مأساة الحب في الزمن العسير
****************
هو...أحبها ..قال لها أنها عصفورة قلبه التي تملأ حياته زقزقة وغناء..
وهي .. أحبته .. قالت له أنه سترها وغطاؤها .. أمنها وأمانها ..فرحها وسعادتها..
تقدم لخطبتها ، فلم تكتف بالصمت جوابا عن الرضى عندما سألها أهلها .. بل قالتها
بالفم الملآن : نعم أقبله زوجا ولن أقبل بسواه ..قالو لها : فكري، فغيره كثيرون أفضل منه..
وقالتها أيضا بالفم المليان : هو أفضل الجميع .. لم يكن ثريا، ولا صاحب مشاريع وأراض وعقارات..
وإنما كان يملك مواهب.. وطموحا.. وقلبا عامرا بالحب.. وشبابا متدفقا .. ولم تكن فاتنة.. ولا رائعة الجمال، ولا
من ذلك النوع من النساء الذي يخطف القلوب والعقول من النظرة الأولى .. وإنما كانت بحرحنان ..
ومحبة.. وفهم.. ومودة تتسلل كلها إلى النفس كجدائل الحرير..كانت نبع صبر لا ينفذ .. ينافس في قوته
وتدفقه صبر أيوب عليه السلام ..بحنانها ومحبتها وفهمها وصبرها نزلا سويا إلى الحياة يعاركانها وتعاركهما
واجهتهما صعوبات كثيرة.. لكنهما تماسكا وعادا يعاركانها من جديد وانتصرا ..
كانت الطموحات كبيرة .. والأماني كثيرة ..لكنهما كانا يدركان أنه ليس من المنطق الإمساك بالنجوم
كلها دون تعب.. وضعا جدولا للأمنيات حسب أهميتها ..ووضعا جدولا آخر لما يمكن تأجيله
أو الإستغناء عنه مؤقتا والعيش بدونه زمنا.. صنعا إطارا من الرضى والقناعة لكل شيء..
فما ليس معهما ليس لهما ولا يجدر النظر إليه..كانت لهما فلسفة عجيبة وجميلة بأنهما أحسن حالا من كثيرين..
يكفي أنهما يقدران على ما لا يقدر عليه كثيرون غيرهم أكثر غنى..وثراءا..وامتلاءا..وانشغالا ..
إنهما يقدران على الدفء في عز الزمهرير..والحب في كل وقت ولكل شيء..والضحك من القلب
في عمق الأزمات.. والفرح بأقل القليل.. وإنهما يتمتعان بما يسبغه الله عليهما من البركة في كل شيء..
في الصحة والعافية ..في لقمة العيش.. في أطفال يملأون البيت بهجة..في الستريجعلهما أثرى الأثرياء.
الزائر لبيتهما يدخل محوطا بالترحاب والكرم .. ويخرج محمولا على أجنحة المودة والنقاء.
حتى أنه يتساءل وتستغرقه الدهشة .. كيف وأنا أملك أضعاف ما يملكان ولا أقدر على أقل القليل
مما يقدران عليه ؟؟ وأما بنعمة ربك فحدث ،، هذا هو شعارهما في الحياة .
الأهل يتابعون.. يعرفون البئر وغطاه.. يتمنون لو أنها ..أو لو أنه طلب منهم شيئا ..أي شيء ..
لكن هذا لم يحدث أبدا . فالبعض تغنيه نسمة هواء.. والبعض الآخر لا تكفيه خزائن قارون..
ويموت الحبيب في ساعته المقدورة ..وتظل الحبيبة على نفس النهج .. تحضن صغارها..
وتلقمهم الخبز مغموسا بالحب والحنان والرضى ولا تشكو أبدا ،، فمن الذل عندها أن يشكو الإنسان لغير خالقه..
ومن العيب والعار أن تفعل بعد غياب الحبيب ما لم تكن تفعله في وجوده ..
من العيب والعار أن تجعل ذكراه الجميلة رواية على كل لسان، فهي عصفورة قلبه ..وهو سترها وأمانها
لآخر العمر حتى بعد غيابه.
كبر الأولاد وتخرجوا وعملوا.. اختاروا لأنفسهم أعمالا تجعلهم بين الناس وفي خدمتهم ..اشتهروا
بالخير والبر .. ذاع صيتهم.. ومع ذلك لم يتغيروا ..وعندما تلفتوا حولهم ..اكتشفوا أنهم أمام مشكلة..
- ولأول مرة – أشبه بمشكلة أهل الكهف عندما نزلوا إلى السوق بعملة عفى عنها الزمن ..
مشكلتهم العثور على أزواج وزوجات من نفس طينتهم..يتحدثون نفس لغتهم .. مهرهم حب..
وشبكتهم طموح ..ورصيدهم قناعة ورضى ..وامتلاء جيوبهم ضحكة صافية من القلب ..
وثراءهم نفس مليئة بالمحبة والخير..لا يسعون لامتلاك كل شيء دفعة واحدة..
ولا يقيسون الأشياء بالأرقام وحسابات المكسب والخسارة المادية.. ولا ينفذ
صبرهم قبل أن تظهر الشمس في موعدها.. ويطيب الثمرفي أوانه..وتكتمل دورة الحصاد
لتشرق الحياة كأجمل ما تكون.. وأثرى ما تكون .. وأبدع ما تكون..
وإلى اللقاء مع تحياتي للجميع
الموضوع الأصلي :
**** مأساة الحب في الزمن العسير **** بقلمي الكاتب :
عبد النورالمصدر :
منتديات طموح الجزائر