بسم الله الرحمن الرحيم
[center][center]الحمدُ
لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً
للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فيجوزُ
الاعتمارُ في أي شهر من السَّـنَةِ، قبل الحجِّ وفي أشهره وبعده عند جمهور
أهل العلم، وإيقاعها في رمضان أفضلُ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله
وسَلَّم: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي» متفق عليه.
ويستحبُّ
عند الجمهور تكرار العمرة في السنة الواحدة إذا تعدّدت أسفار المعتمر، وهو
مروي عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم، وبه قال الشافعي
وأحمد، خلافًا لِمَالك وبعض السلف، واختاره ابن تيمية؛ لأنّ الصحابة رضي
الله عنهم لم يزيدوا على عمرة واحدة في العام فالزيادة على فعلهم مكروهة،
ودليل الاستحباب عند الجمهور قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم:
«العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا..» متفق عليه.
ويظهر منه العموم لتركه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الاستفصال في وقت
العمرة، و«تَرْكُ الاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الاِحْتِمَالِ يُنَزَّل
مَنْزِلَةَ العُمُومِ فِي المَقَالِ». ويؤيّده أنّ عائشة رضي الله عنها
اعتمرت مرّتين في شهرٍ بأمر النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم:
فالعمرة الأولى التي كانت مع الحَجَّة، والعمرة الثانية التي اعتمرتها من
التنعيم.
أمّا
القول بأنّ الصحابة لم يعتمروا في عامٍ مرّتين: فتُكره الزيادة على فعلهم.
فَغَيْـرُ مُسَلَّمٍ؛ لِمَا رُوِيَ عن عليٍّ وابن عمر وابن عباس وعائشة
رضي الله عنهم خِلافُه.
وأمّا
إلحاقُ العُمْرة بالحجّ فهو قياسٌ مع الفارق؛ لأنّ العمرة ليست مقيّدة
بوقت تفوت به بخلاف الحجّ فمحدودٌ وقتُه يفوت بِفَوَاتِ وقته
فَافْتَرَقَا. وقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «العُمْرَةُ إِلَى
العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ
لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّة». ففيه تفريقٌ بين الحجّ والعمرة في
التكرار، وتنبيهٌ على ذلك، إذ لو كانت العمرة كالحجِّ لا تفعل إلاّ مرّة
لَسَوَّى بينهما ولم يُفرِّق» انظر «زاد المعاد» لابن القيم (2/100).
وهذا
إنما إذا تكرّرت العمرة مع تعدّد سفر المعتمر، أمّا في سفرة واحدة فعلى
الصحيح في المسألة عدم مشروعية تعدُّد العُمَر في سفرة واحدة قصد الخروج
من مكة إلى التنعيم ليعتمر فيها, قال ابن القيم: «ولم يكن صَلَّى اللهُ
عليه وآله وسَلَّم في عُمَرِهِ عُمْرَةٌ واحدةٌ خارجًا من مَكَّةَ كما
يفعله كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عُمَرُهُ كلُّها داخلاً إلى مكة،
وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة لم يُنقل عنه أنه اعتمر خارجًا من
مكَّةَ في تلك المدّة أصلاً، فالعمرة التي فعلها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عليه وآله وسَلَّم وشرعها فهي عمرةُ الداخل إلى مكة، لا عمرةُ من كان بها
فيخرج إلى الحِلِّ لِيعتمرَ، ولم يفعل هذا على عهده أحدٌ قطُّ إلاّ عائشة
وحدها من بين سائر من كان معه؛ لأنها كانت قد أهلَّت بالعُمرة فحاضت
فأمرها فأدخلت الحجَّ على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أنّ طوافها بالبيت
وبين الصفا والمروة وقع عن حجّها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن يَرجعَ
صواحباتها بحجّ وعمرة مستقلين -فإنهنّ كنَّ متمتّعات ولَمْ يَحِضْنَ ولم
يَقْرِنَّ- وترجعُ هي بعمرة في ضمن حجّتها فأمر أخاها أن يُعْمرها من
التنعيم تطييبًا لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحَجَّةِ ولا
أحدٌ ممن كان معه». المصدر السابق: (2/94).
ولا
مانع من أن يعتمر بعد فراغه من مناسك الحجّ إذا كان عائدًا مثلاً من
زيارته للمسجد النبوي أو خروجه إلى الميقات إن أراد أن يكرّر عمرته، وخاصة
ممن لم يسعه الوقت في أداء عمرته، لما أخرجه البيهقي «أَنَّ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَانَتْ تَعْتَمِرُ فِي آخِرِ ذِي الحِجَّةِ مِنْ
الجُحْفَةِ» صححه الألباني في الصحيحة (6/258). أي: أنها كانت إذا حجَّت
تمكث إلى أن يهلّ المُحرَّم ثمّ تخرج إلى الجُحفةِ فتحرم منها بعمرة» انظر
الفتاوى لابن تيمية: (26/92).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا كثيرا.
منقول [/center]
[/center]