السـلآمُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتـُه
مسرِّع الجسيمات
مسرِّع الجسيمات particle accelerator
جهاز يستخدم لإنتاج حزم من الجسيمات المشحونة وتوجيهها لترتطم بأهداف
متنوعة. وهي وسائل تمكِّن الباحثين من دراسة أشياء دقيقة جداً، مثل الذرة
وبنيتها، ومعرفة القوى التي تمسك بأجزائها، كما أنها تزودهم بالطاقة
اللازمة لتوليد جسيمات جديدة. وللمسرعات فوائد تتعدى البحوث البحتة إلى
التطبيق، فهي تستخدم للأغراض الطبية والصناعية وبصورة خاصة لإنتاج النظائر المشعة radioisotopes.
ويتركز معظمها في الولايات المتحدة الأمريكية ومقراتها الجامعات أو مخابر
البحوث القومية، أما في أوربا فالمنشأة الأساسية فيها هي مخبر البحوث
النووية الأوربي المعروف باسم CERN ومقره في جنيڤ بسويسرا، وأما الاتحاد السوڤييتي السابق فمقر مسرعاته في دوبنا Dubna وفي سيربوخوڤ Serpukhov.
تصميم مسرعات الجسيمات
ثمة
تصاميم عديدة للمسرعات، إلا أن لها جميعاً صفات مشتركة. فجميعها تسرِّع
جسيمات مشحونة (غالباً ما تكون بروتونات أو إلكترونات أو جسيماتها المضادة،
وقد يسرِّع بعضها الدوترونات deuterons
أو جسيمات ألفا أو أيونات ثقيلة)، وجميع المسرعات تستخدم حقولاً كهربائية
(ثابتة أو متناوبة أو متحرِّضة) لتسريع الجسيمات، كما يستخدم معظمها حقولاً
مغنطيسية لاحتواء حزمة الجسيمات وتركيزها. إن مسار الجسيمات في المسرعات
الخطية linear accelerators خط مستقيم، أما في المسرعات الأخرى كالسيكلوترون cyclotron فإن المسار يأخذ شكلاً دائرياً أو حلزونياً.
المسرعات الخطّية
كانت
المسرعات الخطية في بادئ الأمر تستخدم جهوداً كهربائية عالية لإكساب
الجسيمات طاقة حركية عالية. وقد استخدم أحدها شحنة كهربائية ساكنة متجمِّعة
طبقت حقلاً كهربائياً على طول أنبوب مفرغ من الهواء، فتكتسب الجسيمات طاقة
نتيجة تحركها في الحقل الكهربائي. ففي مسرع كوكرفت - والتون Cockcroft - Walton مثلاً، يتولد الجهد العالي عن طريق مضاعفة الجهد الكهربائي مرات ومرات بفضل مجموعة مكثِّفات وديودات diodes، إضافة إلى المحولات الرافعة للجهد الأصلي (الشكل-1).
أما في مسرع ڤان دوغراف van de Graaff فيتم توفير الجهد العالي عن طريق سير belt دوّار
يحمل باستمرار شحنات كهربائية من منبع في أسفله ليضعها على كرة مجوفة ضخمة
في أعلاه مستفيداً من خاصة الرؤوس المؤنفة التي تؤين الهواء في الجوار
المباشر لها فتدفع الشحنات المماثلة لشحنتها بعيداً عنها لينقلها السير
الدوار إلى الكرة المجوفة (الشكل-2).
تستخدم
مسرعات الكهرباء الساكنة هذه لدراسة البنى النووية عند الطاقات المنخفضة،
كما تستخدم لحقن الجسيمات في مسرعات أخرى لإكساب الجسيمات طاقة أعلى، كما
هي الحال في المسرعات الخطية التي يكون طولها كبيراً.
تعد
المسرعات الخطية، التي لا تحدث فيها خسارة في الطاقة بالإشعاع أفضل
المسرعات لتسريع الإلكترونات وأحسنها مردوداً. والجدير بالذكر أن أطولها هو
مسرع جامعة ستانفورد الذي أنجز عام 1957 وطوله نحو 3 كم، وهو يسرع
الإلكترونات حتى تبلغ طاقةً تساوي G2GeV أيX2 X109 إلكترون
ڤولط. تختلف المسرعات الخطية هذه عن المسرعات المعتمدة على الكهرباء
الساكنة باستخدامها حقولاً كهربائية متناوبة عند تواترات راديوية عالية
لتسريع الجسيمات بدلاً من استخدام جهد عال وحيد. ويتألف أنبوب التسريع من
قطاعات تشحن بشحنات موجبة وسالبة على التناوب. وعندما تمر حزمة جسيمات
مشحونة كهربائياً عبر الأنبوب فإنها تتلقى دفعاً من القطاع الذي غادرته،
وتتلقى جذباً من القطاع القادمة إليه، ومن ثم فإن التسريع الذي تكتسبه هو
حصيلة دفعات وجذبات متتالية. يشار إلى أن المسرعات الخطية تستخدم اليوم
لتسريع الأيونات الثقيلة مثل أيونات الكربون والنيون والآزوت. ويوضح الشكل
(3) مقطعاً في مسرع خطي من هذا القبيل، كما تظهر في الشكل (4) صورة
فوتوغرافية له.
المسرعات الدورانية
تقدم إرنست لورنس E.Lawrence
عام 1932 باقتراح لتحل المسرعات الدورانية محل المسرعات الخطية التي تتطلب
مسافات طويلة إذا كان المطلوب منها أن تولد جسيمات ذات طاقات عالية.
ويتضمن اقتراحه جعل الجسيمات المسرَّعة ترسم مسارات دائرية أو قريبة من
ذلك. ففي السيكلوترون cyclotron، الذي يعود إليه الفضل في ابتكاره، يُستخدم مغنطيس أسطواني لجعل الجسيمات التي شحنة الواحد منها q ترسم مساراً دائرياً يعتمد نصف قطره R على كتلة الجسيم المسرع m وعلى سرعته v وعلى شدة الحقل المغنطيسي B ويعطى بالعلاقة: R = mv/ qB
وهنا تُسرع الجسيمات ضمن صندوق معدني مجوف مؤلف من قطعتين تأخذ كل منهما شكل الحرف D، يطبق عليهما جهد كهربائي متناوب ذو تواتر عال بحيث يكتسب الجسيم في كل مرة يجتاز فيها الفجوة بين D الأولى وD
الثانية دفعة إضافية تزيد من سرعته، وبحيث تنعكس قطبية الجهد الكهربائي
المطبق على نصفي العلبة في اللحظة المناسبة لضمان تسريع الجسيم. تكمن سهولة
تصميم السيكلوترون في أن الزمن اللازم للجسيم كي يرسم دورة كاملة في الحقل
المغنطيسي يبقى نفسه على الرغم من ازدياد نصف قطر المسار الذي يرسمه بسبب
ازدياد السرعة. وهذا ما يجعل تغير الحقل الكهربائي المتناوب منسجماً مع
حركة الجسيمات المسرِّعة التي ترسم مساراً حلزونياً يبدأ من مركز
السيكلوترون حتى محيطه (الشكل-5).
إلا أن النظرية النسبية لأينشتاين تقضي بأن زيادة سرعة الجسيم تؤدي إلى زيادة كتلته m بحيث تغدو كما يأتي:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] حيث ترمز c إلى سرعة الضوء في الخلاء وν إلى سرعة الجسيم وm0
إلى كتلته السكونية. وعلى هذا ستعاني الجسيمات التي تقترب سرعتها من سرعة
الضوء ازدياداً في الكتلة، ولا تكتسب لذلك سرعة متزايدة لأنها تصل إلى
الفجوة بين D
الأولى والثانية في وقت غير ملائم للتسريع. فالبروتونات مثلاً لا يمكن
تسريعها في السيكلوترون الذي ابتكره لورنس حتى تبلغ طاقة تفوق 10ميغا
إلكترون فولط.
ثمة
طريقتان للتغلب على الحدود التي تضعها النظرية النسبية للطاقة العظمى التي
يمكن لجسيم أن يكتسبها في السيكلوترون. ففي السنكروسيكلوترون synchrocyclotron
يخفَّض تواتر منبع التيار المتناوب المستخدم للتسريع تدريجياً بازدياد
السرعة لكي ينسجم ذلك مع تناقص السرعة الزاوّية للبروتونات. أما في
المسرِّع المسمى isochronous cyclotron
فيضمن تصميم المغنطيس فيه توفير حقل أشد قرب محيط السيكلوترون وحقل أضعف
قرب المركز، وهذا ما يسمح بالتعويض عن زيادة الكتلة بازدياد السرعة ومن ثم
بقاء تواتر المنبع المتناوب من دون تغيير. وقد شُيد أول مسرع
سنكروسيكلوترون وفق هذا الأسلوب في بيركلي بجامعة كاليفورنيا عام 1946م،
وكانت طاقة الجسيمات المسرَّعة فيه كافية لتوليد البيونات pions. وقد تطلبت البحوث في الفيزياء النووية توفير مسرِّعات تُكسب الجسيمات طاقة من رتبة GeV أي 910 إلكترون فولط، وهكذا بدأ عصر السنكروترون synchrotron. يستخدم في هذا النوع من المسرعات حلقة من المغانط تحيط بأنبوب على شكل دولاب مفرغ من الهواء (الشكل6-).
تزداد
شدة الحقل المغنطيسي هنا بازدياد سرعة البروتونات، بحيث تبقى تتحرك في
دائرة نصف قطرها ثابت تقريباً بدلاً من أن يزداد نصف القطر كما كان يتم في
السيكلوترون. وهكذا يحذف الجزء المركزي من الحقل المغنطيسي تماماً، الأمر
الذي سمح ببناء حلقات تسريع تقاس أقطارها بالكيلومترات. يجري حقن الجسيمات
في مسرع السنكروترون بعد اكتسابها سرعة عالية في مسرع آخر خطي. وقد كان أول
مسرع للبروتونات من هذا النوع هو مسرع الكوزموترون في بروكهاڤن Brookhaven فقد شيد عام 1952م وبلغت طاقة البروتونات المسرَّعة فيه 3غيغا إلكترون فولط.
أما السنكروترون الذي شيد في باتاڤيا Batavia
بولاية إلينوي في الولايات المتحدة فقد بلغت طاقة البروتونات الصادرة عنه
500 غيغا إلكترون فولط، وقد انتهى العمل فيه مطلع عام 1970م ويبلغ قطر
حلقته ستة كيلومترات. وقد جرى تطوير هذا المسرع عام 1983م، بحيث غدا يسرِّع
البروتونات والبروتونات المضادة حتى سرعات عالية جداً؛ بحيث تكون الطاقة
المكافئة لتصادم هذين النوعين من الجسيمات 2 تريليون إلكترون فولط أي 2 × 1210 إلكترون فولط، ولذا فقد أُطلق على هذا المسرع اسم التيفاترون. وهو ضمن سلالة من المسرعات تُعرف باسم مسرعات الحزم المتصادمة colliding-beams machine،
وهي بمنزلة مسرعين اثنين أحدهما يعلو الآخر، يجري تصادم بين حزمتيهما
المسرعتين إما وجهاً لوجه أو بزاوية بين الحزمتين. إن استخدام مسرع وحيد
وهدف ثابت بالطاقة نفسها يتطلب مسرعاً تفوق طاقة تسريعه ضعف الطاقة التي
تحملها إحدى الحزمتين المتصادمتين.
ويمكن
استخدام السنكروترون لتسريع الإلكترونات، إلا أن مردود المسرع عندها لا
يكون عالياً، وذلك لأن الإلكترونات المسرَّعة تشع طاقة بصورة إشعاع
سنكروتروني synchrotron radiation. يسمى مسرِّع الإلكترونات باسم البيتاترون betatron.
وفيه تحقن الإلكترونات في حيز أنبوبي مفرغ من الهواء على شكل دولاب موضوع
ضمن حقل مغنطيسي، وتزاد شدة الحقل المغنطيسي تدريجياً الأمر الذي يولد
حقلاً كهربائياً مماسياً يسرع الإلكترونات بآلية التحريض induction.
سلآم ..