أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـات بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا .
واحة الأغواط جنوب الجزائر العاصمة وتبعد عنها بحوالي 400كلم وتمتد بساتينها ومبانيها على ضفة "واد مزي" الذي يأخذ مجراه من جبال العمور غربا ويتوجه نحو الشرق حيث يحمل اسما أخر هو واد "جدي" مارا بعدد من واحات الزيبان إلى أن يصب في شط "ملغيغ".
أما موقعها الفلكي فهي تقع شمالا على خط عرض 48-33وشرقا على خط طول حوالي 3شرقا. أما ارتفاعها عن سطح البحر فيبلغ 750م على السفوح الجنوبية للأطلس الصحراوي.
وأول نشأتها كانت على هضبات عرفت بتزقرارين، أما بساتينها وأراضيها الفلاحية فبعضها يقع شمال تلك الهضاب، ويسمى الآن بالواحة الشمالية وبعضها الآخر يقع جنوبها ويسمى الواحة الجنوبية ويمتد خارج الواحتين سهلان كانا يستغلان في زراعه الحبوب مسمى الأول الضاية القبليه (الجنوبية) ويسمى الثاني الضاية الغريبة .وقد كانا كلما تهاطلت الأمطار بالجهة عرضة لفيضان وادي مساعد الذي تغمرهما مياهه .
المناخ :
قاري يتميز بالحرارة صيفا والبرودة شتاءا مع تساقط قوي للجليد خلال شهري ديسمبر وجانفي.
الميغاثية:
تتساقط الأمطار في هذه المنطقة بصفة غير منتظمة تبلغ نسبتها الوسطى (180 مم) سنويا مع حدوث جفاف حاد في بعض السنوات .
كما تهب على المدينة بين الفينة والأخرى بعض الزوابع الرملية تستفحل في سنوات الجفاف مما أدى إلى تكوين بعض الكثبان الرملية خارجها من الجهة الشمالية، وقد أزيلت في السنوات الأخيرة، وأقيمت مكانها منشآت عمرانية وإدارية، ولكن يبدو أنها آخذة في التشكل من جديد، مما يقتضي التعجيل بإنجاز الحزام الأخضر حول المدينة ولاسيما الناحية الشمالية والشمالية الغربية .
التأسيس
يذكر المؤرخون أن لهذه المدينة تاريخا عريقا يبدأ مع المعطيات الأولى لإقليم جيتوليا من العهد الروماني حتى الفتح الإسلامي، فقد سكنت هذه الربوع قبيلة مغراوة المنتمية إلى زناتة، والثي رفضت الخضوع للسلطة الرومانية والبيزنطية، ولم تعتنق المسيحية وغم الضغوطاتء غير أن الوثائق التاريخية لم تحدد بالضبط متى تأسست، والراجح أن بداية الاستقرار البشري بهذا المكان تعود إلى عصور موغلة في القدم لتوفر الشروط الضرورية للحياة من مياه، وأراض فلاحية وموقع منيع ومما يدل على أثر الأمازيغ القدماء بالجهة عدة ألفاظ ما زالت متداولة فالهضبة التي تقع عليها المدينة القديمة تسمى تزقرارين، ومن أسماء
التمور المعروفة بالواحة نجد: تادالةء تيزاوتء تيمجوهرت.
ومما أورد ابن خلدون قوله: "وأما لقواط (هكذا بالقاف) وهم فخذ من مغراوة.... فهم في نواحي الصحراء ما بين الزاب وجبل راشد، ولهم هناك قصر مشهور بهم فيه فريق من أعقابهم".
وهناك قول آخر يعزو نشأة هذه المدينة إلى العرب الهلاليين يقول إبراهيم مياسي: "ويمكن ترجيح تأسيس الأغواط إلى السنوات الأولى من قدوم بني هلال سنة 1045 إلى المنطقة..
ويمكننا أن نستنتج من مجموع هذه الآراء أن مدينة الأغواط قد تكون نشأتها الأولى كتجمع سكاني صغير على يد مغراوة ولما حل الهلاليون بها وسعوا عمرانها وأعطوها طابعها العربي وأصبحت بلدة تجمع ما بين الحضارة والبداوة على غرار مختلف المدن والقرى الواقعة في سهوب وصحاري الجزائر والعالم العربي عامة منذ أقدم العصور.
فقد ربط البدو الرحل علاقات حسن الجوار مع سكان المدينة بحكم القرابات والمصالح.
وكانت القاعدة المرعية هي عدم المس بالبساتين وحقول الحبوب وكذا التنادي للدفاع عن سكان القصر.
وكان التبادل التجاري بالطبع قائماً بين الحضر والبدو والرحل، إذ تقدم المدينة لهؤلاء المنتوجات الفلاحية والبضائع الإستهلاكية والمنسوجات والمصنوعات التي يحتاجونها مقابل ما يزودونها به من الحيوانات ومنتوجاتها المختلفة .
وكان كل من هؤلاء الرحل له قريب أو صديق في القصر يودع لديه مخزونه من الحبوب والصوف وغيرها من المواد، ويجد عنده الضيافة خاصة أيام الأسواق، ومنهم من اشترى أو بنى منازل للتخزين أو السكن حسب الحاجة .
وقد كان الكثير من أثرياء المدينة يمتلكون ثروة من المواشي يودعونها لدى أصدقائهم أو شركائهم الرحل لتنميتها والاتجار بها وهناك ظاهرة لها علاقة بما سبق ذكره بقيت حتى السبعينات من القرن العشرين تتمثل في أن كل أسرة
في المدينة تقريبا كانت تمتلك رأسا أو أكثر من الماعز المؤصل للانتفاع بمتوجاتها وكان يتم إخراجها كل يوم للرعي خارج المدينة ضمن القطيع الذي كانوا يسمونه "الحراق" وهذا ما كان بالإضافة إلى غلة البساتين من حبوب وخضر وفواكه يمكن سكان المدينة من تحقيق قدر لا بأس به من الاكتفاء الذاتي.
حتى صدر قرار بمنع ذلك في إطار العصرنة والوقاية الصحية ولحماية الأشجار والمساحات الخضراء وتفادى عرقلة القطيع لحركة المرور المتزايدة أثناء خروجه صباحا وعودته مساءا في شوارع المدينة .
ويذكر المؤرخون والروايات الشعبية عن سكان الأغواط القدامى بأنهم كانوا منقسمين إلى فئتن: تسمى الأولى أولاد سرغين ويقيمون في غربي القصر وتسمى الثانية الأحلاف ويقيمون في شرقهء وعاش الطرفان متفاهمين في أغلب الأحيانء وتحدث بينهما بعض الخصومات والمناوشات في بعض الأحيان .
وكانا يعينان معا مجلسا لتسيير شؤون المدينة برئاسة شيخ يختار تارة من الأحلاف وتارة من أولاد سرغين، والجدير بالذكر أن المدينة استقبلت الولي الصالح سي الحاج عيسى سنة 1698م الذي التف حوله السكان واستطاع أن يضع حدا للخصومات ويجمع الشمل.
كما أجمع الطرفان في القرن الثامن عشر على تنصيب شيخ يدعى زعنون تميز بمؤهلات الزعامة لتسيير شؤون المدينة وبقي ذلك في عقبه حتى مجيء الاحتلال الفرنسي.
وتذكر الروايات التاريخية أن الأغواط القديمة كانت تتكون من مجموعة قصور وأحياء أهمها:
قصر بن بوطةء بومندالة، نجال، سيدي ميمون، بدلة، قصبة بن فتوح، إلا أن آثارها غير معلومة لدينا الآن.
تدل الرسومات الصخرية والآثار المتناثرة بالمنطقة على استيطان الإنسان بها منذ ما قبل التاريخ وإنشائه العديد من التجمعات الحضرية التي منها ما اندثر ولم تبق إلا أطلاله، ومنها ما صمد وتطور إلى قرى ومدن ما فتئت تؤكد حضورها في التاريخ، ولعبت على مسرحه الكثير من الأدوار المشهودة .
ولا تزال حول مدينة الأغواط بعض الشواهد من بقايا العصر الحجري الحديث (من 9إلى 6آلاف سنة قبل الميلاد) تتمثل في الرسومات الصخرية المزروعة عبر هضبات سيدي مخلوف، الحصباية، تاجموت الحويطة والتي ما زالت تحافظ عنى مخلفات إنسان ما قبل التاريخ .
كما لا تخلو المنطقة من بصمات العهد الروماني مثل بعض الآثار واللقى والعملات التي عثر عليها بعض المنقبين وهي بقايا تدل على الأهمية التي اكتسبتها منذ العصور الموغلة في القدم.
تلك الأهمية التي تكرست بصورتها الجلية في العهد الإسلامي الذي برزت خلاله المدينة وتطورت بطابعها المعماري العربي الإسلامي، في أحياءها وحاراتها وشوارعها ومساجدها ومبانيها عامة التي تعكس مميزات التراث الشرقي والصبغة الصحراوية، فمن أحياء متراصة تدل على عمق وحميمية العلاقات الأسرية والاجتماعية من جهة،وتحقيق التكيف مع المناخ السائد من جهة ثانية، إلى شوارع ضيقة ومتعرجة فرضتها بالإضافة إلى ذلك مقتضيات توفير الأمن وتسهيل عمليات الدفاع، إلى ساحات (رحبات) تتوسط الأحياء وتكون ملتقى السكان في اجتماعهم وأسمارهم وعرض بضائعهم الفلاحية... إلى مساجد ومبان استغلت فيها الخامات المحلية : الطوب (الذي يدعونه القالب) والحجارة والجير والجبس، وأسقف من جذوع النخل والصفصاف والقصب وبلاط أجري... وروعي فيها أهم خصائص الطراز الشرقي العربي الإسلامي من انفتاح المبنى على الداخل لا على الخارج، واصطفاف الغرف حول فناء تزينه أقواس في أغلب المنازل الفاخرة إلى غير ذلك من الخصائص الهندسية والجمالية الفطرية التي كانت مثار إعجاب الرحالة المسلمين والمؤرخين والأدباء والرسامين الغربيين الذين خلدوها في نصوصهم ولوحاتهم .
هذا بالإضافة إلى بساتينها الشهيرة التي كانت في البداية منعزلة عن المباني المقامة على الهضاب المشرفة، ثم وقع الامتزاج بين المساكن والبساتين. هذه البساتين أو الغوطات التي يرجح المؤرخون أن اسم المدينة مأخوذ منها.
وما فتئت المدينة تنمو عبر العصور وتستقطب باستمرار الكثير من أبناء القرى والأرياف القريبة منها.
ولكن جيوش الاحتلال الفرنسي دمرت سنة 1952 عدة أجزاء منها وقتلت وشردت أهلها ثم ما لبثت أن استعادت عمرانها واستأنفت نموها، بحيث زحفت المساكن باطراد على الأراضي الفلاحية والبساتين. وأقام الفرنسيون فيها العديد من المساكن والمباني الرسمية، ونسجل أنهم أقاموها في بداية أمرهم وفق الأنماط المعمارية المحلية من أقواس وأفنية... واستغلوا في ذلك مواد البناء المعهودة من طوب وحجارة وجذوع نخيل وأشجار... كما تدل على ذلك المنشآت التي مازالت باقية .
غير أن في القرن العشرين مع الانفجار السكاني وظهور مواد البناء الجديدة الأكثر اقتصادا وسهولة من اسمنت وحديد... أخذ السكان والسلطات يتخلون عن المواد التقليدية وعن الطرز الهندسية الأصلية وقد استفحل هذا منذ استعادة الاستقلال الوطني خاصة في ظل تحسن
الظروف الاقتصادية والاجتماعية للسكان وما عرفته الأسر من نمو ديمغرافي وتغير في العقليات ونزعة استقلالية لدى الأجيال الجديدة التي استدعت التهافت على إنشاء المساكن الخاصة، الأمر الذي يكاد يقضي على البساتين والأراضي الفلاحية وبعد ما كانت مدينة الأغواط حتى الخمسينيات من القرن العشرين تخلو من أية مساكن على شكك العمارات نجد الآن هذا النمط هو الساند فيما ينجز من مبان.
أما التراث المعماري في المدينة القديمة فهو في تناقص وتدهور لقلة العناية به مما يقتضي التفاتة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حفاظا على تاريخ هذه المدينة التي كانت درة من درر العمران الصحراوي.