أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـات بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا .
الفصل الثالث شهر ربيع الأول * بدعة الاحتفال بالمولد النبوي : ويشمل على ستة مباحث : المبحث الأول : أول من أحدث هذه البدعة . المبحث الثاني : حالة المجتمع في ذلك العصر . المبحث الثالث : بعض الشبه التي عرضت للقائلين بهذه البدعة والجواب عنها . المبحث الرابع : طريقة إحياء المولد . المبحث الخامس : حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم . المبحث السادس : موقف أهل السنة من هذه البدعة .
المبحث الرابع طريقة إحياء المولد (2)
وقال ابن كثير في ترجمة المظفر كوكبوري : (قال السبط : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد ، كان يمد ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلوى ، قال : وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم،ويطلق لهم، ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم، وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار ، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة ، فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار )561 ا.هـ . وقال السندوبي في وصف الاحتفال بالمولد النبوي في القاهرة562 سنة 1250هـ- في هذا العهد كان العالم الإنجليزي (ادوارد وليم لين ) يزور القاهرة فشاهد الاحتفال بالمولد النبوي -، فوصفه وصفاً شيقاً ...... (( قال- وليم لين- (( في أول ربيع الأول والشهر الثالث من شهور السنة الهجرية ، يبدأ الاستعداد للاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكبر ساحات هذا الاحتفال شأناً : الجزء الجنوبي الغربي المعروف ببركة الأزبكية ، وفي هذه الساحة أقيمت صيوانات563 كثيرة للدراويش564، وفيها يجتمعون كل ليلة للقيام بحلقات الذكر ما دام الاحتفال بالمولد ، وبين هذه الصيوانات ينصب صاري565 يثبت بالحبال ويعلق فيه من القناديل اثنا عشر أو أكثر ، وحول هذا الصاري تقوم حلقة الذكر ، وهي تتكون عادة من نحو خمسين أو ستين درويشاً . وفي اليوم الثاني من الشهر ينتهون من إقامة معالم الاحتفال ومعداته – في العادة – ثم يشرعون في اليوم التالي في مظاهر الاحتفال ليلاً ونهاراً إلى الليلة الثانية عشرة من الشهر ، وهي ليلة المولد الكبرى .... ففي النهار يتسلى الناس في الساحة الكبرى بالاستماع إلى الشعراء ، والتفرج على الحواة566 ونحوه . أما الغواني فقد أكرهتهن الحكومة من عهد قريب على التوبة وترك مهنتهن من رقص ونحوه ، فلا أثر لهن في احتفال هذه السنة ، وكن في الموالد السابقة من أكثر العالمين في الاحتفال اجتذاباً للمتفرجين !!!..... أما في الليل فتضاء الشوارع المحيطة بساحة المولد، بقناديل كثيرة، تعلق غالباً في فوانيس من الخشب، ومن دكاكين المأكولات ، ونصبات الحلوى ما يبيت مفتوحاً طوال الليل ، وكذلك القهاري التي قد يكون في بعضها ، وفي غيرها من الأماكن : شعراء ومحدثون ، ينصت إليهم كل من أراد من المارة . أما في الليلتين الأخيرتين فيكون المولد أكثر زحاماً وأسباب التفرج والمسليات أعظم منها في الليالي السابقة567 . ثم وصف المؤلف الإنجليزي – ادوارد وليم لين – مجلساً كاملاً من مجالس الذكر التي تعمل في الموالد وغيرها فقال : وفي ليلة المولد الكبرى ذهبت إلى الساحة الرئيسة ، فرأيت ذكراً قوامه ستين درويشاً ، حول صاري ، وكان ضوء كافياً لإنارة الساحة ، وكان الدرويش حول الصاري من طوائف مختلفة وكانوا يقولون : [يا الله] ثم يرفعون رؤوسهم ، ويصفقون جميعاً بأيديهم أمام وجوههم ، وكان داخل حلقة الذكر خلق كثير قد جلسوا على الأرض ، ولبث الذكيرة يذكرون على هذا النحو مقدار نصف ساعة، ثم انقسموا جماعات، كل جماعة من خمسة أو ستة، ولكنهم بقوا يكونون حلقة واسعة، ثم أمسك أفراد كل جماعة بعضهم ببعض كل منهم ، ما عدا الأول قد وضع ذراعه اليمنى على ظهر من يليه يساراً ، ويده على الكتف اليسرى – كتف من يليه – ثم اتجهوا إلى النظارة-المتفرجين-خارج الحلقة ، وأخذوا يذكرون (الله) بصوت أجش عميق ، وهم في هذه الحالة يتقدمون إلى الأمام خطوة ، ثم إلى الوراء خطوة ، مع تحرك كل منهم قليلاً إلى اليسار فكانت الحلقة كلها تدور ولكن ببطء شديد ، وكان كل منهم يمد يده اليمنى نحو النظارة خارج الحلقة مشيراً بالتحية ، وهؤلاء أو أغلبهم كانوا يردون السلام على الذكيرة ، وأحياناً كان بعضهم يقبل اليد الممتدة إليه إذا قابلت وجهه متى كانوا قريبين منهم.......، ومن الوائد المتبعة عندهم أن يسكت من في الصواوين من الذكيرة ، متى كان الذكر حول الصاري ))568 ا.هـ . وقال السندوبي – أيضاً – في كتابه (( تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي )) : (( ومن الليالي الغر التي لا أنساها ما حييت، ليلة الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1364هـ الموافق 24فبراير سنة 1945م569 والتي تُعدُّ بحق مثالاً لما يجب أن يكون عليه الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في كل عام : فقد شهدت في ساحة المولد570 معالم الزينة التي تأخذ بالألباب،ومظاهر الاحتفال التي بدت في شكل فخم، ونظام جليل هناك ،وفي هذا الميدان المترامي الأطراف ، أُقيم السرادق571 الملكي البديع ، وقد تجلَّى في زخارفه وماس572في أستاره ومطارفه573، وفرش بالطنافس574 الثمينة،وصفت في رحابه الأرائك575 المحلاة بالذهب،وانتثرت في جنباته النمارق576 الموصوفة، واسترسلت في ساحته الكلل577الحريرية، ورفعت على سواريه الأعلام الملكية، وعلقت في مداخله المصابيح الباهرة الأنوار ،وفي سماواته الثريات الآخذة بالأبصار ....، كما فُرشت أرض الميدان بالرمل الأصفر والأحمر ، ووقف على أبوابه رجال الحرس الملكي في ملابسهم المزركشة...ووفد على هذه السرادق وزراء الدولة، وشيخ الأزهر ،وطوائف العلماء!!، ووكلاء الوزارات، وكبار الموظفين، وكبراء الأمة، وأعيان الناس، من ذوي المراتب والألقاب، وجميع هؤلاء قد وقف في جلال ووقار، انتظاراً لتشريف حضرة الملك المعظم ، أو من ينتدب للإنابة عنه في حضور الاحتفال. وقبيل الظهر بساعة بينما هذا الجمع الحاشد في الانتظار .... وصل الركب الملكي الفخم ، وقد أقبل جلالته بوجهه المشرق على هذه الجموع ، مشيراً بيده الكريمة إشارة التحية والسلام ، واستقبله بعد ذلك كبار الشخصيات الموجودة في السرادق.....، وعندما وصلت المركبة الملكية قبالة السرادق الملكي العظيم، سمعت طلقات المدافع تدوي تحية الملك ، وتعالت أصوات قوات الجيش هاتفة بحياته ، ثم أخذت الموسيقى تصدح بأنغامها الشجية بالسلام الملكي ...... ، وبعد الانتهاء من عرض الجيش تقدمت بين يدي الملك مشايخ الطرق الصوفية برجالها ومريديها ،حاملين لأعلامهم وشاراتهم ،وكل شيخ يمر بين يديه يقف هنيهة لقراءة الفاتحة ، وتلاوة بعض الأدعية المأثورة بطريقتهم المعروفة في القراءة والدعاء ،ثم يهتفون جميعاً بحياة الفاروق ثلاثاً. ولما انتهى مرور أصحاب الطرق ، عاد الملك إلى السرادق الملكي ، حيث قدمت صنوف الحلوى ، وأنواع المرطبات ، فتناول منها جميع الحاضرين وبعد فترة قصيرة بارح جلالته السرادق الملكي قاصداً تشريف سرادق السادة البكرية578، وما إن أشرف عليه حتى نهض شيخ مشايخ الطرق الصوفية579 ، وحوله جماعة من كبار المشايخ لاستقبال جلالته بما يليق بمقامه الكريم ، ثم ألقيت قصة المولد الشريف ، وما إن وصل القارئ إلى ذكر مولده صلى الله عليه وسلم حتى نهض الملك واقفاً إجلالاً وإعظاماً لهذه الذكرى الكريمة وبوقوفه وقف الجمع الحاشد في كمال الخشوع والإكرام ، وعند الانتهاء من إلقاء القصة والدعاء للملك ، بدأ القرَّاء في تلاوة ما يتيسر من القرآن الكريم ، بترتيل حسن ، وتنغيم مطرب جميل!!! وجميع القراء من مشهوري المجودين، ومذكوري الملحنين !!، وأصحاب الأصوات الشجية ، والأنغام العذبة الندية ، ثم تقدم الخدم والفراشون بصواني الحلوى ، وأكواب المرطبات إلى بين يدي الملك ليتناول منها ما يشاء ، كما أديرت بعد ذلك على سائر الحاضرين فتناول كل أحد منهم ما لذَّ وطاب ،وفي أثناء إلقاء القصة الشريفة لم تنقطع المدافع عن دويها المطلق بنظام محكم ، وترتيب بديع ، كما أخذ المذيع بالراديو في ترديد القصة من أبواقه لإسماع الجمهور ، وبعد ذلك نهض الملك وقرأ الفاتحة ، وشاركه في قراءتها جميع الحاضرين))580 ا.هـ . وقال السندوبي – أيضاً – في معرض كلامه عن المولد سنة 1366هـ : ((وفي صبيحة يوم اثنا عشر من ربيع الأول عطلت أعمال الحكومة في وزاراتها ودواوينها ومصالحها، كما عطلت الأعمال في الدوائر المالية والتجارية احتفالاً بذكرى المولد النبوي الشريف على جاري العادة ))581 ا.هـ. فما تقدم من النصوص التي وصفت طريقه إحياء المولد النبوي في عصور مختلفة ، يؤكد لنا أن هذه الاحتفالات ليست إلا تلبية لشهوات ورغبات النفوس المريضة من الناس، ومراسم هذه الاحتفالات من الأكل والشرب وإنشاد القصائد،واختلاط النساء بالرجال، وأعمال اللهو وما يؤول على القائمين على هذه الاحتفالات من الأموال، والعطايا والهدايا، خير شاهد على ما ذكرت. فليس القصد كما يدعُون تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والفرح بذكرى مولده ، وإحياء ذكره ، وإثبات محبتهم له صلى الله عليه وسلم بتلك الاحتفالات المبتدعة . وكون هذه الاحتفالات أمر محدث مبتدع فهذا كاف في ذمِّها ، والتحذير منها، لاسيما وأن من ابتدعها إنما ابتدعها بسوء نية، كما تقدم بيان ذلك582. وربَّما شذَّ عن هذه القاعدة أناس فعلوا ذلك عن حسن نية ولكن حسن النية لا يبيح الابتداع في الدين ، فمن قبلنا من الملل كانوا يبتدعون قي دينهم أموراً بقصد التعظيم وحسن النية ،حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم ، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا ،وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبراً وذراعاً بذراع ،لضاع أصل ديننا ، لاسيما وأن هذه الاحتفالات لا تخلو من الشرك الأكبر وهو التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به ، ودعاؤه ، واللجوء إليه ، ومن المعلوم أن الشرك الأكبر مُخْرِجٌ من الملة . ولكن الله تكفل بحفظ هذا الدين ، وجعل السلف الصالح من تبع نهجهم وآثارهم سبب هذا الدين . ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقة والصادقة هي طاعته فيما أمر ، وترك ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ، وتعظيمه يكون بالصلاة عليه ، والالتزام بسنته ، والعمل بها ، والذبِّ عنها ، كما سنوضح ذلك في المبحث التالي – إن شاء الله – والله أعلم .
561 - يراجع : البداية والنهاية (13/131) ، والحاوي للسيوطي (1/189، 190) . 562 - هي المدينة الكبيرة التي أحدثها جوهر الصقلي غلام المعز – الخليفة العبيدي – وذلك فور دخوله مصر سنة 358هـ ، وقد فصل ابن تغزي بردي الكلام عنها في بنائها وصفتها وحاراتها وأسواقها فليراجع في كتابه (( النجوم الزاهرة )) (4/34- 54) . وكذلك المقريزي في الخطط والآثار (1/359-380) . وهي الآن عاصمة مصر . ويزيد سكانها عن ثمانية ملايين نسمة . تقع على نهر النيل . 563 - لم أعثر معنى لهذه الكلمة في المعاجم اللغوية المشهورة ، ولعلها من الدخيل . والذي يتبادر إلى الذهن – والله أعلم – أن الصيوانات جمع صيوان : والصيوان هو الخيمة الكبيرة من الصوف أو القماش ، والتي تستعمل عادة في المناسبات وتضرب عادة خارج المنازل . 564 - لم أعثر معنى لهذه الكلمة على معنى في الكتب التي اطلعت عليها . ولعل المراد بهم – والله أعلم – عوام الصوفية . 565 - صاري السفينة :الخشبة المتعرضة في وسطها . وهو دقل السفينة الذي ينصب في وسطها قائماً ، ويكون عليه الشراع . يراجع : لسان العرب (14/460) مادة (صرى) . 566 - الحواة : جمع حاوي ، وهو الذي يرقي الحيات ويجمعها ، والرجل يقوم بأعمال غريبة (مولد ) والجمع حواة . يراجع : المعجم الوسيط (1/209) مادة (حوى) . 567 - يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(174- 177) . 568 - يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(188- 189) . 569 -أي : في عهد الملك فاروق الأول – آخر ملوك مصر - . 570 - ذكر السندوبي أنها تقع بصحراء قايتباي – المعروف عند العامة بصحراء الخفير - . 571 - السرادق : ما أحاط بالبناء ، وقيل : كل ما أحاط بشيء نحو الشقة في المضرب ، أو الحائط المشتمل على الشيء ، وهو كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء . يراجع : لسان العرب (10/157) مادة (سردق) . والمراد به هنا – والله أعلم - : المخيم الكبير . 572 - ماس : الميس التبختر ، وماس يميس ميساناً : يراجع واختال . يراجع : لسان العرب (6/244) مادة (ميس) . 573 - المطارف : جمع مطرف ، وهي أردية من خز مربعة لها أعلام ، وقيل : المطرف من الثياب : ما جعل في طرفيه أعلام . يراجع : لسان العرب (9/220) مادة (طرف) . 574 - الطنافس : جمع طنفسة : وهي البساط الذي له خَمْلٌ رقيق . يراجع : لسان العرب (6/127) مادة (طنفس) . 575 - الأرائك : جمع أريكة : وهي سرير منجد في قبة أو بيت . وقيل : كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة . يراجع : لسان العرب (10/389، 390) مادة (أرك) . 576 - النمارق : هي الوسائد ، ومنها ما يفرش تحت الراكب على الراحلة . يراجع : لسان العرب (10/361) مادة (نمرق) . 577 - الكلل : جمع كلة ، وهي الستر الرقيق يضرب على القبور ، وقيل : هي ما خيط من الستور فصار كالبيت ، وقيل : هي ستر رقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البعوض . يراجع : لسان العرب (11/595) مادة (كلل) . 578 - وكان لبيت السادة البكرية في إحياء المولد النبوي الشأن العظيم والقدح المعلى ، والعناية الفائقة منذ دهر . قاله السندوبي في تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(190) . 579 - وهو في ذلك الوقت أحمد مراد البكري . يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(190) . 580 - يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(196- 200) . 581 - يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(212) . 582 - في المبحث الأول من الفصل الثالث في هذا الكتاب .