اشتياق ما قبل اللقاء
ابدا مباشرة بتقمص الدور
و عش معه ما كتبه سابقا ليتمم ايامه
التي تلت تلك الامسية الحزينة و التي فكر فيها بنحرها
اشتقتها.....
هذه المراة التي كانت بكلماتها الحلوة تسكرني فاشعر بالثمل كلما قابلت
عيني لمعات شفاها , كانت في سطوتها اشبه كثيرا بآلهة الحب و الجمال عند
الإغريق في زمن الوهية الخيال , ترى هل بعد هذه السنين و عندما اذهب
لموعدي معها سأشعر بقيمة الكلمات التي تقال أم أن كل ما سأفعله بنفسي هو
الصلاة في محراب أحداق عينيها, سأراها تحرق أوراقها بحضرتي كي تشتعل,
لطالما ذكرتني بافعالها المزاجية حروفها, اجل كانت تكتب لأنها تحب
الاحتراق , أهل كانت تعي و هي تحرق قلوب الرجال بين دفاترها ....بأنها
تحرقني معها فانا بعقليتي الشرقية كنت أحب تملكها لنفسي, و لكنها كانت
ترفض زمن الجواري ,كانت تحفة ببساطة الأمر, و لم أتقبل أبدا أن أراها
معلقة على جدران كل المنازل التي أزورها كلما شعرت بوحدتي .
رغم
كياني المنفصل لا زلت اشعر بالانتماء إلى سنوات جنوني معها لربما هو
حاجتنا نحن البشر لشيء يفسر رغبتنا المكبوتة في الانسلاخ من جلد التعقل ,
اجل لربما كنت أحب في طفولتها و هستيريتها ذلك الزمن الذي اعلم في قرارة
نفسي انه إن ذهب لن يعود.
اشتقتها....
اشتقت تفاصيل أنوثتها, تلك المرأة التي تخلع عنها ثوب العشق كما تغير كل
النساء أثوابهن بعد يوم كامل في المطبخ ,أو بعد حمام دافئ, لقد كانت
امرأتي تغير ثوب العشق كلما قررت الهروب من سلطة العادة , و أحقية تسلط
العاشق التي يكتسبها بالأقدمية.
هل يحق لي أن استشعر بعدها بطعم الح بأم
أنني اعلم علم اليقين, أنني انتظر فقط قدومها كي أزف إلى قلبي نبض الحياة
و كي أعيد إلى رئتيي هواء عطرها , و كي أعيد إلى شرياني الدماء
المسلوبة منه وقت غيابها.
في
تلك الليلة أردت رحيلها , أردت بكل صدق المشاعر أن اسلبها حرية الاختيار
في البقاء , أردت أن اجردها من كينونتها الأنثوية داخلي, كي استشعر من
جديد طعم الألم و طعم الحياة.
مرت
بخاطري ذكرى أول قبلة كتبتها لها بشفاهي على راحتي يديها , كم شعرت يومها
بانثوتها و هي تسترق النظر الي بهدوء بين تلك الإيقاعات الصامتة ذات اللحن
العذب الذي شكله انتظام تنفسنا , حتى في ابسط الامور انسجمنا , في لحظتها
وعيت أنني كنت أفكر فقط فيها من بين كل تلك النساء أردتها هي , لانها كانت
تظهر كما السراب و عندما وجدتها إحدى الصباحيات المنسية في الشارع تأكدت
أنني لست مخبولا كما كان يقول عني الأصدقاء , و أنا اصف لهم امرأة حياتي.
عدت
يومها لمقهانا الذي نجتمع به جميعا, كي أعلن و بكل فرحة تشع من عيوني أنني
وجدتها , صرخت و قلت لم تعد حلم هي أجمل من الحلم و اكبر من الحلم.
و
بعد ذلك اليوم اعتبرت أنني خلقت من جديد , فلنقل قد سلبت من أمي بعض
حقوقها الحصرية في أنها أول من رآني يوم ولادتي,و أنها من منحتني الحياة
وقت خروجي من رحمها, ترى هل يحق لي أن احتفل بميلادي بعيدا عنها , أن
احتفل بميلادي مع امرأة أخرى , أمي منحتني حق التنفس , و امرأتي منحتني
حق الحب.
هل
يعقل أن يكون الحب مصيرا لكل القلوب, أم أن من يشعرون به هم المحظوظون من
البشر, لم أرد أن انتبه كثيرا إلى تلك التفاصيل الدقيقة, فقد كانت أنوثتها
اكبر من التفاصيل الكبيرة و التفاصيل الصغيرة.
لاادري
لما بعد أن أمضيت تلك السنتين أودع فيهما ذكراها و اركبها القطار كل يوم
من محطة أفكاري و أودعها بنفسي حاملا في يدي منديلا ورقيا كي امسح به بعض
قطرات العرق المتصببة من جبيني .ذاك الجبين الذي اجهده التفكير و ظهرت
عليه بعض تجاعيد الزمن الصعب كما يقولون, احببت ان اراها لمرة واحدة كسيرة
بقربي , ليس ابدا حب التظلم و انما كانت رغبتي الدفينة في ان اراها تلتجأ
الى ذراعاي وحدي,من بين كل البشر كنت ارغب بشدة في احتواء حزنها بين
احضاني.
هل
تاملت انني بعد ان اراها ستكسر في قلبي تلك الشجون, و ربما سأفكر بمنطقية
البشر و سأتخلى عن احلام الصبا, لقد كبرت بعدها سنتين من عمر جسدي , و كبر
قلبي قرنين من كثر همي .
اردت
ان يجمعنا القدر من جديد ,حاجة ملحة في داخلي , ان تعيد مع حضورها و لو
لدقائق ابتسامتي , لا زال طيب عطرها الساكن في خلايا الذاكرة الحسية
لذاكرتي يحببني في ذلك العطر, من التخلف أن اعترف في قرارتي أنني كرهت كل
النساء اللواتي يضعن عطرها, كل النساء اللواتي تلبسن مثل ثوبها المفضل ,
في ذلك الموعد المؤجل بيننا دائما ,تراها تذكر انها مدينة لي بلقاء ام
انها نسيتني في خضم حياتها, او انها بعد هاتين السنتين ستأتي رفقة الجميع
و تضحك مع الجميع و ستحضر كل المناسبات الا حفل تابيني .
لا
زلت مشتعلا أم أنني لا زلت انفخ النار في رمادي , لا أحب ان اعتبر نفسي
مهزوما أمام فتنتها و قوتها في جرحي, فاتنة هي في كل الحالات ثائرة
متمردة هادئة شريرة هي لا تستطيع ان تكون الا جميلة و فاتنة , اهل يحق
لي ان اقبع في طابور صداقاتها كما جميع الرجال انتظر أن يأتي ذلك اليوم
الذي يحل فيه دوري أم سأطالب بمكاني بحكم الاقدمية و أحقيتي في التواجد
بقربها .
لا
استطيع ان اطلب من القدر ان يكون عادلا معي لأنني اعرف أنني سأكون
ساعتها مجرد غبي يطالب الموت ان يغادرنا كي نعيش دون هدف و دون موعد.
احب
ذلك السخاء من الزمن في الحب , تبدو الثواني الجميلة مستمرة في الذاكرة ,
و لكنني اكره تبذير الزمن في الوجع تغرقنا لحظاته المرة التي لا تنتهي ,
أصبحت أفكر بكل جدية في افتتاح حزب للضحك
علينا
المطالبة بحقنا الدستوري في بسمة واحدة ممنوحة مرة في السنة و بهدية مفرحة
مرة في العمر, و لكنني اخجل أن اطلب في رسالتي إلى من سيمنحنا الهدايا
أنني أتنازل عنها لأنها كانت فرصتي الوحيدة كي ابتسم مع الجرح.
فأخشى إن طالبت بها ضاعت من يدي إلى الأبد.
ترى
هل من الجنون أن أطالب قلبي بنسيانها و هي التي لم تنسني و لا مرة , كانت
كل رسائلها المسجلة بغير عنوان مرسلة إلي, أم هذا الذي كنت اقرأه و أنا
استعيد كل حرف كتبته و كل شهقة بين سطور كتابها , لا ادري هل الكتابة
لديها جريمة أم الكتابة لديها سر , كي نعلن في الكلمات ما تخفيه الروح
نعطيه ثوبا جديدا و اسما جديدا و نقول عنه خرج هكذا مفضوحا إلى العلن , اجل أنا في قمة جنوني أتكلم بالحكم .
كنت
انتظرها دائما في نفس المكان على امل ان تعود للذكريات طعمها وفيت
للمكان و للذكرى و على قول أحلام مستغانمي في كتباها عابر سرير:" كان على
حسب قوله رجلا وفيا للأمكنة في أزمنة الخيانة"
"
يا الهي لم أتوقع أبدا أن التقيك مجددا هنا " كانت هذه كلماتها عند اللقاء
كنت مدركا أن حضوري أشبه بتهريب مومياء فرعونية من متحف القاهرة, كيف
احضر بكل رفاتي إلى حفل تأبيني و أنا ابتسم.
"ماذا افعل إذا كان كل شيء دائما يدفعني إليك ؟"
كنت ارغب أن اذكرها بأول أيام لقائنا _و هي تتثاءب بهدوء خلف كفها البض_ بأنني كنت دائما أدوربمدار حضورها .
لا استطيع إلا أن أكون موجودا كما لو أن شرطي القدر كان يراقب كل خطواتنا كي يجمعها , و كي يسبب لي أول حادث عشق و حادث حب .
- "كما أرى لا زلت كما أول عهدي بك خفيف الظل و لكن ظننت أني لن ألتقيك بعد كتابي "
-"لماذا
هل تشعرين انك أنقصت من حقي فيه أم انك منحتني شرفا لا استحقه, أن أكون
رجلا على رف جميع البيوت فلن استطيع أبدا إنكار انك أصبحت حلما ينام
عليه جميع الرجال ,و ثورة ترغب كل النساء في المشاركة فيها, هل لا زلت
تعملين على توثيق جرائمك العشقية بين أروقة كتاب؟ أم انك قررتي التوقف
عن تجريب وصفاتك السرية في إشعال محرقة القلوب و عواطف البشر.
هل أخبرتك أنني كنت سأقتلك.......؟
فتحت
عينيها ببعض الابتسامة و هي تقول: "لم أفكر أبدا أنني سأكتب عنك بتلك
الروعة, لم استطع أبدا أن أحرمك حق الحياة في الورق كما حرمتك من حق
الحياة معي, أهل تعلم؟... كلما كتبت منك شيئا مسحته , فكرت أنني كتبت عنك
الكثير و لأول مرة خشيت أن أبوح, أن أتكلم بدون أقنعة , و أنا تعلمت أنني
لا استطيع أن أرسل روايتي إلى المطبعة دون أن أكون قد أنهيت إلباسها ثوبها
الفضفاض و أنهيت عليها علبة الماكياج التي تغطي كثيرا من جوانب الحقيقة.
و
لكنني كنت متأكدة في نفسي انك و أنت تقرا ستجدنا فيه, ستجد أحلامنا التي
غابت عليها الشمس منذ سنتين............... هل أخبرتك أنني لم أرد
توديعك قبل السفر؟
فعلا !
لم
انتبه يومها عندما أتيت إلي لتقولي انك ستغادرين مهاجرة ارض الوطن و ارض
حبي , انك تمزحين في الوداع و الحزن, لا اعرف لما يومها كنت تُكسرين على
درجات سلم تلك العمارة المهترئة , أردت ان أراك نفس الثورية التي رفضت أن
تكون كما الجميع ,لن أنكر أنني في أحيان كثيرة عذرتك على غيابك و لكنني لم
استطع أن اغفر..... الغفران امر كبير لا يملك الكل ذلك القلب الطاهر
الرحيب كي يصفح عن كل الأخطاء..... نسيت هل أخبرتك أن عمارتنا المهترئة
قد سقطت؟... نجونا فعلا بفضل أعجوبة, كنت أتمنى ان أبقى معها كي لا اشعر أنني أصبحت كيانا في الذاكرة.
هل لا زلت تشعر بالمرارة ؟
أنا
!كيف يعقل أن تتوقعي مني شعورا كذلك , لا نملك الحق في الاحساس بالمرارة
من شيء كان اجمل مافي ايامنا , هل اخبرتك انك لا زلت جميلة؟ متاكد ان
الجميع قال لك ذلك و لكنني اردت ان ابدي لنفسي حقيقة انني ما زلت قادرا
على مجاملتك دون حاجة مني للحزن او التوجع, هل فعلا التغزل بك لم يعد من
الأمور التي تحتاج مني بذل جهد كبير, لربما تتوقعين أنني لا زلت نفس الرجل
الذي رحلت عنه في ذلك اليوم الخريفي الكئيب.
لا اعرف لماذا استشعر في كلامك لوما عنيفا مغلفا ببعض الكلمات البراقة , لم استطع أبدا آن أنسى كلماتك الحلوة بحقي .
قالت و هي تبتسم و تضع يدها الصغيرة التي كانت تذوبني بين راحتي كفي الخشنين:
"
أيها الشرقي لا زلت كما أنت , ام تراك أصبحت تكره هذه المدينة التي تشبهك
حد التطرف كما سبق و قلت بنفسك ........كان علينا ان نوجد لانفسنا مدينة
لا تقبل الا بالذكريات كي نستطيع ان نعيش فيها, بردها جليد و حرها قاتل .
انا
و انت نشبه هذه المدينة في كل شيء علينا فقط ان نعيش بعيدا عنها, الا تفكر
ان نلتقي ؟..... جاء كلامها المقاطع لحبل الافكار التي استرسلت فيها و انا
اربط وجه الشبه بيننا و بين مدينتنا, واصلت كلامها بعد ان لمحت نظرة
الاصغاء المطيع على حدقات عيني .
لا زلت أدين لك بموعدنا المؤجل فلدي الكثير من الكلام الذي اختزنته في ذاكرتي .
لقد
أحضرت لك أول نسخة من كتابي الجديد لا اعرف هل كنت اشعر في قرارة نفسي
أنني سألتقيك أو ربما طمع مني في إبقاء شيء يخصك برفقتي , لم أخبرك أنني
كرهت جدا مطابع المهجر كنت ابحث عن أي عربي يطبع لي كتابي و هو يستمتع
بالتهام صفحاته بسرعة و على عجل, كما لو انه يخشى القبض عليه و هو يغازل
ابنة الامير في قصر الخلافة.
الا
زلت تكتب بنفس الاسلوب اشتقت أن اقرا شيئا ناريا محترقا , الا زلت حروفك
تشتعل ام انك تعلمت الكتابة بخنوع كما الجميع و الوقوف في الصف كي يقبلوا
منك ولائك بهدوء و دون اثارة أي شغب في كرسي الحكم.
ابتسمتُ
بهدوء .... هي نفسها لم تكبر و لم تصغر و لم تقِّل فتنتها, كل ما حدث هي
انها غابت سنينا من الجرح و رجعت إلي بجرح أعمق , صحيت من سرحاني ببسمتها
و قلت :أتدركين انك امرأة لا تستطيع الا أن تعجب الجميع , أظن الأمر
غصبا عنك و خارج عن حدود قدرتك , و لكنك تكرهين أن تفقدي سيطرتك فتجبرين
الجميع على الاعتراف بأنك صاحبة السلطة بأي مكان تذهبين إليه .
كنت
اتاملها بلهفة ليست من حق ذلك الانتظار المشبوب بالشغف,و لكنني لم استطع
منع نفسي بعد سنين الغياب من ان اقراها ككتاب شهي على عجل , تدور صفحاته
بين يدي كما لو اني أطوف بينها و عيني تسترقان النظر اليها بوجل , و ندخل
حرب صمت في حوار طويل أجلناه منذ زمن.
لم
ارها منذ فترة طويلة تضحك مع أنها لم تغب عن بالي و ربما غابت عنادا مني
أيام مكابرتي على الجرح, و لكنني رايتها ساعتها تضحك و هي تقول : لا زلت
تعرفني لم اشك يوما أنني و إن غبت عنك قرنا سأجدك نفس الجائع للكلام معي ,
لطالما كانت علاقتنا خارجة عن مألوف الحب و البشر , اعتقد اننا خلقنا كي
يكون هنالك عدل في كل شيء لا استطيع ان اوجد بمفردي في هذه الحياة ,عليها
ان توجد لي ضدي كي نوجد التوازن المطلوب بين البشر , لا زلت على انتظار
وفائك بالوعد.