مدينة تيغالين بآسفي المغربية
نسجت حكايات شعبية متعددة حول هذه المدينة التي يعتقد أنها غارقة على حافة المحيط الأطلسي شمال مدينة أسفي المغربية ، ويقال إن موقعها بكاب كانتان ( 24 كلم شمال اسفي ، جماعة البدوزة حاليا ) ، فهل هي بالفعل مدينة قديمة لها أبعاد فيزيقية ومعالم محددة مغمورة تحت المياه مثلها مثل المدن الغارقة المعروفة عالميا مثل أبولونيا ( ليبيا القرن 7 ق م ) وفالاســـارنا ( اليونان حوالي 2000 سنة ق م ) وقيسارية ( فلسطين القرن الأول م ) وايلانيك ( فرنسا 3000 ق م ) وكامبي فليــجراي ( ايطاليا ) ... وبالتالي
هل يتعلق الأمر بمدينة قرطاجية قديمة أو على الأقل ميناء قديما بناه
القرطاجيون في إطار التنافس البحري القائم آنذاك بين الفينيقيين
والقرطاجيين والرومان على اعتبار أن القرطاجيين بقيادة الرحالة البحار
حانون القرطاجني الذي قام برحلته في القرن الخامس قبل الميلاد قد وصلوا
للمنطقة ( رأس صوليس كما كانت تسمى قديما ) وبنوا بها معبدا " لبوصيدون "
"إله "البحر والعواصف حسب اعتقادهم الوثني؟ وقد ذكر المؤرخون أن
القرطاجيين بنوا عدة مدن ومراكز بالمغرب منها "ليكسوس " خلال القرن 12 ق م
ومدينة " تينجي " ( ق 6 ق م ) ومدينة " روسادر " بناحية مليلية الحالية ، و" تيميا طيريون " عند
مصب نهر سبو ، و" ثرنكي " التي لا يعرف مكانها ، و "ميليطا " بين ليكسس
ونهر سبارطيل ، وسلا و " اكرا " مكان " اكلو " الحالية " و " كاريكون طيكوس " مكان الصويرة ولم يتم ذكر " تيغالين " ، (ابراهيم
حركات : المغرب عبر التاريخ ج 1 ص 40 ) ام ان الامر لا يعدو أن يكون جزءا
من منار قديم منهار كان يوجد داخل البحر وتحطم بفعل العواصف وضربات
الامواج العاتية تماما كما انهار منار الإسكندرية القديم وخلف وراءه قصصا
غريبة ، خصوصا وان المدينة المحكي عنها لاتبعد الا بامتار معدودة عن
المنار الحالي للكاب ، وهذه الفرضية تذكرنا بالاشكال الحاصل حول تسمية
مدينة اسفي التي يقال انها مشتقة من " اسفو" التي تعني المنار او المشعل ؟
أم أن الأمر ليس سوى تخيلات اسطورية وسراب لغوي واستيهامات خيالية لا
حقيقة لها في الواقع ؟ فحكايات المدن القديمة والجزر الغارقة معروفة جدا
لدى الشعوب المجاورة للبحار والمحيطات ، وهنا نذكر أسطورة المدن السبع في
مملكة " سيبولا" بامريكا اللاتينية ، وجزيرة " الالدورادو " أو جزيرة
الكنز الأسطورية التي شكلت حلما للمغامرين البرتغاليين والإسبان في القرون
الوسطى ، وقارة الاطلانتيد " التي لايعرف أحد مكانها والتي كتبت حولها
مئات الكتب والمقالات دون أن يستطيع أن تحدد حتى مكانها ، فالشعوب
التي كانت تخاف من الغزو الايبيري في القرون الوسطى كانت تنتج قصصا
وأساطير وهمية عن المدن الغارقة لتصرف انظار المغامرين والغزاة وتضلهم في
متاهات المحيطات، كما أن عدم تحديد بناة المنطقة بدقة وتعاقب حضارات
مختلفة هناك ( افارقة اقدمون ، قوط ، قرطاجيون ، برتغال ، عرب ... ) ساهم
بدوره في نسج الخيالات والأساطير حول المنطقة ، وقد قام فريق الاستغوار
التابع للطاقم المعد لبرنامج " امودو " والذي بثته القناة الاولى يوم
12/10/2005 بمسح أعماق مساحة 400 متر
للموقع الذي يعتقد أن فيه المدينة الغارقة فلم يعثر على أي شيء يشير لذلك،
بل مجرد صخور مشققة وكهوف عادية ، في حين أن الخيال الشعبي يعتبرذلك شوارع
وازقة وبيوت ، أنها أحلام، والحلم هو المرادف الفيزيولوجي للمدينة
حســــــــب " جوزيف ريكورت " ، وربما تكون إحدى المدن الفاضلة لسكان عبدة
التي عجزوا عن بنائها في الواقع. هذه المدينة الغارقة ، حسب الخيال الشعبي
، لم يذكرها مؤرخ أسفي الفقيه الكانوني العبدي (1893 ـ 1938 ) في مؤلفاته
القيمة حول اسفي وباديتها رغم حديثه عن قصبة أيير ومدينة " قنط " التي
حرفت إلى " كونتي " ثم " كانـــــــتان " ( الكاب حاليا ) ، يقول الكانوني
حول تاسيس الكاب وخرابه " مدينة قنط ( كنتان ) موقعها شمال اسفي ... قال
الحسن بن الوزان الغرناطي المدعو ليون الافريقي : بناها الأفارقة الأقدمون
، ثم حكى قولا بان بانيها الغوط ، وقال مرمول بناها القوط وقت استيلائهم
على منطقة طنجة ... لكن خربها العرب أيام طارق لما ذهب لفتح الأندلس ، وما
بقي منها أتم البرتغال تخريبه " ( أسفي وما اليه ص 33 ) ، كما أن اندثار
مجموعة من الآثار والمباني وربما إلقاء بعضها في البحر عملا بقاعدة "
لننسفنه في اليم نسفا " ساهم في صنع أسطورة " المدينة الغارقة " ، عن هذ
الاثار والتخريب يقول الفقيه الكانوني :"وهي الآن لا أثر
لها وفي موقعها الآن المنارة الشهيرة المعروفة ( كاب كنتان ) أسست في
الدولة اليوسفية وهي من أهم منائر المغرب " ص 40 ، كما أن المؤرخ الحسن
الوزان في كتابه " وصف افريقيا " الذي كتبه عام 1526 م والذي زار المدينة سنة 1550 م لم يتطرق لذكر هذه " المدينة
الغارقة " رغم ذكره الكاب وبناته ، ورغم تطرقه لمدن صغيرة بالمنطقة "كتيط
"و "قنط " و " السبيت " و "تمراكشت " و " تركا " ..... وجلها مندثر اليوم
، يقول الوزان : " قنط ( كاب كنتان ) مدينة صغيرة على بعد حوالي عشرين
ميلا من أسفي ، بناها القوط في العهد الذي كانوا يسيطرون فيه على هذا
الساحل ، وهي الآن خراب تخضع أراضيها لبعض أعراب دكالة " ، كما ان الفقيه
الصبيحي السلاوي ( 1882 ـ 1944 ) لم يتطرق لذكر هذه المدينة في كتاباته
القيمة عن أسفي ، أما المراقب المدني " أرمان انطونا " في كتابه " جهة
عبدة " فيحاول أن يعطي تفسيرا جغرافيا وجيولوجيا مثل أن الأرض كانت أكثر
عمقا في البحر، والشكل المنبسط للمنطقة ... يقول : " هذه الفرضية يمكن
الاعتماد عليها لدرجة أن السكان الأصليين في المنطقة يزعمون أنه كانت
سابقا الأرض أكثر عمقا في البحر من الوقت الراهن ، وفي أقصى الساحل تأسست
مدينة " تيغالين " هذه المنطقة المتقدمة من الأرض كانت قد تمت تسويتها
نتيجة الحركة البركانية ، الشيء الذي يعطي مصداقية لهذه المعتقدات المحلية
هو أنه في مقدمة الساحل الحالي نجد شكل بطحاء على عمق ثلاث أو أربع أمتار،
ومباشرة في الجانب نجد عمق يصل إلى مايزيد على مائة متر ، إذا كانت فعلا
هذه الظاهرة قد تمت وإذا كان المعبد المهدى إلى " بوصيدون " قد تم بناؤه
على أقصى نقطة من المنطقة، فإنه من البديهي أننا لا نجد أي أثر
لذلك " ص 24 ، واستعمال انطونا لعبارات من قبيل ( الفرضية ، يزعمون ،
المعتقدات المحلية .... ) يدل على عدم يقينية وجود هذه "المدينة الغارقة "
، كما أن هذه المدينة لم نجد لها ذكرا عند المستكشفين والمؤرخين البحريين
المعاصرين الذين يهتمون بدراسة واستكشاف المدن والآثار الغارقة ، وقد ذكر
صاحب كتاب "البحر والتاريخ " أ.أ رايس عددا من المدن الغارقة عبر العالم
من فلسطين وليبيا وفرنسا وايطاليا واليونان واليابان والمكسيك ... لكن لم
نجد " لتيغالين " ولو إشارة واحدة رغم أنه تطرق للرحلة العلمية للباحث
النرويجي " ثور هيردال " ( 1914 ـ 2002 ) واشاد بها ، وهي الرحلة التي
انطلقت من ميناء اسفي. إذا كانت هذه المدينة موجودة فإلى أي عصر تعود ؟
ومن بناتها الحقيقيون ؟ وأين الأدوات التي كانوا يستعملونها ، إذ من غير
المعقول أن تذوب كلها في البحر ؟ أين الامتداد البري لهذه المدينة ما دامت
لاتبعد عن البر/الشاطـــــئ إلا بأمتار معدودة ؟ في أية فترة بالضبط بدا
الترويج لأسطورة المدينة الغارقة ؟ ما هو رأي علماء الفيزيولوجيا البحرية
في الأمر ؟ هل هناك عالم واحد معتبر أكد حقيقة وجود هذه المدينة ؟ ألا
يمكن لعمليات المد والجزر الطبيعية أن تخلق أشكالا هندسية مختلفة ( تجاويف
، ممرات ..) يحسبها غير الخبير مباني إنسانية ؟ أو بمعنى آخر هل كل شكل
هندسي منحوث في الماء هو بالضرورة من صنع الإنسان ؟ وهل يمكن لمدينة ،
مهما يكن صغرها أن تختفي فجاة ومرة واحدة دون مقدمات ؟ وإذا اعتبرنا أن
اختفاء المدينة راجع لارتفاع منسوب مياه المحيط ( تسونامي مثلا ) فهل يعقل
أن تغرق هذه المدينة لوحدها دون أن تغرق مدن أخرى مجاورة ( اسفي ، اجوز ،
الصويرة ، الجديدة ... ) رغم قرب المسافة ؟؟ هل كان لسكان المنطقة
الاقدمين الوثنيين تقليد ديني في نحث الصخور البحرية او البرية كتقرب من
البحر أو اعترافا بجبروته ؟؟ واذا كانت هذه المدينة البحرية
لها ماضي فعلا فلا بد أن تكون لها علاقات تجارية مع مدن أخرى قريبة أو
بعيدة، فلماذا تسكت كل المصادر التاريخية البحرية والتجارية القديمة عن
ذكر هذه المدينة ؟ وهل يمكن لمدينة أن تختفي كليا دون أن يخلق ساكنوها
آثارا كبيرة او صغيرة مهما يكونوا بدائيين ؟؟