أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـات بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا .
تاج من أوراق الشجر، وعقد من زهور بيضاء، قصر من رمال وآثار أقدام، أمواج البحر تلامس الأقدام، قواقع جمعت وشكلت أشكالاً، وحشرات صغيرة تحبس في قوارير تراقب ليل نهار، أرجوحة علقت على إغصان الأشجار، هواء الطبيعة يلامس الوجه والشفتين ويتسرب إلى الرئتين فيملؤها انشراحاً، هكذا كانت الطفولة قديماً، انسجام بين الإنسان والطبيعة.
إلى أن بدأت المباني الإسمنتية تغزو المدينة، فبدأت المساحات الخضراء في التقلص وحتى أماكن لهو الصغار كستها أرضيات الإسفلت والألعاب المعدنية، وتحولت حياة طفل المباني الإسمنتية إلى جدول يصيغه له الكبار بمفاهيمهم الخاصة، وأصبح الخوف على الصغار من قِبَل الوالدين والزيادة في الحماية يشكل طوقاً يمنع الصغار من التعايش بسلام مع الطبيعة، وأصبح التعليم الذي يمتلئ بالمخاوف على البيئة كالأمطار الحمضية، والتصحر، ومشكلة ذوبان الجليد، والتي أصبحت تُدرّس للصغار سبباً في الهلع الذي قد يصيبهم من الطبيعة وهروبهم إلى الأمان، والذي يرونه في كل شيء قد شيده الإنسان، فخسر الإنسان وخسرت الطبيعة.
قارن بين حياتك وكيف كنت تقضي أوقاتك التي يقضي بها أبناؤك حياتهم بعد الدراسة، الكثير من الأطفال اليوم يعود من المدرسة مسرعاً إلى شاشة التلفاز، أو الاستعداد للدروس الخصوصية، أو الذهاب للتمرين الرياضي، بعكس ما كنا نفعله نحن كاللعب في فناء المنزل أو زراعة بعض البذور في آنية صغيرة، أو العبث في مستعمرات النمل التي كانت تملأ الفناء أو مراقبة الطيور على الأغصان.
- أطفال أكثر سعادة: لقد أظهرت الدراسات الحديثة أهمية التعايش مع الطبيعة على حياة الصغار، فوُجد أن الطفل الذي يقضي بعضاً من وقته في الخارج يلعب ويتفاعل مع الطبيعة يكون طفلاً أكثر سعادة وذكاء، وأكثر صحة ومتعاوناً بشكل أكبر ولديه صحة نفسية أفضل، ويتعافى من المرض أسرع، ولديه قوة ملاحظة وتركيز أفضل، كما أنه أفضل اجتماعياً وأقل عنفاً، كما وجد أن اللعب في الخارج يجعل الطفل يرسم أحلامه الخاصة واستنتاجاته الخاصة، إلى جانب أن الطبيعة المتغيرة بشكلها وما تحتويه تختلف عن الألعاب المعدنية أو الخشبية التي تقوم بنفس العمل والاهتزاز يوماً فلا تشكل أي تحدٍ قد يختبره الطفل.
- تغيّر الصورة: حياة الطفل الآن أصبحت تعتمد على الإعلام المرئي والمكتوب والصور، فاختفت الحقيقة وحل محلها الخيال، وساهمت برامج التلفاز بشكل كبير في تغيير صورة الطبيعة لدى الصغار، فأصبحت مكاناً نائياً وحشياً بعيداً لا يصله إلا المستكشفون والعلماء، وليس مكاناً يحيط بالطفل حتى ولو كان جزءاً صغيراً في حديقة بجانب منزله أو في فناء داره، ونحن بتشجيعنا صغارنا باللعب والتفاعل مع الطبيعة ننشئ جيلاً واعياً بأهمية البيئة الطبيعية من حوله، ويقدر هذه البيئة ويحافظ عليها، والعكس يحدث عندما نربي الطفل بعيداً عن بيئته الطبيعية فينشأ وهو يشعر أن الطبيعة شيء بعيد ومنفصل عنه، ولهذا يجب السيطرة عليها وتوجيهها، وليست الطبيعة شيئاً نحبه ونحافظ عليه.
كيف نشجع الأطفال على التعايش مع الطبيعة؟
1- تقنين فترة مشاهدة التلفاز والألعاب الإلكترونية وجهاز الحاسب الآلي، وتشجيع الطفل للعب في الخارج بعد أن نوفر له بيئة آمنة للعب بجوار المنزل.
2- توفير مكان خاص في الخارج للطفل، سواء في الشرفة أو الفناء الخلفي أو الأمامي، المملوءة بالرمال، وتخصيص واحد لكل طفل مع إعطائه حرية التصرف فيه، كأن يزرعه أو يبني فيه بيوتاً صغيرة.
3- تغيير نوعية الهدايا التي تمنح للطفل، فتكون عبارة عن عدسة مكبرة لمراقبة النباتات والحشرات الصغيرة، أو أدوات زراعة أو نباتات صغيرة لحديقته الخاصة، أو رحلة إلى مكان تلامس فيه أيدي الطفل الحياة الطبيعية.
4- أولياء الأمور قدوة لصغارهم، فإن كانوا يرون أن الطبيعة مكان لاستهلاك الموارد ورمي النفايات سيخرج الأطفال متبنين نفس هذا التفكير، أما إذا قدروا الجمال فيها وحافظوا عليها تبعهم في ذلك صغارهم.
5- تعليم الصغار تفادي دهس النباتات والحشرات الصغيرة أثناء المشي في الأماكن المزروعة، والتزام الطريق الذي صُمم للمشي بين المزروعات والحشائش، أمر غاية في الأهمية إلى جانب تعليمهم عدم قطع الأغصان أو المزروعات.
6- تعليم الصغار عدم اللعب بالحشرات الملونة أو الفراشات أو نقلها من بيئتها الطبيعية للعبث بها ومن ثم رميها، بل عليهم مراقبتها ومشاهدة الجمال فيها ومن ثم تركها في بيئتها الخاصة.
7- تعليم الصغار عدم إطعام الحيوانات أطعمة لا تناسبها، سواء في البيئة الطبيعية أو في حدائق الحيوان لأن هذا من شأنه أن يجعل الحيوانات تستسهل تقديم الإنسان الطعام لها فلا تبحث عنه، وتبدأ في الاقتراب من الإنسان طلباً للطعام مما يشكل خطراً عليه وعلى الحيوان الذي قد يؤذيه نفس الإنسان الذي أطعمه.
8- وضع المخلفات في صندوق المهملات سواء في الخارج أو في الرحلات يعلم الصغار احترام الطبيعة والمحافظة على البيئة من التلوث والمحافظة على الحيوان من التسمم.
9- منح الصغار وقتاً للعب الحر دون تدخل الكبار، ودون جداول مسبقة التصميم فهذا الوقت الحر الذي سيعيشه الطفل في الخارج هو الذي سيمنح عقله وقلبه حرية التفكير والتصرف، فيفكر ويبدع ويحب ويتعلم.
10- يجب ألا تكون الأحوال الجوية عائقاً أمام الأسرة للذهاب للخارج أو اللعب، فلكل فصل طريقته الخاصة في اللعب.
11- أوراق الأشجار تشكل مغامرة لدى الصغار وخاصة في الفصل الذي يتغير فيه لونها وتبدأ في التساقط، ففي هذا الوقت يكون لدى الصغار الكثير من الأنشطة التي يمكن أن يمارسوها بأوراق الأشجار، كأن يلاحظوا ألوانها المختلفة كل يوم أو أن يرسموها أو يصنعوا منها بطاقات صغيرة بعد لصقها على ورق مقوى أو يلونوها، كما يمكن أن يستخدموا العدسة المكبرة لملاحظة الحشرات الصغيرة التي تعيش عليها.
12- الحِمل الأكبر الآن يقع على عاتق مصممي أماكن لعب الصغار سواء في المجتمعات السكنية أو في المدارس أو الحضانات أو في الحدائق حيث أصبح متطلب دمج الصغار مع الطبيعة أمراً ضرورياً، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى طريقة خاصة في التصميم والبناء، والبعد عن الأرضيات الإسمنتية والألعاب المعدنية.
13- ومن الأشياء التي تربط الطفل ببيئته الطبيعة الحيوانات، فهي تشكل جزءاً مهماً من حياة الطفل وقصصه، ولقد وُجد أن الطفل ذا السنوات الست تحتل الحيوانات 80% من أحلامه، فالاهتمام بها وخاصة صغارها وتوفير البيئة المناسبة لها يعلم الطفل مراعاة الطبيعة وما يعيش فيها. دمج الطفل مع الطبيعة عملية تحتاج إلى اتحاد همم كل مسؤول سواء ولي أمر أو مدرس أو مهندس من أجل بناء إنسان أفضل محب لبيئته ومحافظ عليها.