب كابو ) في ( استانبول ) ، عثر أحد العلماء على
خريطة نادرة للقرصان ( بيري ريس ) ، وتلك الخريطة تصور العالم كله بدقة
مدهشة ، وبالذات القارة القطبية الجنوبية ، كما تصور بعض السحب اللامعة فوق
القطبين ، الشمالي والجنوبي .
وتلك الخريطة تتشابه تمامًا مع الخرائط ،
التي يتم التقاطها من الجو ، وبالذات ذلك الجزء الخاص بالسحب اللامعة ،
والذي لم يتم رصده قبل منتصف خمسينات القرن العشرين ، وعلى الارتفاع نفسه ،
الذي أشارت إليه الخريطة .
المدهش مع كل هذا ، أن خريطة ( بيري ريس ) تعود إلى العام 1550 م ..
وقبل
هذا بأكثر من قرن ، وفي يونيو 1844 م ، عثر بعض العمال ، في جنوب (
انجلترا ) ، وتحت الأرض بثلاثة أقدام ، على خيوط من الذهب الخالص .
خيوط نقية للغاية ، ودقيقة ، ومتينة إلى حد مدهش ، وعلى نحو لا يمكن أن يتواجد أبدًا في الطبيعة .
وعمر تلك الخيوط ، كما قدر العلماء ، يزيد عن الثلاثين ألف عام ..
وفي ( تركيا ) ، في فترة مقاربة ، عثر العلماء على إبر معدنية طويلة ، غير قابلة للصدأ ، عمرها يزيد عن تسعة آلاف عام .
وفي
( بيرو ) عثروا على قطع من الذهب الخالص ، الخالي من الشوائب ، بنسبة مائة
في المائة ، ومصنوعة بأشكال تثير العجب ، وتوحي بأنها قطع من آلة ما ،
ويعود عمرها إلى خمسين ألف سنة على الأقل .
وفي ( روسيا ) ، وجد العلماء
قطعًا من البلور ، ذات النشاط الاشعاعي ، يعود عمرها إلى آلاف السنين ،
على الرغم من أنه من المستحيل أن تتكون ، إلا إثر انفجار نووي عنيف .
وبدأ العالم يخضع لنظرية ( جيسوب ) ، و ..
ولكن فجأة ، ظهرت نظرية جديدة ..
ومدهشة ..
للغاية .
نهاية الفصل الثاني .
الموضوع الأصلي :
الذين كانوا – الفصل الثاني – (في الهواء) الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|