مواصلة لسلسلاتنا في
الإعجاز الأسلوبي في القرآن الكريم، أحببت أن نناقش قوله تعالى"واسأل
القرية التي كنا فيها"، حيث تنبه اللغويون والمفسرون إلى النمط العادي
فوجدوا العبارة مختلفة عنه، فاتفقوا بالاجماع على أن هناك حذفا هو "أهل"
على اعتبار أن السؤال لايوجه للقرية ولكن لأهلها.
قال سيبويه" إنما يريد اهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية"
قال أبو عبيدة مقتفيا أثر سيبويه:"مجازها أهل القرية"
قال الأخفش:"نصبها على اسأل وهو يريد أهل القرية"
قال المبرد:" نصب لأنه كان واسأل أهل القرية"
قال ابن قتيبة في باب
الحذف والاختصار:"من ذلك أن تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه وتجعل
الفعل له كقولك واسأل القرية التي كنا فيها، أي سل أهلها"
قال الفراء" المعنى سل أهل القرية"
قال الزجاج:" يريد أهل القرية"
لقد أدت المماثلة بين
المجاز في الممارسة اللغوية العادية وبين نظام النص هاهنا إلى إجهاض
المعنى الجديد وتذويبه في محيط نظام اللغة، فنظام النص هاهنا فرض مجيء
الجملة على هذا النمط، ولو أراد الله تعالى تبليغ المعنى بذكر المضاف
المحذوف لفعل ذلك، ولكنه أراد معنى لا يمكنه أن يؤدى إلا بهذه الهيئة،
فحين يقال لقد حذف أهل، فهل تم تقديم تفسير أم تبرير؟ فلماذا حذف المضاف
يا ترى؟ هل أجاب نظام اللغة عن السؤال؟
نقول من وجهة نظر
أسلوبية إن أبناء يعقوب قد فرطوا في يوسف من قبل، وأخذوا ميثاقا من الله
أمام أبيهم ألا يعودوا إلا ومعهم الأخ الأصغر، فلما تم القبض عليه وقعوا
في مشكل كبير، وتأكدوا أن أباهم لن يصدقهم، فهم في موقف محرج يحتاجون فيه
شاهد إثبات قوي، فبدلا من أن يوجهوا السؤال إلى أهل القرية وجهوه إلى كل
القرية، أي واسأل ما شئت ومن شئت في القرية، اسأل حجرها وشجرها وبشرها...
فناسب ذلك حالتهم النفسية، ولو قالوا واسأل أهل لضاق المعنى وتحدد ولم يكن
له هذا التأثير الذي أدته عبارة" واسأل القرية".
إلى هنا أتركك في رعاية الله، وإلى اللقاء مع انزياح أسلوبي جديد، وتقبلوا احترامي وتقديري.
الموضوع الأصلي :
"واسأل القرية التي كنا فيها" ما السر في حذف المضاف؟؟ الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|