[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]من أحكام سورة المائدة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة
إن الحمد
لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات
أعمالنا من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فهذه رسالة مختصرة في (( تفسير خمس الآيات الأول من سورة المائدة )) . بيّنت فيها بتوفيق الله تعالى الأحكام التي اشتملت عليها هذه الآيات الكريمات:
وقد قسمت هذا الموضوع إلى ستة أبواب، وتحت كل باب فصلان:
الباب الأول:
مقدمات لهذا البحث، والفصل الأول منه في معرفة سبب نزول سورة المائدة،
وأغراضها، ومضامينها، والفصل الثاني: في معرفة سبب نزول الآيات الخمس،
وأهمية نزول هذه الآيات، وما نسخ منها وما لم ينسخ.
الباب الثاني:
تفسير الآية الأولى من سورة المائدة، والفصل الأول من هذا الباب، تعريف
العقود، والمراد بالعهود، وتعريف بهيمة الأنعام، والفصل الثاني: في بيان
ما أحل الله للمؤمنين من بهيمة الأنعام، ومناسبة ذكر الحل، وبيان ما
استثنى مما أحل الله للمؤمنين، والضابط العام للأنواع المحرمة من
الحيوانات والطيور.
الباب الثالث:
تفسير الآية الثانية من سورة المائدة، الفصل الأول من هذا الباب في تعريف
الشعائر، وبيان سبب نزول هذه الآية الكريمة، وأقوال العلماء فيما نسخ من
هذه الآية وما لم ينسخ، والفصل الثاني في إباحة الصيد بعد حل الإحرام،
والأمر بالتعاون على البر والتقوى.
الباب الرابع:
تفسير الآية الثالثة من سورة المائدة، الفصل الأول من هذا الباب معرفة ما
حرمه الله من بهيمة الأنعام، وإبطال عادات الجاهلية في أكل المحرمات من
بهيمة الأنعام، وتعريف الذكاة الشرعية، وذكر شروطها، والفصل الثاني تحريم
أكل ما ذبح لغير الله، والاستقسام بالأزلام، وذكر إتمام الله النعمة على
هذه الأمة، وإكماله الدين، ورفع الإثم عمن اضطر إلى شيء من المحرمات من
بهيمة الأنعام غير باغٍ ولا عادٍ، وذكر الحكمة من ذلك.
الباب الخامس:
تفسير الآية الرابعة من سورة المائدة، الفصل الأول من هذا الباب بيان شروط
الصيد بالجوارح: من الكلاب والطيور، والفصل الثاني, بيان الاختلاف في حل
صيد بعض الجوارح، وبيان اختلاف العلماء في إمساك الجارح من الطيور والكلاب
عن الأكل من الصيد، هل يكون ذلك شرطاً أم لا؟.
الباب السادس:
تفسير الآية الخامسة من سورة المائدة، الفصل الأول من هذا الباب: بيان
المقصود بالحل في طعام أهل الكتاب، ومتى يحل ومتى لا يحل؟ وحكم نكاح
الكتابيات، والفصل الثاني: حكم المرتد، وحكم من حكم بغير ما أنزل الله.
والله
أسأل أن يجعل هذه الكلمات القليلة مباركة، نافعة، خالصة لوجهه الكريم، وأن
ينفعني بها في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع بها من انتهت إليه؛ فإنه خير
مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم، وبارك على
عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في عام 1404هـ.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الباب الثاني
تفسير الآية الأولى من سورة المائدة
قال الله تعالى: "يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم
بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي
الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ " ( [1] ) ، أتى رجل عبد الله بن مسعود فقال: اعهد إليّ فقال: إذا سمعت الله يقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ... [" (( فارعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه )) ( [2]) .
وهذه الآية التي افتتح الله تعالى بها هذه السورة إلى قوله تعالى: "إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ "
فيها من البلاغة ما تتقاصر عنه القوى البشرية مع شمولها لأحكام عدة: منها
الوفاء بالعقود، ومنها تحليل بهيمة الأنعام، ومنها إباحة الصيد لمن ليس
بمحرم ( [3] ) .
( [1]) سورة المائدة، الآية الأولى.
( [2]) تفسير ابن كثير، 2/2 بتصرف.
( [3]) فتح القدير، 2/4 بتصرف.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الفصل الثاني
أولاً: بيان ما أحل الله للمؤمنين ومناسبة ذكر الحل
قوله تعالى: "أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ " .
سبق تعريف بهيمة الأنعام، في اللغة، وفي الاصطلاح، وأن الله
تعالى قد أحلها للمؤمنين - إلا ما استثنى وسيأتي إن شاء الله - وسبق أن
ذكرت أن جمهور المفسرين على أن بهيمة الأنعام ثلاثة أجناس: الإبل، والبقر،
والغنم، وقد ذكرت أقوال العلماء بالتفصيل، وهي ثلاثة أقوال كما تقدم، ورجح
ابن العربي القول الأول منها، وهو أن بهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر،
والغنم - واستدل على ذلك بأدلة ثلاثة ذكرتها هناك، إذن قد أحل الله تبارك
وتعالى للمؤمنين بهيمة الأنعام إلا ما استثنى منها سبحانه، ومناسبة ذكر
الحل هنا هي:
أن المشركين كانوا يحرمون : البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، قال سبحانه: " مَا
جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ
وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ
وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ " ( [1] ) .
فقد كان أهل الجاهلية إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وحرموا ركوبها وهي (( البحيرة )) .
وكان
الرجل يقول: إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها
كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، وكانوا إذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإن
ولدت ذكراً فهو لآلهتهم، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها - أي ذكر
وأنثى من بطن واحد – وهي الوصيلة، وإذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، وهو الحام.
فلما جاء الإسلام أبطل هذه العادات كلها، فلا بحيرة، ولا سائبة، ولا وصيلة، ولا حام ( [2] ) .
فأحلّ الله تبارك وتعالى الأنعام كلها إلا ما استثنى سبحانه وتعالى
من هذه الأنعام، فأحل الطيبات، وحرم الخبائث، وأبطل عادات الجاهلية،
فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرّمه الله ورسوله، أما ما
استثنى سبحانه مما أحلّ للمؤمنين فهو قوله تعالى: " إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " ، وتوضيحه سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثانياً: ما استُثنِيَ مما أحل الله للمؤمنين من بهيمة الأنعام:
قوله تعالى: "إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ " ، قال
علي
بن أبي طلحة عن ابن عباس: (( يعني بذلك، الميتة والدم، ولحم الخنزير... ))
، قال ابن كثير: (( والظاهر والله أعلم أن المراد بذلك قوله تعالى: " حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ
لِغَيْرِ الله بِهِ وَالـْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ " ( [3] ) .
وقال القرطبي: (( قوله تعالى: " إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " أي يقرأ عليكم في القرآن والسنة،من قوله تعالى: " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ... " الآية وقوله صلى الله عليه وسلم : (( وكل ذي ناب من السباع حرام )) ( [4] ) .
وقوله تعالى: "غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ " ،
قال بعضهم: هذا منصوب على الحال، والمراد بالأنعام ما يعمّ الإنسي من
الإبل، والبقر، والغنم وما يعم الوحشي، كالظباء، والبقر، والحمر، فاستُثني
من الإنسي ما تقدم، واستثني من الوحشي الصيد في حال الإحرام.
وقيل: المراد أحللنا الأنعام إلا ما استُثْنِيَ منها لمن التزم تحريم الصيد، وهو حرام لقوله تعالى: "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ " ( [5] ) .
أي
أبحنا تناول الميتة للمضطر بشرط أن يكون غير باغٍ ولا معتدٍ، وهكذا هنا أي
كما أحللنا الأنعام في جميع الأحوال، فحرموا الصيد حال الإحرام؛ فإن الله
قد حكم بهذا وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه؛ ولهذا قال:" إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ " ( [6] ) .
ثالثاً: الضابط العام للأنواع المحرمة من الحيوانات والطيور:
عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع )) ( [7] ) .
وفي صحيح مسلم: عن ابن عباس: (( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير )) ( [8] ) .
والمخلب للطير كالظفر لغيره، لكنه أشد منه وأغلظ وأَحَدُّ، فهو كالنَّاب للسبع، قال ابن حجر في فتح الباري: ((
اختلف القائلون بالتحريم في المراد بما له ناب، قيل: إنه ما يتقوَّى به
ويصول على غيره، ويصطاد ويعدو بطبعه غالباً كالأسد، والفهد، والصقر،
والعقاب، أما ما لا يعدو كالضبع، والثعلب، فلا، وإلى هذا ذهب الشافعي،
والليث، ومن تبعهما.
ثم قال: وقد ورد هذا في حل الضبع أحاديث لا بأس بها.
أما الثعلب فورد في تحريمه حديث خزيمة بن جزء عند الترمذي، وابن ماجه، ولكن سنده ضعيف )) ( [9] ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( كل ذي ناب من السباع فأكله حرام )) ( [10] ) ، قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم في شرح هذا الحديث: قوله: (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير )) ، وفي رواية: (( كل ذي ناب من السباع فأكله حرام
)) ، والمخلب بكسر الميم وفتح اللام، وقال أهل اللغة: المخلب للطير
والسباع بمنزلة الظفر للإنسان، فهذه الأحاديث دلالة لمذهب الشافعي، وأحمد،
وأبي حنيفة، وداود، أنه يحرم أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من
الطير.
أما الإمام مالك، فقال: لا يحرم بل يكره، ودليله قوله تعالى:
" قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا... " الآية ( [11] ) .
ثم قال النووي: ((
ورَدَّ عليه أصحابنا بهذه الأحاديث، وقالوا: والآية ليس فيها الإخبار بأنه
لم يجد في ذلك الوقت محرماً إلا المذكورات في الآية، ثم أوحي إليه بتحريم
كل ذي ناب من السباع – ومخلب من الطير – فوجب قبوله والعمل به )) ( [12] ) .
قلت: وبالجملة تحرم الحيوانات والطيور المفترسة آكلة اللحوم، ويستثنى من هذه الحيوانات ما ورد في الشرع استثناؤه من هذه الحيوانات، كالضبع، فإنه قد ورد في حِلّه أحاديث منها:
1- عن أبي عمار قال: (( قلت لجابر: الضبع، أصيد هي؟ قال: نعم ، قال: قلت: آكلها؟ قال: نعم، قال: قلت: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم )) ( [13] ) .
2- وعن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: (( هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم )) ( [14] ) ، وقال ابن حجر العسقلاني: (( وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها )) ( [15]) .
الخلاصة في هذا الموضوع أنه يحرم: كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، إلا ما استثني كالضبع كما تقدم.
( [1]) سورة المائدة، الآية: 103.
( [2]) صفوة التفاسير، 1/369.
( [3]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/4، والآية 3 من سورة المائدة.
( [4]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، والحديث رواه مسلم، برقم 1933، ولكن بلفظ: (( كل ذي ناب من السباع فأكله حرام )) ، وتقدم تخريجه .
( [5]) سورة النحل، آية: 115.
( [6]) تفسير القرآن لابن كثير، 2/4، والآية الأولى من سورة المائدة.
( [7]) البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع، برقم 5530، وكتاب الطب، باب ألبان الأتن، برقم الحديث 5780.
( [8]) صحيح مسلم، برقم 1934، وتقدم تخريجه.
( [9]) فتح الباري، 9/658.
( [10]) مسلم، برقم 1933، وتقدم تخريجه.
( [11]) سورة الأنعام، الآية: 145.
( [12]) شرح النووي لصحيح مسلم، 13/82.
( [13]) رواه الترمذي، باب ما جاء في الضبع يصيبها المحرم، برقم 851، وقال: (( هذا حديث حسن صحيح )) ، وانظر: صحيح الترمذي، 1/255.
( [14])
رواه أبو داود، كتاب الأطعمة، باب في أكل الضبع، برقم 3801، وقد روي
أحاديث كثيرة في الضبع، روى ذلك، أحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي،
والدارمي، ومالك واخترت حديثين هما ما ذكر أعلاه من سنن الترمذي، وسنن أبي
داود.
( [15]) فتح الباري كتاب الصيد 9/658.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]