[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]السلام عليكم
نقل الأعضاء البشرية من الأموات إلى الأحياء
بين الشريعة الإسلامية و القانون الجزائري
بقلم /
الأستاذ طحطاح علال
الأستاذ رواب جمال
معهد العلوم القانونية و الإدارية
المركز الجامعي بخميس مليانة المركز الجامعي بخميس مليانة
[center]تمهيد
لقد واكب التطور العلمي المضطرد في مجالات عدة الكثير من التساؤلات ذات البعد الديني و القانوني و الأخلاقي على السواء .
و من بين الأمور ذات الأهمية البالغة التي أثارت مثل هذه الإشكالات
موضوع زرع الأعضاء البشرية سواء بين الأحياء أو من الميت إلى الحي ، فهذا
الموضوع لم يثر إشكالات على الصعيدين القانوني و الشرعي فحسب ،بل حتى على
الصعيد الطبي و العلمي .
ويعود جوهر الخلاف حول هذا الموضوع في أنه يستوجب الموازنة بين أمرين
يلاحظ أنهما على طرفي النقيض ، ولكن الحقيقة في انهما متكاملان و منسجمان .
حيث أن النقيض الأول يتعلق بحرمة و معصومية جسم الإنسان سواء كان حيا أم
ميتا ، أما النقيض الثاني فيما يحققه زرع و نقل الأعضاء من أمل و
استمرارية في الحياة للشخص المريض .
حيث أنه بالنسبة للنقيض الأول فقد أقرت الشرائع السماوية و التشريعات
المختلفة حق الإنسان في السلامة الجسدية ، و لا نتزيد في القول بأسبقية
الشريعة الإسلامية في صون كرامة و حرمة بدن الإنسان ، فقد أقرت شريعتنا
الغراء حرمة الميت بقدر حرمته حيا ، فحرمة جسد الإنسان مكفولة شرعا في
حياته و بعد موته ، ففي حياته فرض المولى عز و جل الحق لمن جرح أو تم
الإعتداء عليه جسديا بالقصاص مصداقا لقوله تعالى[1] : { وَكَتَبْنَا
عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ
وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ
وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .
أما عن حرمة جسد الميت و تكريمه فقد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في
أكثر من حديث عن تكريم الميت و من مظاهر ذلك أمره عليه الصلاة و السلام
بتغسيل الميت و دفنه ، فقد قال صلى الله عليه و سلم في المحرم الذي وقصته
ناقته "أغسلوه بماء و سدر و كفنوه "، كما نهى صلى الله عليه و سلم عن كسر
عظم الميت في قوله عليه الصلاة و السلام "إن كسر عظم الميت ككسره حيا " ،
و قد نهى عليه أفضل صلاة و أزكى تسليم نبش القبور بقوله صلى الله عليه و
سلم "لعن الله المختفي" أي نابش القبور ، و قد إعتبر النبي صلى الله عليه
و سلم أذى المؤمن في مماته كأذيته في حياته .
و على الصعيد القانوني ، فقد أقرت العديد من المواثيق و الإتفاقات
الدولية، الحرمة جسد الإنسان كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد من
قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 في نص المادة 03 و
المادة 05 منه و إتفاقية الأمم المتحدة لمنع إبادة الجنس البشري المعتمدة
في 09 ديسمبر 1948 ، و إتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 و العهد الدولي
للحقوق المدنيةو السياسية لعام 1966 و الإتفاقية الأروبية لحقوق الإنسان .
و حفاظا على حرمة جسد الإنسان ، نجد أن المشرع الجزائري قد جرم مختلف
الإعتداءات الواقعة على جسم الإنسان الحي ، كتجريم أفعال القتل حيث عاقب
عليها بموجب المادة 261 من قانون العقوبات الجزائري ، كما جرم كذلك أفعال
الضرب و الجرح العمدي و كل أعمال العنف في المادة 264 و ما يليها في قانون
العقوبات و كذلك المادة 442 و المادة 442 مكرر من قانون العقوبات .
إلى جانب ذبلك نجد أن المشرع الجزائري قد كفل كذلك حماية خاصة لجثة الميت
فجرم كل الأفعال التي من شأنها المساس بكرامة و حرمة الميت ، ةكتجريم
أفعال الهدم و التخريب و التدنيس للقبور بمقتضى المادة 150 من قانون
العقوبات ، كما جرم أي فعل يمس بالحرمة الواجبة للموتى و كذا تجريم أي
سلوك من شأنه المساس بالتشويه و التنكيل أو اي أعمال وحشية أخرى بجثة
الميت ، و ذلك بمقتضى نص المادة 153 من قانون العقوبات .
أما النقيض الثاني فقد أقرته الشرائع و المواثيق و القوانين أيضا ، فقد
جاء الدين الإسلامي لحفظ نفس الإنسان و جسده و تزويده بكل ما من شأنه
إحيائه ، بل إن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النفس .
فقد حرم الله قتل الإنسان و أمر بالذود عنه فقال عز من قائل في سورة
المائدة الآية 32 : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا
بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا
الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في
الأرض لمسرفون } .
كما جعل النبي صلى الله عليه و سلم تفريج الكرب عن المؤمنين سببا في نيل
مرضاة الله عز و جل حيث قال صلى الله عليه وسلم " من فرج على مؤمن كربة من
كرب الدنيا فرج الله عليه كربة من كرب الآخرة ".
و قد ساير القانون هذا المنحى و أقره في العديد من مبادئه و نصوصه .
من خلال هذا التناقض الظاهر إختلف أهل الشريعة و القانون حول جواز زرع الأعضاء من عدمه ، و من أقره ، و ضع لذلك ضوابط عدة .
و بحسب موضوع البحث ، سنحاول الإجابة على الإشكالية التالية :
ماهي الضوابط الشرعية و القانونية المقررة لزرع الأعضاء البشرية من شخص ميت إلى شخص حي ؟.
قبل الإجابة على هذه الإشكالية إرتأينا أنه من الضروري تحيد بعض المصطلحات
ذات الصلة و التي يقتضي منا موضوع البحث تحديد مضمونها ، و هي على النحو
التالي :
أولا : المقصود بالنقل أو الزرع :
1- النقل : و هو نقل العضو البشري ، و يتضمن ثلاث عمليات جراحية مرتبطة فيما بينها أسبابا و أهدافا و هي [2] :
- عملية إستئصال العضو السليم من المنقول منه .
- عملية إستئصال العضو التالف من المنقول إليه المريض .
- عملية زرع العضو السليم محل العضو التالف ، ويعني ذلك أن النقل يشمل
الاستئصال و الزرع في آن واحد ، و يقصد بالإستئصال ، فصل العضو السليم من
الشخص المأخوذ منه و كذلك فصل العضو التالف من الشخص المريض أو المستفيد .
2- الزرع : إدماج عضو جديد في جسم إنسان حي مساهمة في علاج ما تعانيه وظائفه الفسيولوجية من أوجه النقص [3] .
فنقل و زراعة الأعضاء البشرية هو القيام وفقا لضوابط معينة بنقل عضو من
إنسان سواء كان حيا أم ميتا بغرض زرعه في إنسان آخر حي دون نية المتاجرة
[4] .
بمعنى أوضح يُقصد به نقل عضو سليم أو مجموعة من الأنسجة من متبرع إلى مستقبل ليقوم مقام العضو أو النسيج التالف.
المتبرع: هو الشخص أو الحيوان الذي تؤخذ منه الأعضاء ، ويمكن أن يكون
المتبرع إنساناً وهو الغالب, أو حيواناً وهو أمر أصبح نادر الحدوث بسبب
عمليات الرفض القديمة . كذلك يمكن أن يكون المتبرع حياً وذلك بالنسبة
للأعضاء المزدوجة أو التي يمكن تعويضها مثل الدم ونخاع (نقي) العظام
والجلد ، أو ميتاً . وبما أن الأعضاء التي ستغرس ينبغي أن تكون في حالة
جيدة وليست تالفة ، لا بد أن تبقى هذه الأعضاء وهي تتلقى التروية الدموية
عبر الدورة الدموية للشخص الذي مات ، أي لا بد أن يكون هذا الشخص قد مات
نتيجة موت دماغه لا قلبه ، ويبقى القلب في هذه الحالات يضخ الدم بمساعدة
الأجهزة والعقاقير ، ويُشترط أن يبقى ضغط الدم في حدود (100 مم زئبق)
للضغط الانقباضي حتى تتم تروية الأعضاء تروية جيدة لحين عملية نقل هذا
العضو أو الأعضاء المتبرع بها.
المستقبل (المضيف): هو الجسم الذي يتلقى الغريسة (العضو) ويمكن أن يكون
إنساناً أو حيواناً..، وبالنسبة للإنسان لا بد من توافر عدة شروط في
الْمُسْتَقبِلْ من ناحية السِّنْ ونوعية المرض ومدى استفحاله..إلخ .
ثانيا : المقصود بالعضو :
و يسمى كذلك بالغريسة أو الرقعة و هو كل ما يشمل حيزا محددا داخل جسم
الإنسان سواء كان متصلا به أو منفصلا عنه ، وهي إما أن تكون عضواً كاملاً
مثل الكلية والكبد والقلب ، أو تكون جزءًا من عضو كالقرنية (وهي الجزء
الشفاف الخارجي من العين) ، أو تكون نسيجاً ، أو خلايا كما هو الحال في
نقل الدم ونقي العظام و غرس جزر لانجرهانس من البنكرياس . وتصنف الغرائس
تصنيفات عدة ، وأول هذه التصانيف هي حسب طبيعة ترويتها الدموية ، فهناك
غرائس ذات تروية دموية مباشرة مثل القلب والكبد والكلية ، وهناك غرائس لا
تحتاج إلى أوعية دموية ترتبط مباشرة مثل غرس طبقة من الجلد ، وهناك غرائس
لا تحتاج مطلقاً إلى أوعية دموية مثل القرنية التي تصاب بالتلف إذا
تخللتها الأوعية الدموية . وثاني هذه التصانيف هو تصنيف الغريسة حسب
علاقتها بالجسم المستقبل.
1. موقف الفقه الإسلامي من مسألة نقل الأعضاء من الأموات إلى الإحياء
لم يجمع أهل العلم في الشريعة الإسلامية على جواز أو عدم جواز نقل و زرع
الأعضاء البشرية سواء من الأحياء إلى الأحياء أو من الأموات إلى الأحياء ،
فتفرقوا في ذلك بين مؤيد و معارض .
و عليه سنحاول أن نستعرض بداية موقف الأصحاب راي المانع لنقل و زرع
الأعضاء البشرية ، بعده نتطرق لأصحاب الرأي الموافق للمسألة و كل له حججه
و أدلته في ذلك.
1.1.الداعون إلى تحريم زراعة و نقل الأعضاء مطلقاً
سنستعرض بداية للمانعين و بعض أأقوالهم في ذلك ، ثم نتعرض لمجمل الأدلة التي استندوا عليها في التحريم و المنع .
1.1.1. أصحاب الإتجاه المعارض :
لم يبح أهل المذاهب الفقهية الأربعة المعروفة جواز نقل الأعضاء البشرية و
أيدهم في ذلك جانب من الفقه المعاصر و لكل حججه و أدلته الشرعية التي
إستند عليها في المنع .
أولا : في الفقه القديم :
لقد ثبت عن المذاهب الأربعة الفقهية المعروفة في الإسلام تحريمهم لنقل
الأعضاء البشرية ، فقد جاء عن الإمام الشيباني من الحنفية قوله " و لا بأس
بالتداوي بالعظم إذا كان عظم شاة أو بقرة أو بعير أو فرس أو غيره من
الدواب ، إلا عظم الخنزير و الآدمي فإنه يكره التداوي بها ، و يقول الإمام
الرملي من الشافعية " و يحرم قطعه البعض من نفسه لغيره و لو مضطرا . . .
كما يحرم أن يقطع من غيره لنفسه من معصوم . . ." ، و يقول بن الحاج
المالكي عن المالكية " و الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي ذلك أن حرمته
كحرمة الحي حيال حياته " و يقول العلامة البهوتي من الحنابلة " لا يجوز
التداوي بشيء محرم ، أو بشيء فيه محرم و لا بشرب مسكر لقوله صلى الله عليه
و سلم "لا تتداوو الحرام " [5] .
ثانيا : في الفقه المعاصر :
ذهب الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى القول أن الإسلام يمنع تنازل المسلم عن
أي عضو من أعضائه بالبيع أو الهبة لا حال حياته و لا بعد مماته ، لأن في
هذه التصرفات من تصرفات الملكية التي لا يملكها الإنسان في جسمه لا كله و
لا بعضه ، لأن مالك الجسم كله هو المولى عز و جل .
و يقول الشيخ عبد الرحمان العدوي " إن كان الله تعالى قد أمر بعد قطع شيء
من البهيمة قبل أن تموت تماما و تبرد حركتها ، كما نهى النبي صلى الله
عليه و سلم من أن تتعجل موتها فتسلخ و يقطع شيء منها قبل أن تموت و تبرد ،
فأولى بذلك أن تخرج من التصرف في الإنسان الذي كرمه الله حيا و ميتا ،
فنحن منهيون من باب أولى عن نتعجل موته و بقر بطنه لتأخذ كليته أو قلبه أو
كبده قبل أن يموت و يبرد تماما ، و إذا مات و برد تماما فإن أعضائه لا
تصلح ، بلك يكون المولى عز و جل قد حماه من أن تقطع و تستخدم أعضائه "
و يقول الشيخ عبد السلام السكري " لقد حرمت المذاهب الفقهية ، إستخدام
أعضاء الإنسان في العلاجات الطبية ، و منهم من علل ذلك بالنجاسة بالموت ،
و منهم من علل ذلك بالكرامة الآدمية ، فكيف بعد هذا يسوغ لقاتل مسلم بجواز
إستخدام الأعضاء الآدمية في العمليات الجراحية ".
و يقول السنبهلي أن " التشريح " في الشريعة الإسلامية حرام ، و هو بهذه
الدلائل يظهر أن استعمال أعضاء الإنسان سواء كان حياً أو ميتاً ، بحيث
يُفصل العضو من البدن ويزرع في جسد إنسان آخر (أي الترقيع) غير جائز ، ولو
أذن له صاحب العضو ، لأن صاحبه لا يملكه والمالك هو الله ، كذلك يعلم أن
لا يجوز تشريح جثة الإنسان الميت لأن فيه هتكاً لحرمته ، والله أعلم .
كما يسير في ذات السياق الكاتب الإسلامي أبو الأعلى المودودي ، فيقول: "
إن التبرع بالعين لن يقف عند مجرد التبرع بالعين، بل يمكن أن تثبت أعضاء
الإنسان الأخرى مجدية لغيره من الإنسان ، وتظهر لها استخدامات ومنافع أخرى
، فإذا فتح هذا الباب فإن المسلم توزع أعضاء جسده كلياً كتبرع ولا يبقى
منه شيء يدفن في القبر . إن الإسلام يرى أن الإنسان لا يملك جسمه ، فلا
يحق أن يوصي بتقسيم جسمه أو التبرع به..إلخ " ، ويتابع صاحب الكتاب فيقول
: " وعلاوة على ذلك فإن استخدام عضو من أعضاء الإنسان الميت في جسم إنسان
آخر يستلزم استخدام شيء نجس بصورة دائمة ، لأن العضو المقطوع ميت ونجس
بموجب الحديث النبوي الشريف " ما أُبين عن الحي فهو ميت " رواه الإمام
أحمد والترمذي وأبو داود ، فتنشأ بذلك مسائل صحة الصلاة وعدم صحتها" .
أما الشيخ السقاف في ردَّ له في كتابه على كلام الشيخ مصطفى الزرقا وغيره
ممن يجيزون هذه المسائل ، مستدلا بآيات وأحاديث نبوية شريفة أهمها قوله
تعالى : { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} وحديث "لعن الله الواشمات
والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى" . وجاء
بكلام للإمام النووي في تحريم الوصل ولعن الواصلة والمستوصلة مطلقاً ،
وكذلك كلاماً للإمام القرطبي ينقله عن أبي جعفر الطبري بعدم تفليج الأسنان
أو وشرها أو إزالة سن زائدة ، وكلاماً للقاضي عياض في عدم جواز قطع أو نزع
إصبع زائدة إلا أن تكون هذه الزوائد تؤلمه، ثم أورد أحاديث الرسول صلى
الله عليه و سلم في تحريم الانتحار "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار
جهنم ، ومن تحسى سماً فقتل نفسه.." وقول صلى الله عليه و سلم "كل سُلامي
من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس" .
2.1.1. أدلة الإتجاه المعارض لمسألة نقل و زرع الأعضاء:
لقد استدل الإتجاه المعارض لمسألة نقل و زرع الأعضاء على رأيهم بمجموعة من
الأدلة من الكتاب والسنة والعقل والقواعد الفقهية ، نذكر من بينها على
سبيل المثال ، ما يلي :
1- قوله تعالى [6] : {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}،
مع قوله تعالى أيضًا [7] : {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، قال المانعون: فإن الله تعالى قد نـهانا في هاتين
الآيتين أن نلقي بأنفسنا في مواطن التهلكة، ونـهى أن يقتل الإنسان نفسه أو
أن يقتل غيره. وإقدام الشخص على التبرع بجزء من جسده هو في الواقع سعي
لإهلاك نفسه في سبيل إحياء غيره، وذلك ليس مطلوبًا منه، ولفظ التهلكة في
الآية لفظ عام يشمل كل ما يؤدي إليها، وقطع العضو من نفسه الموجب لإزالة
منفعته فرد من أفراد ما يؤدي إلى الهلاك، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص
السبب على حد ما ذكره علماء الأصول، والنهي في الآية الثانية عام، فهو
يتناول جميع الأسباب التي تؤدي إلى المنهي عنه، وهو قتل النفس، ومن هذه
الأسباب المنهي عنها أن يبرم شخص اتفاقًا مع آخر ليتبرع الأول بجزء من
جسده للآخر.
2- استدلوا أيضًا بأن الشيطان قد قال كما حكاه عنه القرآن الكريم [8]
:{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}، فتشمل هذه الآية نقل
الأعضاء؛ لأنه داخل في عموم تغيير خلق الله، كنقل عين أو كلوة أو قلب من
شخص لآخر، وتشمل أيضًا خصاء العبيد الذي كان يفعله الخلفاء بعبيدهم
ليدخلوا على نسائهم. كل هذا تغيير لخلق الله تشمله الآية الكريمة.
3- استدلوا كذلك بقوله تعالى [9] : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلا}، ووجه الدلالة: أن الآية الكريمة دلت على تكريم الله للآدمي
وهذا التكريم شامل لحال حياته وما بعد مماته، وانتزاع العضو منه مخالف
لذلك التكريم سواء في حال الحياة أو بعد الموت.
4- ما روي عن جابر رضي الله عنه أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو الدوسي، وهاجر معه رجل من قومه
فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بـها براجمه فشخبت يداه حتى
مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مُغطيًا يديه
فقال له ما صنع بك ربك؟ فقال غفر لي بـهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم،
فقال ما لي أراك مُغطيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت.
فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "اللهم وليديه فاغفر"، فهذا الحديث قد أفاد أنه من تصرف في عضو
منه بتبرع أو غيره، فإنه يُبعث يوم القيامة ناقصًا منه ذلك العضو عقوبة
له؛ لأن قوله: "لن نصلح منك ما أفسدت" لا يتعلق بقتل النفس وإنما يتعلق
بجرح براجمه وتقطيعهما، وكذلك من تبرع بعين بعث أعور، ومن تبرع بقلب أو
كلوة فلا يرد له ذلك العضو.
5- واستدلوا أيضًا بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: جاءت
امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة
عُرَيِّسًا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله؟ فقال [10] : "لعن الله
الواصلة والمستوصلة" ، ووجه الدلالة: أن الحديث دل على حرمة انتفاع المرأة
بشعر غيرها وهو جزء من ذلك الغير فيعتبر أصلا في المنع من الانتفاع بأجزاء
الآدمي ولو كان ذلك الانتفاع غير ضار بالمأخوذ منه.
يقول السيد عبد الله بن الصديق الغماري: «شكت المرأة إلى النبي صلى الله
عليه وسلم مرض بنتها، وطلبت منه أن يأذن لها في ذلك، فدل على شيئين:
- أن العلاج بنقل عضو، لا يجوز بل وفاعله يلعن.
- أن من أصيب بداء فقد بسببه شعرًا أو عضو لا يجوز له أن يكمله من شخص آخر.
وعلة ذلك: أنه تغيير لخلق الله، وتدليس، وفيه مثلة وهي محرمة، وتصرف الإنسان فيما لا يملك، ومناف لكرامة الآدمي" .
6- ما روي من أحاديث النهي عن المثلة، ومنها حديث بريدة رضي الله عنه قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية
أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: اغزوا باسم
الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا
تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا... الحديث"، ووجه الدلالة: أن الحديث دلَّ على
حرمة التمثيل، وأن التمثيل لا يختص تحريـمه بالحيوان، وبتغيير خلقة
الإنسان على وجه العبث والانتقام، بل هو شامل لقطع أي جزء أو عضو من
الآدمي أو الحيوان أو جرحه حيًّا أو ميتًا لغير مرض .
7- واستدلوا أيضًا بما روي من احترام الإسلام للميت، فعن أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كسر عظم الميت
ككسره حي"، ورواه الدارقطني بزيادة "في الإثم" ، ووجه الدلالة: أفاد
الحديث أن الحي يحرم كسر عظمه أو قطع أي جزء منه، وكذا الميت لأي سبب إلا
الحي لسبب إذن الشارع فيه .
وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لأن يجلس
أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" ،
يقول السيد عبد الله الغماري: "هذا غاية ما يكون في احترام الميت، ومنع أي
عمل يؤذيه أو يهين كرامته، فكيف يتجرأ بعض المفتين على تجويز انتزاع جزء
منه بدون دليل؟!.
8- واستدلوا أيضًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار"، ووجه الدلالة: أن قطع العضو من شخص
للتبرع به لآخر فيه إضرار من الناحية الشرعية والجسدية بالشخص المقطوع
منه، أما من الناحية الشرعية فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم
وأموالكم عليكم حرام"، وأما من الناحية الجسدية فلا شك أنه فيه تنقيص
للخلقة السوية الأصلية. وفي ذلك إضرار وأي إضرار، فيكون داخلا في عموم
النهي، ويحرم فعله .
9- واستدلوا أيضًا بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لرجل: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك،
فإن فضل شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا …" ، ووجه
الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع أساس الترتيب في القسمة
فأرشد إلى أن يبدأ بنفسه، ثم زوجته وأولاده، ثم ذي القرابة، فلا يجب أن
يؤثر أحدًا على نفسه.
10- واستدلوا بأن أعضاء الإنسان ليست ملكًا له، بل هي ملك لله، خلقها الله
تعالى له؛ لينتفع بها، فلا يملك التصرف فيها بـهبة أو بيع أو تبرع، ويشترط
لصحة التصرف في الشيء أن يكون الإنسان مالكًا له أو مفوضًا في ذلك من قبل
مالكه الحقيقي.
لذلك حرم الله تعالى الانتحار، وتوعد المنتحر بالخلود في النار؛ لأنه عمد
إلى شيء مملوك لله وغير مملوك له فتصرف فيه بما حرمه الله، فكان متعديًا
ظالمًا.
11- واستدلوا أيضًا بقاعدة أن ما جاز بيعه جازت هبته، وما لا فلا ؛
فالمجوزين لنقل الأعضاء يوافقون على أن الأعضاء الآدمية لا يجوز بيعها،
وقد دلت القاعدة على أن ما لا يجوز بيعه لا يجوز هبته، إذًا فلا يجوز
التبرع بالأعضاء الآدمية لا من حي لمثله في حال الحياة ولا بعد الممات .
2.1. الإتجاه المؤيد
1.2.1. الفتاوى المؤيدة لنقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء
رغم أن زرع و نقل الأعضاء يعتبر من المواضيع المستحدثة والمستجدة في القرن
العشرين إلا أن بدايات هذا الموضوع قد تمت منذ عصور قديمة .
ولعل أول ذكر لمسألة زرع الأعضاء في التاريخ الإسلامي هو ما حدث لقتادة بن
النعمان رضي الله عنه الذي فقد عينه في معركة أحد ، وفي رواية في معركة
بدر ثم أعادها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً.
وتحدث الفقهاء منذ أزمنة طويلة عن وصل العظام بعظم إنسان ميت أو عظم حيوان
، ومثال ذلك ما ذكره الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ
المنهاج من أن وصل العظم الذي انكسر بعظم آدمي محترم أو غير محترم ، جائز
شرعاً متى قال ذلك أهل الخبرة. وكذلك جواز وصل العظم بعظم حيوان طاهر متى
ما قرر ذلك أهل الخبرة أو أن عظم الآدمي غير متوفر [11] .
لقد ظهرت كتابات وفتاوى متعددة في موضوع نقل الأعضاء وكلها قد أباحته ، وكان لبعض هؤلاء بعض الشروط التي سنذكرها في حينها.
ونذكر من هذه الفتاوى على سبيل المثال فقط ما يلي :
- فتوى فضيلة الشيخ محمد خاطر في 3 فبراير 1973، بإباحة سلخ جلد الميت
لعلاج حروق الأحياء بفتوى رقم 1069 واشترط في الإباحة الاقتصار على الموتى
الذين لا أهل لهم، أو الموتى الذين أوصوا بذلك في حياتهم ، أو الموتى
الذين أذن أهلهم بذلك.
- فتوى فضيلة الشيخ حسن مأمون في إباحة نقل عيون الموتى إلى الأحياء، وأن
ذلك جائز بإذن الموتى الذين لهم أهل أو الميت الذي أوصى بذلك، أو الميت
الذي لا أهل له أي بدون إذن.
- فتوى الشيخ أحمد هريدي في 23 أكتوبر 1966 برقم 993 بجواز سلخ قرنية
العين من ميت وتركيبها لحي، وذلك من الميت الذي لا أهل له، أو الميت الذي
أذن أهله بذلك، أو الميت الذي أوصى بذلك قبل وفاته.
- فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في 5 ديسمبر 1979 برقم 1323 بإباحة
نقل الأعضاء من إنسان إلى آخرسواء من حي أو ميت، وقد أباح نقل الأعضاء
بشروط تشبه الشروط السابقة المذكورة أعلاه الميت الذي لا أهل له. أو الذي
أذن أهله بذلك وأما المتبرع الحي فتبرعه مقيد بأن لا يتبرع بعضو ينتج عنه
هلاكه.
- فتاوى مقدمة لقسم الطب الإسلامي مركز الملك فهد للبحوث الطبية ـ جامعة
الملك عبد العزيز بجدة ـ والأبحاث مقدمة من الشيخ السيد أحمد الشاطري
والسيد عمر حامد الجيلاني والدكتور محمد عبد الجواد محمد. وجميعها أباحت
نقل الأعضاء واعتبرته عملاً نبيلاً لإنقاذ حياة الكثيرين.
- الفتوى الصادرة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت برقم
132/ 79 بتاريخ 24 ديسمبر 1979 م . وقد أجازت اللجنة نقل الأعضاء سواء من
الميت أو من الحي، على أنه إذا كان المنقول ميتاً جاز النقل سواء أوصى أم
لم يوص. إذ إن الضرورة في إنقاذ الحي تبيح المحظور ويقدم الموصي له في ذلك
عن غيره، كما يقدم الآخذ من جثة من أوصى أو سمحت أسرته بذلك عن غيره. أما
إذا كان المنقول منه حياً، فإذا كان الجزء المنقول يفضي إلى موته كالقلب
والرئتين أو فيه تعطيل له عن واجب كاليدين والرجلين معاً، فإن النقل يكون
حراماً مطلقاً سواء أذن أم لم يأذن، أما نقل إحدى الكليتين أو العينين أو
إحدى الأسنان أو بعض الدم فهو جائز بشروط الحصول على إذن المنقول منه.
- فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بقرار رقم 99 في 6
نوفمبر 1982 والقاضي بإباحة نقل الأعضاء من المتبرع الحي أو من الميت.
2.2.1.القيود و الضوابط الشرعية اللازمة لزرع و نقل الأعضاء
و هي قيود وشروط التي لا تجوز الأحكام التي تقدمت في سياق تبيان بعض
الفتاوى الشرعية المساقة بشأن زرع و نقل الأعضاء البشرية إلا معها , فإذا
أختل شرط منها ينتفي الجواز ويرجع حكم التحريم :
أولا : شروط و ضوابط جوهرية
1- وفاة الشخص الذي ينقل منه العضو :
يجب التأكد من موت من يُراد نقل عينه أو قلبه أو كليته أو تشريحه ، لأنه
كثيراً ما يحكم الأطباء بموت إنسان وتمتد إليه الأيدي بالتشريح أو بغيره
ثم يظهر بعد ذلك أنه حي فينتعش ويقوم حياً ، ويذهب حكم الأطباء بموته
أدراج الرياح . فربما تجرؤا على الحكم بموت إنسان من غير تأكد ونقلوا عينه
أو عضواً آخر منه قبل أن يموت وهذا فيه إيذاء له فلا يجوز الإقدام عليه
إلا بعد التأكد بأقصى أنواع الوسائل الطبية والعلمية وظهور العلامات
والقرائن الدالة على موته ، وعند ذلك يُحكم بموته . و الموت في اللغة هو
السكون ، و هو أيضا ما لا روح فيه و الموت و الحياة نقيضان [12] .
أما في المفهوم الإسلامي فإن الموت هو انتقال الروح من الجسد إلى ما أعد لها من نعيم أو عذاب [13] .
الملاحظ في هذا السياق أن علماء الطب و شراح القانون و فقهاء الشريعة
الإسلامية اختلفوا فيما بينهم في تحديد معيار الوفاة ، حيث صنف جانب من
الفقه معايير الوفاة وفقا لذلك الاختلاف إلى أربعة معايير [14] :
أ- معيار الموت الظاهري : و هناك من يسمي هذا المعيار بالمعيار التقليدي للوفاة ، و هناك من يسميه بالموت الإكلينيكي .
و يقصد بالموت الظاهري " توقف العمليات الحيوية لدى جسم الإنسان و
المرتكزة في القلب و التنفس" ، و عليه فهذا الموت يتحقق بمجرد تحقق الطبيب
من توقف القلب و الرئتين لأن هذا يؤدي إلى توقف المخ بطريقة تلقائية في
خلال بضع دقائق .
و يهني هذا أن القول بتوقف القلب و الرئتين عن العمل لا يعني أن الإنسان
قد مات بالفعل ، و إنما يعني أنه في طريقه الحتمي إلى للموت خلال بضع
دقائق حيث سوف يتوقف المخ بطريقة تلقائية ، لذلك عرف البعض الموت الظاهري
بأنه " التوقف المؤقت للمقومات الأساسية للحياة من تنفس و نبض للقلب ،
فخفقان القلب لشخص لازال حيا لكنه يظهر بمظهر الميت "".
و مع ذلك فإن معيار الموت الظاهري لم يسلم من النقد ، على أساس أنه معيار
قديم كان يتماشى مع الحقبات الزمنية السابقة في ظل طب بدائي ، لكن مع تقدم
الطب تم إثبات أن توقف جهازي القلب و التنفس عن العمل لا يعني بالضرورة أن
صاحبها قد مات و ذلك لعدة اعتبارات و هي :
- أن الوفاة الحقيقية لا تحدث إلا بتوقف الأجهزة الثلاثة ، القلب ، المخ و الرئتين ، و هذا ما لا يحدث في لحظة واحدة .
- أثبت التطور العلمي – بتوفيق من المولى عز و جل - إمكانية إعادة التنفس
إلى العمل اصطناعيا باستخدام الرئة الحديدية و تنبيه القلب عن طريق نقل
الدم إليه باستخدام جهاز منظم القلب الكهربائي أو بحقنه بمنبهات القلب و
مقوياته سواء تحت الجلد أو في القلب نفسه ، و غير ذلك مما توصل إليه الطب
الحديث .
إمكانية إيقاف القلب و التنفس عن العمل لمدة ساعة أو أكثر و إعادة عملها
مرة أخرى بواسطة خفض درجة الحرارة للجسم إلى حولي 15 درجة ثم رفعها من
جديد .
- قد يحدث العكس ، فيظل القلب يعمل ، بينما يموت جذع المخ ، و هنا نكون
أمام معيار آخر للموت، و هو معيار الموت الدماغي ، رغم أن وظائف القلب و
الرئتين تستمر بطريقة اصطناعية .
و الظاهر أن هذا الموت – الموت الظاهري - لا يشكل الموت الحقيقي بل هو وقت
وسط بين الموت و الحياة فلا يصلح عند البعض أن يكون موتا حقيقيا [15] .
ب- الموت الدماغي : و هو المعيار الحديث للوفاة إلى جانب معايير أخرى
تعتبر حديثة أيضا ، و يقصد به توقف المخ عن العمل ، و كذلك توقف التنفس
بصورة طبيعية عن العمل ، و اختلف أنصار هذا المعيار في تحديد أي جزء من
المخ يتوقف ، فهناك من يرى تحقق الوفاة بتحقق موت جذع المخ الذي يوجد فيه
مراكز التنفس و المراكز الخاصة بالدورة الدموية ، و هناك من يشترط توقف
المخ كاملا و الذي يتسع ليشمل القشرة المخية بجانب جذع المخ .
و يؤيد هذا المعيار الغالبية العظمى لعلماء الطب ، كما يؤيد الإتجاه
الحديث للفقه الإسلامي ، فقد قرر المجلس الفقه الإسلامي في المؤتمر الثالث
المنعقد بالعاصمة الأردنية عمان في عام 1986 ، ان الوفاة تكون بتوافر إحدى
العلامتين التاليتين :
- إذا توقف القلب و تنفسه توقفا تاما و حكم الأطباء بان هذا التوقف لا رجعة فيه .
- إذا تعطلت جميع وظائف الدماغ تعطلا نهائيا (موت جذع المخ) و قرر الأطباء أن هذا التوقف لا رجعة فيه .
و قرر مجلس المجمع الفقهي في دورته العاشرة بمكة المكرمة في عام 1987 بأن
" المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع
وظائف دماغه تعطلا نهائيا ، و قررت لجنة من ثلاث أطباء أخصائيين خبراء ،
أن التعطل لا رجعة فيه ، و إن كان القلب و التنفس لازالا يعملان آليا بفعل
الأجهزة المركبة ، لكن لا يحكم بموته شرعا إلا إذا توقف القلب و التنفس
تماما بعد رفع هذه الأجهزة " .
غير أن هذا المعيار قد إنتقد من طرف بعض الفقهاء و علماء الطب ، حيث ثبت
-حسبهم- طبيا أن مخ الشخص الذي إعتبر ميتا موتا دماغيا ، و الذي مضى على
موته ثلاث ساعات ، غستمر في إرسال إشارات تدل على وجود حياة داخل الخلايا
العصبية للمخ ، و يمكن بإستخدام علاج معين إعادتها إلى سابق نشاطها .
و قد إعتبر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بتاريخ 25 جوان 1992 "
أن من يقوم بإنتزاع الأعضاء من أي جسد لم يزل قلبه ينبض و لم تزل فيه بقية
للحياة ، قاتل نفسا حرم الله قتلها إلا بالحق و يجب محاكمته جنائيا " .
و ذهب الكثير من المعارضون لهذا المعيار ، أن الموت الدماغي ليس هو الموت الحقيقي ، و إستندوا في ذلك على الحجج التالية :
- إن المصاب بموت جذع المخ يحتفظ بالوظائف الحيوية بالجسم حيث يعمل القلب
و يستمر عمل الكبد و الهضم و الإمتصاص و إفراز غدد الجسم و يحتفظ الجسم
بحرارته ، كما أن الجنين ينمو طبيعيا رغم توقف مخ الأم و تستمر الولادة
حتى موعدها .
- أثبت الواقع أن بعض الحالات التي حدثت فيها غيبوبة أو توقف المخ عن
العمل قد أفاقت من غيبوبتها بعد فترات مختلفة ، فكانت في بعض الأحيان
بالساعات و أحيانا أخرى بالأيام و الاسابيع و عاد المريض بعدها إلى الحياة
الطبيعية ممارسا نشاطه بشكل عادي و طبيعي جدا .
- الإختلاف في تشخيص ما يعرف بالموت الدماغي و لعل مرد ذلك هو عدم صلاحيته
بشكل قاطع لتحديد وفاة الشخص ، حيث أكد البعض على عدم صلاحية تطبيقه على
الأطفال الأقل من 05 سنوات نظرا لقدرتهم الكبيرة على إستعادة وظائف المخ .
بناء على ذلك خلص البعض إلى عدم صلاحية هذا المعيار -إلى حد ما- كمعيار
لتحديد الوفاة و إن كان أقوى بكثير من معيار الموت الظاهري ، فقد ثارت
حوله العديد من الشكوك ، فمن الناحية الشرعية ، يقول المولى عز وجل [16] :
{يبني اذهبوا و تحسسوا من يوسف و أخيه و لا تايئسوا من روح الله إنه لا
يايئس من روح الله إلا القوم الكفرين} ، فالله سبحانه و تعالى قادر على
شفاء خلقه من أي داء مهما كان جسيما ، كما أن هذا المعيار واقعيا غير مجدي
، إذ من غير المقبول شرعا و لا خلقا و لا قانونا أن نحكم على إنسان بالموت
لا يزال قلبه ينبض ، و كذلك هذا المعيار سيؤدي حتما إلى فتح الأبواب
للاتجار بأعضاء البشر[17] .
ج- الموت الجسدي :
يسميه البعض الموت الكلي ، و يقصد به توقف كافة الأجهزة الثلاثة الرسمية
للجسم عن العمل بصورة نهائية غير قابلة لإعادتها إلى الحركة من جديد فترة
من الزمن تكفي لحدوث تغيرات دمية في الجسم و تقدر هذه الفترة من 10 إلى 30
دقيقة .
فوفقا لهذا المعيار لا يكفي مجر د توقف القلب و الرئتين عن العمل كما ذهب
إليه أنصار الموت الظاهري ، كما لا يكفي توقف الدماغ عن العمل كما ذهب
إليه أنصار معيار الموت الدماغي .
بالتالي فلابد وفقا لهذا المعيار أن تتوقف الأجهزة الرئيسية الثلاثة أي
القلب ز الرئتين و المخ عن العمل بصورة غير قابلة للعلاج في فترة تتراوح
ما بين 140 إلى 30 دقيقة تكفي لتحقيق تغيرات دمية في الجسم تؤكد حدوث
الوفاة .
و قد أيد هذا المعيار الكثير من علماء الطب و الشريعة الإسلامية و فقهاء القانون .
فيما يخص علماء الشريعة فقد أخذوا بهذا المعيار قديما بشكل يشكل شبه إجماع و كذلك فعل جانب من الفقه الحديث .
فقد عرف العلامة أبو حامد الغزالي الموت بأنه " عبارة عن إستقصاء الأعضاء
كلها ، و كل الأعضاء آلات و الروح هي المستعملة ، و معنى الموت إنقطاع
تصرفات البدن بخروج الروح عن البدن " .
و رغم ذلك فقد إنتقد هذا المعيار لكن بصفة أقل مقارنة بالميارين السابقين
، فقد ذهب جانب من علماء الطب أن الموت الحقيقي لا يتم بتوقف الأجهزة
الرئيسية أو حتى موتها بل لابد من موت الخلايا و الأنسجة و كافة أعضاء
الجسم .
و قال البعض أن الموت الجسدي يفوت فرصة الإنتفاع بأعضاء الميت لذل وجب الأخذ بالموت الدماغي[18] .
د- الموت الخلوي :
و يطلق عليه الموت الجزئي ، و يقصد به الموت يتحقق بموت الخلايا في الجسم
، فهو يعني موت الخلايا و الأنسجة لأعضاء الجسم و التي تبدأ بعد التوقف
الكامل لأجهزة الجسم الحيوية ، و تختلف المدة التي يستغرقها موت خلايا من
عضو لآخر و بموت الخلايا كلية لا يكون هناك أدنى شك في حدوث الوفاة
الحقيقية اليقينية ، و يستند أيضا أنصار هذا المعيار لفي كون الطب الحديث
أثبت بقاء الحياة الخلوية فترة من الوقت في جسم الإنسان بعد موته جسديا .
و قد إنتقد هذا المعيار على أساس أن الحياة تنتهي بصفة قاطعة بمجرد موت
الأجهزة الرئيسية في الجسم و ظهور علامات دمية على الجثة التي تلي مباشرة
توقف أجهزة الجسم الرئيسية عن العمل توقفا نهائيا لا رجعة فيه و لو
بالإنعاش .
في حين انتقد البعض الآخر هذا المعيار على أساس أن الموت الخلوي لا يعني
بصورة قاطعة على الوفاة الحقيقية ، إذ يتعين أن تتوقف أجهزة الجسم و
عناصرها الرئيسية[19 ] .
في الأخير نرى أنه من الصعب جدا ترجيح معيار على آخر ، فمنها من يشجع على
القتل باستعجال خروج الروح قبل أوانها قصد الانتفاع بشكل أو بآخر من وفاة
الشخص خاصة أعضائه ، و من هذه المعايير من تتشدد في الإقرار بحالة الوفاة
بصورة لا يبقى أي أمل في الانتفاع بأعضاء المتوفى لعدم صلاحيتها ، و عليه
لإقرار حالة الوفاة لابد من دراسة كل حالة على حدا بواسطة أشخاص ذوي
الاختصاص من رجال الدين ذو مستوى فقهي كبير و كذلك أطباء مختصين لإثبات
حالة الوفاة .
2- الإذن المسبق من المتبرع أو إذن وليه بعد موته :
لقد اشترط علماء الشريعة لصحة نقل العضو من ميت أن يكون أوصى بذلك ، قبل موته [20] ، سواء أوصى لشخص معين أم لم يعين المستفيد .
لقد أقر الفقه المعاصر أن الوصية بالمنافع جائزة شرعا و منها الوصية
بالانتفاع بجثة الميت أو بعضو من أعضائه للحاجة التي يبيحها الشرع ، و
لصحة الوصية يشترط أن يكون الموصي أهلا للتبرع ، بأن يكون بالغا عاقلا ،
قادرا على أن يعطي رضاء جاد و كامل ، فإن كان غير كامل الأهلية وجب في هذه
الحالة زيادة على وصية رضاء الممثلين الشرعيين له [21] ، كما لا تصح
الوصية إذا كان الموصي مكره على الوصية ، هذا و إذا أوصى الميت لشخص معين
وجب تقديم هذا الشخص .
أما إذا لم يوصي الميت على غيره فقد أجاز أهل العلم أن يأذن وليه بذلك
[22] ، و هناك من اهل العلم من استعمل مصطلح ورثته لذلك فلأولياء أو رثة
المتوفى أن يأذنوا بأخذ عضو من مورثهم أو من هم تحت ولايتهم ، أما في حالة
عدمن وجود ولي فيمكن أخذ العضو دون إذن ، فيكفي إذن ولي الأمر سواء كان
الإذن خاص أي يتعلق بمتوفى معين أو عام كإباحة الانتفاع بأعضاء الموتى
المجهولين دون إذن خاص ، و في جميع الحالات لا يجوز نقل عضو الميت إذا
أوصى قبل موته بمنع النقل .
إثبات الموافقة أو الرفض بشأن التصرف في جثة المتوفى:
التصريح الكتابي برفض الإقتطاع من الجثة :
أجازت بعض التشريعات للشخص الذي يرفض المساس بجثته أن يعبر اثناء حياته عن
ذلك صراحة في شكل كتابي ، و هنا لا يجوز لأي كان الاقتطاع من جثته و لو
كان ذلك بإرادة أقاربه ، لأن المتوفى كان قد عبر عن إرادته صراحة حال
حياته بالاعتراض عن هذا الاقتطاع و عليه يجب احترام إرادته كما لو كان حيا
، و من الدول العربية التي أجازت ذلك نجد القانون التونسي و القانون
المغربي الذي جاء بنص صريح مضمونه يتمثل في أنه يعبر كل شخص و هو على قيد
الحياة أن يعترض على أخذ عضو من أعضائه بعد مماته عن رفضه هذا الأخذ
بواسطة تصريح يتلقاه رئيس المحكمة المختصة التابع لها محل إقامته أو
القاضي المعين لهذا الغرض و يتم تسجيل التصريح دون عوائق لدى كتابة ضبط
المحكمة التي توجهه إلى جميع المستشفيات المختصة في أخذ أعضاء من الأموات .
و الملاحظ على التشريع المغربي أنه إضافة إلى اشتراط التعبير من الشخص
ذاته أثناء حياته برفض المساس بجثته ، ان يتم ذلك أمام القاضي ، مما يعني
أن الكتابة وحدها غير كافية بل يجب مصادقة القاضي ، بالتالي فالمشرع
المغربي يشترط الكتابة الرسمية للتعبير عن إرادة الشخص .
و قد تعرضت التشريعات التي إشترطت الكتابة في التعبير عن الإرادة بخصوص التصرف في الجثة إلى عدة إنتقادات ، نذكر أهمها:
- من النادر جدا أن يفكر شخص معافى في بدنه بأن يوصي بأعضائه بعد مماته ،
خاصة أمام الإجراءات الجد معقدة نوعا ما و التي يتطلبها تحرير الوصية .
- من الصعب جدا مطالبة شخص على سرير الومت بان يوصي بأعضائه مراعاة لمشاعره .
- إن المطالبة بضرورة تجسيد إرادة الشخص الذي برفض التصرف في جثته بعد
موته فيه نوع من المصادرة على المطلوب ، لأن حرمة الموتى و الحماية
القانونية المقررة لها تغني عن ذلك .
شكل الوصية المتعلقة بنقل الأعضاء من الجثة و طرق إثباتها :
تتجه التشريعات التي تأخذ بالوصية في مجال نقل و زرع الأعضاء إلى ضرورة
إفراغها في شكل كتابي ، بطبيعة الحال إلى جانب ضرورة توافر الأهلية
اللازمة لهذا النوع من التصرفات، و من التشريعات العربية التي تأخذ
بالوصية في هذا المجال نجد القانون المصري و القانون الكويتي رقم 55 لسنة
1987 [23] ، إذ حددت مادته الثانية مصادر الأعضاء(الكلى) لغرض الزرع بما
يلي :
- الكلى التي يتبرع بها أصحابها حال حياتهم أو يوصون بها بعد وفاتهم .
- كلى الموتى في حوادث المرور بشرط موافقة الأقارب إذا لم يوصي بها المتوفي .
و لصحة التصرف في الجثة تشترط المادة الثالثة من نفس القانون أن تصدر
الوصية من شخص كامل الأهلية و هي في القانون الكويتي 18 سنة و بحضور
شاهدين إثنين راشدين .
و قد نص التشريع الأردني على الحالات التي يجوز فيها نقل العضو من الجثة ،
منها الإيصاء بالأعضاء قبل الوفاة بإقرار خطي ثابت التوقيع و التاريخ
بصورة قانونية ، و هو النهج الذي سار عليه التشريع التونسي و التشريع
المغربي .
و من التشريعات الأوروبية التي أخذت بنظام الوصية ، نجد التشريع الفرنسي
الذي أجاز الإيصاء بالقرنية قبل الوفاة ، و كذلك القانون الدانماركي و
القانون الإنجليزي الذي إكتفى فقط بالتعبير الشفوي مع إشتراط حضور شاهدين
أثناء التصريح بذلك إذا كان الموصي في مرض الموت ، و في هذه الحالة يجوز
لمن له حق حيازة الجثة -إن صح التعبير- أن يأمر بتنفيذ رغبة المتوفى بعد
التأكد من أنه لم يسحب هذه الموافقة قبل الوفاة ، مع الإشارة هنا إلى أنه
لا يعتد برأي الأقارب في حالة تعارضها مع رغبة المتوفى .
و نشير في ذات السياق أن هناك العديد من التشريعات التي لا تشترط شكل معين
للتعبير عن إرادة المتوفى بشأن الموافقة أو رفض المساس بالجثة، بالتالي
ففي ظل هذه التشريعات فإنه يجوز للفرد أن يوصي بذلك شفاهة أو كتابة دون
الحاجة إلى شكل رسمي معين ، و قد إعتمد هذا الوضع في القانون الإجليزي
الذي منح للمريض مرض الموت الحق في أن يوصي بأعضائه سواء لأغرؤاض علاجية
أو علمية إما كتابة أو شفاهة بحضور شاهدين أو أكثر.
كما نجد كذلك التشريع الإسباني الذي أجاز بموجب مرسوم ملكي عام 1980
الإعتداد بموافقة الشخص على الإقتطاع من جثته سواء صدرت منه بالإشارة أو
اللفظ أو كتابة ، كما لم تشترط هذه التشريعات طريقة معينة للتعبير أيضا عن
رفض الشخص المساس بجثته بعد وفاته ، حيث يمكنه الإفصاح عن ذلك بطريق
الوصية المكتوبة أو الشفوية أو بأي طريقة أخرى تكون مناسبة.
ثانيا : شروط و ضوابط أخرى
1 - وجود الضرورات التي يباح الحكم من أجلها .
2 - التأكد من وجود هذه الضرورات حقيقة أو بغلبة ظن.
3 - أن يُعلم أو يغلب الظن أنه لو لم يتداوى أدى ذلك إلى الموت أو هلاك عضو من الأعضاء .
4 - أن ينحصر التداوي في مثل هذا العمل وذلك بأن لا يوجد نوع من التداوي المباح يحل محل المحرم.
5 - يشترط أن يعلم أو يغلب على ظنه وجود الشفاء بهذا التداوي كما قال
الفقهاء لمن يريد أن يجري عملية إذا قيل أنها تنجح وينجو أو أنه قد ينجو
وقد لا ينجو جاز ذلك.
6 - ويشترط في كل ذلك أن تكون العملية في حد ذاتها بقدر الضرورة أو الحاجة من غير زيادة على ذلك .
7- ويشترط أن يقوم الطبيب بمثل هذه العمليات في الأوقات المناسبة والظروف والأجواء الملائمة لنجاح هذه العمليات.
8- يشترط جمع كل الوسائل التي تؤدي إلى نجاح هذه العمليات أو تكون مساعدة للطبيب والمريض على نجاحها.
9- يشترط في الطبيب أن لا يهمل شيئاً من واجباته العلمية والشرعية والإنسانية .
10- يشترط أن يبذل في نجاح مثل هذه العمليات حسب الوسائل المتوفرة لديه ما
أمكنه من طاقة وجهد وبذل واعتناء وخدمة وتضحية ، حتى لا يكون مفرطاً أو
مخلاً بشيء من أسباب النجاح ، بحيث ينقلب ضرراً لا نفعاً ويكون بذلك
قاتلاً للنفس وسبباً لعدم نجاح العملية .
11- يشترط أن لا يتناول صاحب هذه الأعضاء مالاً في مقابلها لأنه لا يجوز
بيع الإنسان ولا بيع عضو من أعضائه ، ولو كان ميتاً فإيراد العقد عليه
مُحرم ، كما لا يجوز لأقارب الميت الذي يُراد تشريحه أن يأخذوا مالاً في
مقابل جثة ميتهم ، لأنه لا يجوز بيع جثة الميت وكذلك لا يجوز بيع الهيكل
العظمي لأجل التعلم والتعليم ، بل يكتفى في التشريح للتعليم بقدر الضرورة
، كما يكتفى في التعليم بهيكل واحد أو أكثر على مقدار مسؤول أمام الله
تعالى عن مثل هذه التصرفات ، ونخص بالذكر الأطباء المُشرحين والطلاب الذين
يتعلمون منهم ، ونأمرهم بتقوى الله عز وجل وباحترام الإنسان الآدمي الذي
كرمه الله تعالى وفضله على كل من سواه ونأمرهم بأن لا يتخذوه هدفاً أو آلة
للعب ، بل يضعون نصب أعينهم مخافة الله عز وجل وحرمة الآدمي ، ويقصدون
بهذا العمل تقديم النفع والعلم الصحيح لطلابهم ، ويقصد الطلاب من ذلك
أيضاً وجه الله تعالى بهذا التعلم وخدمة الإنسانية واضعين نصب أعينهم خوف
الله تعالى وحرمة الإنسان وكرامته .
ويمكن أن يكون هناك بديل عن المال الذي يدفع في مقابلة العضو أو الجثة أو
الدم وغيره من الأعضاء يمكن أن تكون هناك هبة ، فمن ينتفع بذلك أو من
أوليائه لأقارب أو أولياء المنقول منه ، والذين يدفعون أموالاً للمؤسسات
التي تقوم بحفظ الدم وغيره لينقل عند الحاجة لمن يضطر إليه ، هذه الأموال
لا ينبغي أن تكون ثمناً للدم ولا مقابلة له ، إنما يجب أن تكون أجوراً
وتكاليف تقدمها تلك المؤسسات لعمالها الذين يقومون بهذه الخدمات أو تقدمها
كمصاريف لحفظ هذا الدم والأعضاء بما يتطلبه من أماكن وآلات وغير ذلك . فهو
في الحقيقة جزء من ما تستحقه تلك المؤسسات لقيامها بهذه الخدمة الإنسانية
وليس ثمناً للدم أو غيره .
- يشترط في المنقول منه العين والكلية والقلب وغيره ، أو من يُراد تشريح
جثته أن يكون أولاً حربياً لأنه مهدور الدم أو يكون محكوماً عليه بالقتل
ردة أو قصاصاً أو لجرم آخر ، ولا يجوز النقل من غير هؤلاء إلا عند عدم
توافر واحد منهم ، فإذا لم يتوفر جاز النقل من الميت ويبدأ بمن توفرت فيه
الشروط السابقة التي ذكرناها في المنقول منه, وهذه الشروط التي ذكرناها هي
شروط شرعية لا بد من توفرها في كل عملية من هذه العمليات عند عدم وجود
أسباب اضطرارية مُلجئة . أما إذا وجدت أسباب ضرورية ملجئة كحالة الحرب
مثلاً فيمكن فيها أن تتلافى بعض هذه الشروط مثلاً أو يرجع الحكم فيها عند
حدوثها إلى ما تقتضيه تلك الظروف ، و