الأزمة الإقتصادية العالمية -أسباب وحلول
يشهد العالم أزمة
اقتصادية لم يسبق لها مثيل ، تحاول الدول الرأسمالية حلها وإيجاد السبل
للخروج من هذه الأزمة التي سببت كارثة اقتصادية تهدد العالم بأسره.
وقد انعقدت قمة العشرين بلندن يوم الخميس الثاني من نيسان عام 2009م في محاولة للخروج من هذه الأزمة الخانقة .
وقد ازدادت الأزمة
الإقتصادية العالمية سوءا منذ قمة واشنطن في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ،
والتي عقدها زعماء الدول العشرين والتي تستحوذ على 90% من الناتج
الإقتصادي العالمي و 80% من التجارة العالمية وهي تضم ثلثي سكان الأرض .
إن هذه الأزمة التي
تعصف الآن بالعالم ليست الأولى من نوعها, فلقد كانت هناك أزمة كبرى في عام
1929 وسميت بأزمة الكساد الكبير, ومن أشهر أزمات النظام الرأسمالي ما حصل
في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول عام 1997 حيث حصل هبوط حاد في أسعار
الأسهم في الأسواق المالية الكبرى ، بدأ في هونغ كونغ ،وانتقل إلى اليابان
، ثم لأوروبا ،وتتالى الهبوط من بلد لآخر مع تتالي طلوع الشمس في كل منها
، وقد سبق هذه الأزمة التي حصلت في أوروبا وأمريكا ما كان يجري في جنوبي
شرق آسيا من تدهور في أسعار صرف عملات دولها وهبوط أسعار أسهم شركاتها
فأشرفت عدد من المصارف والشركات على الهلاك من تايلاند إلى الفلبين
وماليزيا وإندونيسيا ثم امتدت الأزمة كالعدوى إلى كوريا الجنوبية وتايوان
في شمال آسيا 0
وفي هذه الأيام تفاعلت
أزمة الرهن العقاري، وتوسعت في القروض، وعجز المقترضون عن السداد، فأفلست
كبرى البنوك والمؤسسات المالية في أمريكا أو كادت، وبسبب كثافة الدعاية
لسوق الرهن العقاري في أمريكا، وللأرباح الوفيرة المتوقعة وفق أرباب صناعة
الإعلان… فقد تسارعت البنوك الدولية والأسواق المالية للإستثمار في هذا
السوق، وهكذا انعكس إفلاس البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية على العالم،
وأصابت “عطسة” أمريكا العالم بالزكام.
لقد قدَّرت بعض
المصادر المالية خسائر الرهن العقاري بنحو “ 300” مليار دولار في أمريكا
وحدها، و"550" مليار دولار في دول العالم الأخرى! فبدأت الدول، وبخاصة
الغنية، تضخ الأموال بالمليارات إلى الأسواق المالية لإسناد السوق وتوفير
السيولة لتحريك عملية الاقتصاد، بل إن بعضها تدخلت مباشرة لدرجة وصلت
التأميم لبعض المصارف كما حدث في بريطانيا!
وإن ما حصل مؤخرا في
أزمة الرهن العقاري الحادة والمستمرة دليل على فساد النظام الإقتصادي
الرأسمالي, فقد وجدت آلاف الأسر نفسها في الشارع بعد أن خسرت بيوتها التي
ذهبت إلى المؤسسات الربوية.
إن هذا الإقتصاد
الرأسمالي الذي سبب كل هذه الكوارث المعيشية والاجتماعية يقوم على ركائز
ثلاثة هي أس الداء ومكمن البلاء وهي التالية:
1- الشركات المساهمة :
أي تلك الشركات التي يتم تداول أسهمها في البورصة فتصبح قيمة هذه الشركة
أضعاف قيمتها الحقيقة نتيجة للمضاربة على أسهمها, فالشركة التي أصولها على
الحقيقة تساوي مليون دولار مثلا, قد تصبح قيمتها في البورصات نتيجة
المضاربة مليار دولار, وهذا معناه بيع أوهام لا أكثر فربما دفع مضارب
مليون دولار في شركة لعله يحصل على 10% منها, ولكنه يكتشف أن الشركة لا
تساوي كلها بجميع ما فيها نصف المليون.
2- الربا . وهذا غني عن الشرح.
3- النقد الإلزامي ,
أي أن الدول لا تغطي عملتها المطبوعة بالذهب أو الفضة, وإنما العملات مثل
الشيكات تصدرها الدولة وتلتزم بتصريفها دون أن يكون لها رصيد حقيقي, ولعل
في عملة العراق مثال يوضح المسألة فقد تهاوى سعر صرف الدينار العراقي الى
قيمة تقارب الصفر بعد الحصار, ولو كان هذا الدينار مغطى بالذهب أو نائب عن
الذهب والفضة لما خسر الناس أموالهم لمجرد أزمة سياسية ألمت بالبلد.
وقد تآزرت هذه الأنظمة
الثلاثة لتفصم الإقتصاد الرأسمالي إلى نوعين من الإقتصاد أو الأسواق :
الأول هو الإقتصاد الفعلي وفيه يكون إنتاج وتسويق السلع والخدمات الفعلية
، والثاني هو الإقتصاد المالي ، وهو ما يسميه بعضهم بالإقتصاد الطفيلي
القائم على الشركات المساهمة والبورصات والأسواق المالية التي يتم فيها
بيع وشراء الأسهم والسندات، والبضائع دونما شرط التقابض للسلع بل تشترى
وتباع مرات عدة ، دون انتقالها من بائعها الأصلي، وهو نظام باطل يُعقِّد
المشكلة و لا يحلها، حيث يزيد التداول وينخفض دون تقابض بل دون وجود
سلع...، كل ذلك يشجع المضاربات والهزات في الأسواق، وهكذا تحدث الخسائر
والأرباح بطرق شتى من النصب والإحتيال وقد تستمر وتستمر قبل أن تنكشف
وتصبح كارثة اقتصادية.
إن هذه الأسواق
المالية مصدر كبير للفقر المدقع لكثير من الفقراء, و هي أسواق تقتات على
حساب المستثمرين الصغار, و الجائعين و المحرومين. و مع أن حجم الأموال
المتداولة فيها تقدر ب 98% مقارنة بالمال المستخدم في الإقتصادي الحقيقي و
الفعلي المتعلق بالإنتاج, إلا أن هذه الأموال لا ينتفع بها إلا فئة قليلة
من الناس، و لا شك أن المضاربات من أهم الأسباب في الأزمات الاقتصادية
الأخيرة, حتى أن سياسيي العالم انتقدوها مؤخراً وطالبوا بفرض قيود صارمة
على المضاربين و مراقبة البورصات.
من ذلك ما قاله الرئيس
الفرنسي ساركوزي: لقد حان الوقت لجعل الرأسمالية أخلاقية بتوجيهها إلى
وظيفتها الصحيحة، و هي خدمة قوى التنمية الإقتصادية و قوى الإنتاج، و
الإبتعاد تماما عن القوى المضاربة .
لقد جمعت المضاربات في
الأسواق المالية كل مساوئ النظام الإقتصادي الرأسمالي: الفوائد الربوية,
العملات الإلزامية الغير مغطاة, البيع و الشراء بغير تقابض, اعتماد أساليب
الغش و الكذب والاحتيال و التمويه و التآمر في رفع الأسعار و تخفيضها, و
المجازفة بالاعتماد على العامل الغيبي في البيع و الشراء .
وأما بالنسبة لنظام
الربا المصرفي فإن القروض الربوية تشكل مشكلة اقتصادية كبرى،حتى إن مقدار
الدين الأصلي سيتضاءل مع الزمن بالنسبة للربا المحسوب عليه، فيصبح عجز
الأفراد والدول أمراً وارداً في كثير من الحالات، ما يسبب أزمة تسديد
الدين، وتباطؤ عجلة الإقتصاد لعدم قدرة كثير من الطبقات الوسطى بل والكبرى
عن تسديد الدين ومواكبة الإنتاج.
وأما بالنسبة لنظام
النقد الإلزامي فإن النقود تُعرّف بأنها الشيء الذي اصطلح الناس على جعله
ثمنا للسلع وأجرة الجهود والخدمات 0
وقد كان النظام
المعدني هو النظام السائد من قديم الزمان قبل الإسلام ولما جاء الإسلام
أقر الرسول – صلى الله عليه وسلم – التعامل بالدنانير والدراهم ، أي
بالنظام المعدني ، وجعلهما وحدهما المقياس النقدي الذي تُقاس به أثمان
السلع وأجرة الجهود والخدمات 0
وقد تم إقصاء الذهب عن
كونه الغطاء النقدي، وإدخال الدولار شريكا له في اتفاقية بريتون وودز مع
نهاية الحرب الثانية، ثم بديلا له في أوائل السبعينات، قد جعل الدولار
متحكما في الاقتصاد العالمي، بحيث تكون أية هزة اقتصادية في أمريكا
مشكِّلةً ضربة قاسية لاقتصاد الدول الأخرى، وذلك لأن مخزونها النقدي،
معظمه إن لم يكن كله، مغطى بالدولار الورقي الذي لا يساوي في ذاته أكثر من
الورقة والكتابة عليها، و حتى بعد أن دخل اليورو “حلبة الملاكمة"، وأصبحت
الدول تحتفظ في مخزونها النقدي نقودا غير الدولار، إلا أن الدولار بقي
يشكل النسبة الأكبر في مخزون الدول بشكل عام.
نضيف إلى ذلك كله أمرا
مهما، وهو عدم الوعي على واقع الملكيات، فهي قد كانت عند مفكري الشرق
والغرب إما مِلكية عامة تتولاها الدولة وفق النظرية الاشتراكية الشيوعية،
وإما مِلكية خاصة يتولاها القطاع الخاص ولا تتدخل الدولة بها وفق النظرية
الرأسمالية الليبرالية المعتمدة على حرية السوق، والخصخصة، ثم أضيف لها
العولمة.
إن عدم الوعي هذا على
واقع المِلكيات أوجد ويوجد الهزات الاقتصادية والمشاكل الاقتصادية، وذلك
لأن المِلكيات ليست إما أن تتولاها الدولة، أو يتولاها القطاع الخاص، بل
هي ثلاثة أنواع:
مِلكية عامة تشمل
المناجم الصلبة والسائلة والغازية، كالبترول، والحديد والنحاس والذهب
والغاز وكل ما في باطن الأرض، والطاقة بكل صورها، والمصانع الكبرى التي
تكون فيها الطاقة عنصرا أساسا… فيجب أن تتولى الدولة استخراجها وتوزيعها
على الناس عينا وخدمات.
ومِلكية دولة وهي ما
تأخذه الدولة من ضرائب بأنواعها، وما تنشئه من تجارة وصناعة وزراعة في غير
الملكية العامة، وهذه تنفقها الدولة على مرافق الدولة .
ثم المِلكية الخاصة وهي الأمور الأخرى، وهذه يتصرف بها الأفراد وفق الأحكام الشرعية