ربّ
العالمين و العاقبة للمتّقين ، و لا عدوان إلاّ على الظّالمين ، ففي الوقت
الّذي تتَّجه قلوب المؤمنين المخلصين و تتعلَّق أفئدة المتَّقين
الموحِّدين بأن يظفروا بالسّفر إلى المسجد الحرام ، و يكونوا من حُجَّاج
البيت العتيق ؛ تتعلَّق قلوب كثيرٍ من المفتونين من العوامّ و المتديِّنين
- و للأسف - بأن يكونوا من حُجَّاج الكرة و الفريق !
تسابقٌ محمومٌ و
اهتمامٌ مذمومٌ بلهوٍ باطلٍ و نصرٍ موهومٍ ، أصاب أقواماً من المسلمين
فَصَرَفَهم عن معالي الأمور ، و أشغلهم بالسّفاسف و القشور ، حتّى أضحتْ
هذه اللّعبة نوعاً من العبادة أو قارَبَت ، و أصبحتَ لا تقرأ و لا تسمع و
لا ترى إلاّ حديثاً عنها و تذكيراً بها و دعوةً إليها و دعاءً و خوفاً و
رجاءً و بكاءً من أجلها .
وقد سمّى الله عزّ وجلّ الهوى المتَّبع إلهاً ، فقال : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ** [ الجاثية : 23 ]
وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم : " تعِسَ عبدُ الدِّينار و الدِّرهم و القطيفة و الخميصة ... " ( البخاري : 2886
) ، فإذا كان طلبُ الرِّزق و الاستكثار من المال للاستغناء عن النّاس
مباحاً في الأصل ، و قد يكون مستحبّاً أو واجباً ؛ فإنَّ الاشتغالَ به على
وجهٍ يكون هو أكبرَ همِّ الإنسان ، و غايةَ مطلبِه و مبلغَ علمِه - مذمومٌ
، و صاحبُه مدعوٌّ عليه بالتّعاسة و موصوفٌ بالعبودية له ، فكيف بلهوٍ
مُشغلٍ ، أقلُّ ما يقال فيه – تنزُّلاً - أنّه مكروهٌ ! فكيف إذا انضمَّ
إلى ذلك كشفٌ للعورات و تضييعٌ للصّلوات و إهدارٌ للأموال و الأوقات ، و
إثارةٌ للنّعرات و العصبيَّات ، و سِبابٌ و شتائمُ ، و تخريبٌ و تكسيرٌ ،
و أذيَّةٌ للمسلمين .
كيف لعاقلٍ فضلاً عن مسلمٍ فضلاً عن مستقيمٍ ؛
أن يجعل ذلك همَّه و شُغلَه ، يُصبح عليه و يُمسي ، و يسبِّح به أدبار
الصّلوات ، و يدعو به في السّجدات و الخلوات .
إنَّ النّاظر في أحوال
المسلمين و المتصفِّح لما يُكتب في الصّحف و المواقع الإلكترونيّة ، ليرى
كيف أصبحت هذه اللُّعبة تضاهي العبادة ، بل كثيرٌ من أصحابها صار اهتمامهم
بها أبلغَ من اهتمامهم بالعبادة .
فمنهم من يشبِّه السّفر إليها ( بالحجّ ) ، و منهم من يسمّي اللاّعبين ( بالمحاربين ) ، و المقابلةَ ( بالغزوة ) أو ( الموقعة ) ، و مكانَ التّدريب ( بالمُعسكر ) ، و المشجِّعين ( بالأنصار ) ، و منهم من باع هاتفَه و حُلِيَّ أمِّه ليلتحق ( بالمرابطين ) ، و منهم من يُنفق ماله في سبيلها بسخاء ، و إذا جاءه المحتاج المكروب ، ردّ عليه ب : " الله ينوب "
، و منهم من ذرف الدّمع من أجلها ولم تدمع عينُه يوماً من خشية الله ، و
منهم من يدعو الله بأسمائه الحسنى و بكلِّ اسمٍ سمَّى به نفسه أو أنزله في
كتابه بل باسمه الأعظم الّذي إذا دُعي به أجاب أن ينصرَ فريقه ، و لعلَّه
لم يعرف هذا الدّعاء من قبل ، و لم يستعمله في طلبِ الجنّة و النّجاة من
النّار ، و منهم – و يا للمصيبة ! - من خرج يهتف فرحاً بالفوز ، على بُعد
أمتارٍ من مسجد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عقِب صلاة التّراويح في
رمضان ، في ليلة ارتجَّ فيها المسجدُ بالبكاء تأثُّرا بدعاء بليغ من إمام
المسجد النّبوي ، ذكَّر فيه المصلِّين بالآخرة ، و منهم من جاء للحجّ و
بالُه مشغولٌ بالمقابلة ، و همُّه معقودٌ بالدّعاء لفريقه ، بل لقد قرأنا
أنّه قد جيء بخطيبٍ للجمعة يخطب في اللاّعبين في مقرّهم - لأنّهم مشغولون
بإعداد العُدّة - ليحثّهم و يذكِّرهم ، و قرأنا أنّهم سيدخلون الملعب
بسمّاعات تتلو عليهم القرآن حتّى لا يسمعوا صخب المشجّعين المشاغبين !
ومن منَّا يجهل تاريخ 14 نوفمبر ،
تاريخ المعركة الحاسمة الّتي سيكون فيها النّصر المؤزّر للإسلام و
المسلمين ، فإنْ تعادلَ الجيشان فمقابلةٌ أخرى فاصلةٌ يهلِك فيها من هلك
عن بيِّنة و يحيى من حيَّ عن بيِّنة !
و سيكون هذا التّاريخ عيداً
ثالثاً للمسلمين يشكرون الله فيه على نعمة النّصر ، و يكون كالمقدِّمة
لانتصاراتٍ أخرى ، أهمُّها النّصر على اليهود وتحرير فلسطين !
و من العجائب و العجائب جمَّةٌ ؛ أنَّ السّواد الأعظم من هؤلاء هم الّذين خرجوا بالأمس يتظاهرون لنُصرة ( غزَّة ) – زعموا – يريدون أن تُفتح الحدود لتحرير المسجد الأقصى ، و هم لم يحرِّروا أنفسهم من هذا الّذي استولى على قلوبهم .
و
هذا يدلُّك على صدق الدّعاة النّاصحين – و إن وَسَمَهم البعض بالمخذِّلين
- الّذين بيَّنوا أنَّ النّصر لا يتحقَّق إلا بعودة الأمَّة إلى دينها ، و
الأخذ بالأسباب الشّرعية الّتي أهمُّها الاعتصام بكتاب ربِّها و سنَّة
نبِّيها .
فهل بمثل هؤلاء تُنصر غزَّة و تُفتح القدس ؟! كلاَّ ، و ربِّ الكعبة .
و
يزداد الخطبُ سوءًا و تتفطَّر الأكباد كمداً حين تتسرَّب بعض هذه الأفعال
و الأحوال المذكورة و غيرها إلى من يُنسب إلى الاستقامة ، بل إلى طلب علوم
الشّرع و الشّعائر و من يدخل المحاريب ويعتلي المنائر و المنابر !
فيا أيها النّاس ! ألا وقفةُ تأمُّلٍ و تفكُّرٍ فيما نحن فيه و ما آلَت أحوالنا إليه ؟
ألا
عقلٌ راجحٌ يحجزنا عن السّفاسف و القبائح ؟ ألا تفكيرٌ صحيحٌ و رأيٌ رجيحٌ
يبصِّرنا بما يكيده لنا اليهود و عُبَّاد المسيح ؟ ألا وازعٌ من دينٍ
ينهانا عن منكرات الأمور و يذكِّرنا بيوم البعث و النّشور ؟
اللّهمّ
أرنا الحقَّ حقًّا و ارزقنا اتِّباعه و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا
اجتنابه ، و ثبِّت على المحجّة البيضاء منَّا الأقدام ، و اجنُبنا و
بَنِينا أن نعبُد الأصنام .
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
الكاتب :سليم مجُّوبي الجزائريّ
الموضوع الأصلي :
حُجَّاج البيت العتيق و حُجَّاج الكُرَة و الفرِيق الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|