قصة تلميذ مع قصيدته المشؤومة



قبل قراءة هذه القصة يجب التنبيه على أن هذه القصة حقيقية 100%



أبدأ
حكايتي من الثانوية العامة حيث كنت في السنة الختامية والأيام المقبلة
كلها تحديات وعقبات.. نعم هي كذلك لأن هذه السنة كانت تعني لي الكثير,
فكان لزام علي أن أرد الاعتبار للسنة التي تعثرت فيها لعدة اعتبارات
وأسترجع مكانتي التي زلزلت في المؤسسة بين الأساتذة وفي المنزل بين أفراد
الأسرة وفي الشارع بين الغريب والقريب من الأصدقاء..

لقد
سقطت مكانتي عند سقوطي في السنة الأولى من السنة الختامية وكنت قادرا على
النجاح لو أنني توكلت على الله حق توكله وتجنبت أسباب الفشل وتثبيط الهمم,
إذ أنني ومنذ بداية الموسم الدراسي لم تعرف حياتي الدراسية استقرارا ولا
تحسنا وإنما تميزت باختلالات على مستوى تعاملي مع المنهج وحتى مع الأساتذة
الكرماء, فكان أول اختلال يحدث لي عندما زاغت علي أناملي وكتبت شعرا هو
ليس إبداعا وإنما خيل إلي وتخيله الجميع كذلك, كتبته في حضرة أستاذ لا
أقول إنه لا يستحقه , إنما أقول هو شعر هجائي بأسلوب راق إعجاب الحضور
وأثار ضجة في صفوف بعض الأساتذة لما رأوا فيه من سب وشتم لأسرة التعليم
ولشخص الأستاذ المعلوم, فكانت ضجة عارمة وقنبلة نووية انفجرت بعد انتهائي
من إلقاء هذه القصيدة المشئومة, فكنت أول المتضررين رغم اكتسابي شهرة على
الصعيد الإقليمي وحظيت بإعجاب الحضور, وكان أهم الحضور قائد المنطقة الذي
أعجبته القصيدة وكادت أن تقتله من الضحك لولا تعكير هذا الجو من طرف بعض
الأساتذة اللذين حاولوا أن يقمعوني ويقتلوا روح الإبداع في ذاتي, لكنني
واجهت الموقف بكل صرامة وحزم. وكان من بين من احتج على سلوكي أستاذ!! (...)
الذي حاول أن يطردني من المؤسسة بتهمة التجريح بالأستاذ, إلا أنني استعنت
بمحام من الأساتذة كانوا ممن قدروا إبداعي واحترموا هجائي لهذا الأستاذ,
فكان هؤلاء الأساتذة سندا لي في هذه المحنة التي أصابتني وكادت أن تقضي
على مستقبلي الدراسي.

منذ
دلك الحين وأنا أعيش في قلق دائم وبنفسية محطمة بسبب هذا التجريح الذي لم
أكن أقصد به سوى تصحيح بعض سلوكيات أستاذي وأكون بذلك قد أرجعته إلى
صوابه, فكانت العاقبة بهذا الشكل الفظيع وهو غضب بعض الأساتذة على سلوكي
هذا وقرروا عقد اجتماع طارئ لدراسة قضيتي وعرضها على المجلس الـتأديبي,
إلا أن شفاعة بعض الأساتذة المبرزين جعلهم يتقبلون الأمر ويحترموا إبداعي..

ورغم
ذلك بقيت نفسيتي منهارة لما رأيت جفاء أساتذتي عني, وأصبحت مضربا لأمثلة
التلاميذ الذين لا يقدرون قدر الأستاذ, فكنت أحاسب نفسي محاسبة عسيرة على
هذه الفعلة. وبينما أنا كذلك خطرت ببالي فكرة حاولت أن أصلح بها غلطتي وهي
أن أكتب قصيدة أخرى وبنفس الأسلوب أعتذر عما بدر مني من سوء فهم الأساتذة
وسوء تصرفي نحوهم. فانطلقت إلى البيت حينها وقلبي متحسر على هؤلاء
الأساتذة الذين سقطت من أعينهم فبدأت أكتب وأنا على يقين أنني سوف أحظى
بمسامحتهم حتى من لا يستحقها منهم, وعرضت القصيدة عليهم فإذا بها تصلح ما
أفسدته سابقتها وترد الاعتبار لي, وأصبحت مبعث الاحترام والتقدير من جميع
الأساتذة والتلاميذ. إلا أنني كنت على علم أن هذه الشهرة التي اكتسبتها لم
تكن تعني لي شيئا, لأنني اكتسبها على حساب أستاذ لم يكن ينبغي لي أن أهجوه
بتلك الطريقة الطائشة اللامسؤولة, لكنني رغم ذلك لا أنفي خوضي لتجربة أقول
أنها مريرة تعلمت من خلالها قيمة الأستاذ وقيمة احترامه, وتعلمت أن لكل
مقام مقال وألا يجب مقابلة إساءة الأستاذ بإهانة مثلها وإنما حري بالتلميذ
أن يكون دءوبا بالحرص على الجد والاجتهاد, وإرضاء أستاذه والتغاضي عن
زلاته لأنه في النهاية ليس بمعصوم وخطأه وصوابه لا يدعان للتلميذ مجالا
للسخرية والإهانة.

وكان
مما استفدته من هذه الواقعة أن أدركت قيمة الإبداع وإن في حالتي هذه غايته
إدخال ابتسامة على الجمهور حتى لو كانت على حساب الأستاذ, فقررت أن أهتم
وأنمي موهبتي في مجال الكتابة وأن أصبح كاتبا ولما لا شاعرا على مقاس
عصري, أكتب وأنظم لأخدم في سوق مشاكل التلاميذ والطلبة الذين يعانون من
طول المنهج وصرامته, فكانت أول بداياتي في عالم الكتابة والشعر..


انتهى