1. حفظ اللسان، والجوارح عن اللغو والإثم:
والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) ([1]).
قال
المهلب: "فيه دليل على أن حكم الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور، كما
يمسك عن الطعام والشراب، وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقص صيامه، وتعرض لسخط
ربه، وترك قبوله منه". وقال غيره: "وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه إذا
لم يدع قول الزور، وإنما معناه التحذير من قول الزور والعمل به ليتم أجر
صيامه"([2]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى
الله عليه وسلم: ((الصيام جُنَّه، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو
شاتمه فليقل: إني صائم...)) الحديث ([3]).
قال النووي: "فيه
نهي الصائم عن الرفث وهو السخف وفاحش الكلام، ... واعلم أن نهي الصائم عن
الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصاً به، بل كل أحد مثله في أصل
النهي عن ذلك، لكن الصائم آكد"([4]).
وعن عمر رضي الله عنه قال: (ليس الصيام من الطعام والشراب، ولكن من الكذب والباطل واللغو والحلف) ([5]).
وقال
جابر رضي الله عنهما: (إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب،
والمآثم، ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم
صيامك وفطرك سواء) ([6]).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (إذا صمت فتحفظ ما استطعت) ([7]).
وقال عبيدة السلماني: "اتقوا المفطِّرَين: الغيبة، والكذب"([8]).
قال الغزالي مبيناً أدب الصوم: "فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور:
الأول: غض البصر، وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب ويلهى عن ذكر الله عز وجل.
الثاني:
حفظ اللسان عن الهذيان، والكذب، والغيبة، والنميمة، والفحش، والجفاء،
والخصومة، والمراء وإلزامه السكوت، وشغله بذكر الله سبحانه، وتلاوة
القرآن، فهذا صوم اللسان.
الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه، لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه.
الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام: من اليد، والرجل، وعن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار
([9])، فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً ويهدم مصراً.
وقد
قال صلى الله عليه وسلم: ((كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش))،
فقيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال
ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن
الآثام.
الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث
يمتلئ جوفه، وكيف يستفاد من الصوم قهرُ عدوا الله وكسر الشهوة إذا تدارك
الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره ؟! وربما يزيد عليه في ألوان الطعام،
حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما
لا يؤكل في عدة أشهر. ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى، لتقوى
النفس على التقوى.
سادساً: أن يكون قلبه بعد الإفطار
معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء، إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من
المقربين، أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ
منها"([10]).
وقال ابن الجوزي: "وللصوم آداب يجمعها: حفظ
الجوارح الظاهرة، وحراسة الخواطر الباطنة، فينبغي أن يتلقى رمضان بتوبة
صادقة، وعزيمة موافقة، وينبغي تقديم النية وهي لازمة في كل ليلة، ولا بد
من ملازمة الصمت عن الكلام الفاحش والغيبة فإنه ما صام من ظل يأكل لحوم
الناس، وكف البصر عن النظر إلى الحرام، ويلزم الحذر من تكرار النظر إلى
الحلال"([11]).
وقال ابن القيم: "والصائم هو الذي صامت جوارحه
عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب،
وفرجه عن الرفث ؛ فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما
يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً، وكذلك أعماله، فهي بمنزلة
الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع
بمجالسته، وأَمِن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم، هذا هو الصوم
المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ... فالصوم هو صوم الجوارح عن
الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه
ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه، وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم
يصم"([12]).
-------------------------------------------------------------------------------
2 ـ الإكثار من العبادة:
كان
من هدية صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات فكان
جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل
أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان،
يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف.
وكان
يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه
أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن
الوصال([1]).
قال ابن رجب: "وكان جوده صلى الله عليه وسلم
يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه يتضاعف فيه
أيضاً، فإن الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة، وكان على ذلك قبل
البعثة"([2]).
وقال أيضاً: "وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة منها: شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه.
ومنها:
إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم، فيستوجب المعين لهم مثل
أجرهم، كما أن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا.
ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر"([3]).
وقال
القسطلاني: "ولما كان شهر رمضان موسم الخيرات ومنبع الجود والبركات ؛ لأن
نعم الله فيه تزيد على غيره من الشهور، وكان سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يكثر فيه من العبادات وأنواع القربات الجامعة لوجوه السعادات،
من الصدقة والإحسان، والصلاة، والذكر، والاعتكاف، ويخص به من العبادات ما
لا يخص به غيره من الشهور، كما أن جود ربه تعالى يتضاعف فيه أيضاً، فإن
الله تعالى جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة"([4]).
وإليك بعض العبادات التي لها مزيّة في رمضان:
· الجود، ومدارسة القرآن:
عن
ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود
الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في
كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين
يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) ([5]).
قال النووي: "وفي هذا الحديث فوائد منها:
بيان عظم جوده عليه الصلاة والسلام، ومنها: استحباب إكثار الجود في رمضان.
ومنها: زيادة الخير عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثر بلقائهم، ومنها: استحباب مدارسة القرآن"([6]).
· القيــام:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ([7]).
قال
أبو الوليد الباجي: "... ثم بين الترغيب بقوله: ((من قام رمضان إيماناً
واحتساباً غفر له، ما تقدم من ذنبه))، وهذا من أعظم الترغيب وأولى ما يجب
أن يسارع إليه إذا كان فيه تكفير السيئات التي تقدمت له"([8]).
وقال
النووي: "معنى ((إيماناً)) تصديقاً بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى
((احتساباً)) أن يراد الله تعالى وحده ولا يقصد رؤية الناس، ولا غير ذلك
مما يخالف الإخلاص، والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح، واتفق العلماء على
استحبابها"([9]).
· العمـرة:
عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: ((ما
منعك أن تحج معنا)) قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان فحج أبو ولدها وابنها على
ناضح وترك لنا ناضحاً ننضح عليه، قال: ((فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة
فيه تعدل حجة))([10]).
قال النووي: "أي: تقوم مقامها في الثواب، لا أنها تعدلها في كل شيء"([11]).
الموضوع الأصلي :
آداب الصوم في رمضان الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|