جلس في الجهة المقابلة لها ،يختلس النظرات من حين لأخر .
(( يا إلهي تشبهها كثيرا ،وكأنها هي ،وهيهات أن تكون هي ،إنها شابة في العشرينات، أما هي فقد تعدت الأربعين)).
رجع بذكرياته إلى الوراء،حيث كان لا يعرف من الحب الا الهمسات والآهات ،ونظرة في عينيها تساوي الدنيا وما فيها.
فاجأته متسائلة : ((كم الساعة الآن ؟))
لم يرد عليها ،فالساعة الكبيرة على الحائط كفيلة بإجابتها،فرد عليها بجرأة وقحة :
((ماذا تريدين أيتها الجميلة؟)).
توردت خداها من الخجل وأجابته بدهشة : (( لا أعرف ،فكل ما أردته هو التحدث إليك)).
نهض من مكانه ممسكا بيديها ،وكأنه يعرفها من سنين واتجه بها إلى مقهى المطار.
بدأ
الحديث : (( اسمي شادي ،شيبتي تدل على أني تجاوزت الخمسين من العمر ،مهنتي
طبيب أمراض نساء،أعرف نساءا كثيرات ولا أفكر أبدا في الارتباط .))
ردت منى متحسرة : (( ومن يفكر في الارتباط ؟لم يعد في العمر بقية ،فلا عليك .))
أحس
بغموض في ردها ،ولكنه لا يريد الاستفسار،فهو لا ينوي الا قضاء وقت ممتع مع
فتاة يانعة،يحس معها بروعة الشباب ويا ليت الشباب يعود يوما.فهو ليس شابا
كما يتهيأ له.نهض باكرا يتحسس هاتفه النقال مسائلا نفسه :
(( لماذا لا تجيب؟))، بحث عن سبب الضيق ولم يعرف الى أن قال لنفسه :
((ماذا؟ هل أغرمت بها؟ لا لا ،غير ممكن فهذا مستحيل.)).رجع مرة أخرى
بذكرياته الى الوراء .تذكر الحبيبة السابقة ،وكيف لم تسامحه، وتركته يتجرع
لوعة الفراق .وكيف تسامحه وهي تعرف كل أفعاله الفاسدة،فطبيبنا هذا لا يؤمن
الا بحكمة " الغاية تبرر الوسيلة " ولايعرف شرفا لمهنته المقدسة .ويمكن أن
نقول أن جميع أخطاء الدنيا اقترفها ،قال : (( نعم ،أنا مذنب )).أقفل الباب
وخرج مسرعا كمن يهرب من ذاته ،تردد كثيرا وهو يطرق بابها حتى فتحت عجوز
،وحينها لمحته فقالت : (( هذا أنت ، كم الدنيا صغيرة .)) أماهو فأصيب
بصعقة كمن لدغه ثعبان وسألها ((أين منى؟))
ردت عليه : (( يا إالهي ،التاريخ يعيد نفسه ،ماذا تريد منها ؟ألا يكفيك ما فعلته بأمها .))
فرد: ((لن أفارقها أبدا مهما يكن، لن أعيش غدا أخر )).
فردت عليه : ((منى في المستشفى .))
في المستشفى
حين رأته قالت له : (( لقد قلت لك لا عليك ،فليس في العمر بقية .)) قبلها في جبينها ورد : ((حبيبتي ،سأفعل ما بوسعي ،لن أتركك أبدا .ستجرين العملية ،وستعيشين))
تردد
كثيرا ،ولكن لا بد من إجراء العملية حتى وإن كانت نسبة نجاحها 0 بالمئة
،فالورم الذي تعاني منه كبير ،واسئصاله من الرحم ،صعب جدا .دخل مصمما على
إجرائها ،وقاطعا حبل تردده ،فهو لا يعرف للإخفا ق معنى .
ابتسامة
عريضة في فمه وكأنه ولد من جديد : "حبيبتي ،ها أنت بخير ،وها أنا أيضا
،ولدت من جديد.سأسعدك لأخر أيام حياتك،ولن ترى عيناك قبحا مني أبدا )).
فتحت عيناها الواسعتان ،وردت بابتسامة هي أيضا ،كانت أخر عهدها بالحياة .ماتت منى
. أما شادي فأقسم ألا يكون زير نساء.
الموضوع الأصلي :
اعترافات طبيب مستهتر بقلم زهرة الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|