ناموا
أطفالي بعد ما استنفدوا كل طاقاتهم الجهنمية.. وساد هدوء في البيت إلا من
صوت التلفزيون على مسلسل يعاد للمرة السابعة.. زوجي كالعادة متلفت بكل
حواسه لشاشة الكمبيوتر وأصابعه تتحرك بحنكة على لوحة المفاتيح كأي رجل
يقضي ثلاث أرباع يومه يعمل ويتعلم ويتواصل على الكمبيوتر...
جلست
على السرير أطوي قطع الغسيل الذي جمعته قبل ساعة في محاولة للتلهِّي عن
الفكرة التي لا أدري كيف أعبر عنها.. وتلك الرغبة التي تؤلمني ولا أجد لها
حلًّا..
لم يكن الهدوء من حولي مناسبًا لحالتي النفسية، والتي أقاوم فيها كلامًا على طرف اللسان يخنقه الكبرياء وعبثية البوح..
استشعرت وحدة على الرغم من وجود زوجي على مقربة خطوات مني.. وخنقني الصمت.. فطردته بقولي: الجو برد قوي..
رد زوجي بشرود دون أن يلتفت لي: شغَّلي الدفاية.. لم أجبه والحنق يغلي بداخلي دون رحمة.. واستمر الصمت قليلًا..
ثم فجأة وبدون مقدمات اندفعت الكلمات من حلقي كشلال عذاب: يوسف.. أنا عايزة هدية..
التفت لي مندهشًا غير مستوعب وعينيه حمراوتين من أثر العمل الطويل مع الشاشة والسهر وتساءل بانتباه: عايزة إيه؟!
كررت جملتي وأنا أضغط على الحروف، وكأني أود أن أصبغ بها ذاكرته: عايزة هدية...
بدا على وجهه نظرة من يحاول حل فزورة صعبة، ثم أردف في محاولة للفهم: طب ما الفلوس كلها معاكي.. ما تشتري اللي انت عايزاه..
ضغطت على شفتي السفلى حتى كدت أدميها، وقلت بصوت حاولت ألا تخنقه دموعي المحبوسة: أنا مش عايزة حاجة...
ثم كررت وأنا أشعر بأني بلهاء مسكينة تكرر الواجب المدرسي مائة مرة عقابًا لها على خطأ ما: أنا عايزة هدية..
صمت
وقد أعلنت ملامحه فشلًا مريعًا في أن يفهم ما اقصد، فبدا كمن يعاني
صداعًا.. وشعرت فجأة بتفاهة ما أقدمت عليه.. وانتابني حرج موجع وكأن جزءًا
من جسدي انكشف سهوًا أمام غريب..
رن
هاتف زوجي فانشغل عني بالرد.. تنهدت بعمق وأنا أقوم لترتيب الغسيل الذي
كنت انتهيت من طيِّه.. وغاب زوجي مع التليفون ربع ساعة في نقاش حاد مع أحد
زملاء عمله.. وعندما انتهى من تليفونه سرح قليلًا وتمتم: ده انت غبي قوي..
سألته - على الرغم من أني أسمعه جيدًا: بتقول حاجة يا يوسف؟
فرفع عينيه وهو يسترد إحساسه بوجودي في الغرفة، ورد بشرود: لا مفيش.. ثم بشرود أكثر وهو يعود لشاشته: كنا بنقول إيه؟
لم أجبه.. ولم ينتبه انى لم أجبه.. وكأنه لم يطرح سؤالًا من الأساس..
وعاد الصمت..
وقد بقي في هدوء الليل
سؤال معلق من رجل شارد..
وطلب غير مهم من امرأة محرومة حدَّ التسول.
الموضوع الأصلي :
جــعــلــتني متــســـولــة الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|