الذين كانوا . – الفصل الثالث – (منذ ملايين السنين)
مع
ازدياد حماس وإصرار العالم ( موريس جيسوب ) ، على نظريته العجيبة ، التي
تشير إلى وجود زوار من الفضاء الخارجي ، أتوا إلى الأرض منذ ملايين السنين ،
وتركوا فيها عشرات الآثار والأدلة ، التي لا تفسير آخر لها ، تزايد الجدل
العلمي على الساحة ، وبدأ تحد جريء بين العلماء ، الذين لم يستطيعوا إنكار
كل الأدلة العلمية المؤكدة ، على وجود تقدم علمي مدهش ساد العالم ، قبل تلك
الحضارة التي نعرفها الآن ، وإن رفضوا في الوقت ذاته ، تأييد ( نظرية رواد
الفضاء القدامى ) تلك ، والتي تبناها ، إلى جوار ( جيسوب ) ، عدد لا بأس
به ، من مشاهير وكبار العلماء ، بقدر ما رفضها واستنكرها البعض الآخر في
عنف .
ثم جاءت تلك النظرية الجديدة .
النظرية التي اعتمدت على واقعة سابقة ، لأحد الكشوف المهمة للغاية في كهوف ( تاسيلي ) الجزائرية .
ففي عام 1936 م ، نشرت الصحف الباريسية صورة لنقش جداري ، التقطها تاجر برتغالي راحل ، داخل بعض الكهوف ، في الصحراء الجزائرية ..
ذلك النقش كان لإنسان ضخم ، وحوله كائنات طائرة وسائرة ، هي مزيج من البشر والطيور والحيوانات ..
وفي زاوية الصورة ، وبخط التاجر البرتغالي ، وجدت عبارة تقول : إن تلك الكهوف تحوي أسرار الكون القديم ..
وعلى
الرغم من أن الأمر يمكن أن يمر مرور الكرام ، شأن أي خبر صحفي عادي ، إلا
أنه أثار بشدة اهتمام الرحالة ( بربنان ) الذي التقط طرف الخيط ، وراح يسعى
لإقناع العديد بتمويل بعثة استكشافية إلى هناك ، حتى عثر على التمويل
اللازم ، وانطلق مع فريق محدود من الرجال ، على ظهور البغال والجمال ،
بحثًا عن تلك الكهوف ، وفي عام 1938 م ..
ولم تكلل بعثة ( بربنان )
بالنجاح المنشود ، ولكنه خرج منها بكتاب عجيب ، يتحدث عن قارة ( اطلانطس ) ،
ويؤكد أنها لم تغرق في المحيط الأطلنطي ، وإنما في الصحراء الليبية
الجزائرية ، وأنها ، لسبب جيولوجي عجيب ، غرقت في بحر من الرمال ، ودفنتها
عوامل التعرية والردم لسنوات وسنوات ..
وحتى الكتاب نفسه ، لم يلق
قبولاً يذكر ، أو اهتمامًا يستحق التقدير ، وخاصة مع اندلاع الحرب العالمية
الثانية ، وانشغال العالم بالتحديات العسكرية الجديدة الرهيبة ..
ثم
انتهت الحرب ، وشبع الناس حديثًا عنها ، وانشغلوا بعض الوقت بنظرية الدكتور
( جيسوب ) ، عن رواد الفضاء القدامى ، والجدل الدائر حولها ، و ..
والتقط رحالة مغامر ذلك الخيط ..
رحالة
يدعى ( هنري لوت ) ، شغلته بعثة ( بربنان ) ، ونسخة قديمة من تلك الصحيفة ،
التي حوت صورة التاجر الغربي ، ومزج هذا بذاك ليتخذ قراره بخوض التحدي
الجديد ..
وفي عام 1956 م وبعد حرب طويلة للحصول على التمويل اللازم ،
خرج ( هنري لوت ) ببعثته إلى تلك المنطقة ، المعروفة باسم ( جبارين ) ، عند
الحدود الصحراوية ، الجزائرية الليبية ..
ولأن ( هنري لوت ) كان أكثر
حماسًا ممن سبقوه ، وأكثر إصرارًا على الفوز ، فقد نجح في العثور على كهوف
جبال ( تاسيلي ) الجزائرية ، واندفع مع بعثته داخلها ، وكلهم لهفة لرؤية
النقوش داخلها ..
وكانت في انتظارهم مفاجأة مذهلة ..
مفاجأة تفوق ، وبآلاف المرات ، كل ما حلموا بالعثور عليه ، في ذلك المكان ، الذي سعوا إليه طويلاً ..
فالكهوف كانت أشبه بمتحف كامل من النقوش واللوحات العملاقة ، التي يعود عمرها إلى ما يزيد عن عشرة آلاف عام ، على أقل تقدير ..
كانت النقوش لعمالقة هائلين ، ومخلوقات عجيبة مدهشة ، ولكن بعضها كان مذهلاً بحق ..
فعلى
جدران كهوف ( تاسيلي ) ونقوشها التي لا يقل عمرها عن عشرة آلاف عام ، رأى
أفراد البعثة أناسًا يرتدون الملابس اللامعة ، ويطيرون في السماء بخوذات
متألقة ، وثياب أشبه بما يرتديه رواد الفضاء ..
نقوش لرجال ونساء يسبحون في الهواء ، وفوق السحاب ، وحولهم أجسام معدنية ضخمة ، لها نوافذ كبيرة ، وتطل منها عيون ضخمة ..
ونقوش
أخرى لما يشبه كابينة قيادة ، داخل صاروخ فضائي أو طائرة ، ونساء لهن رؤوس
طيور ويحملن مظلات واقية من الشمس ، وضفادع بشرية بأدوات غوص كاملة ..
وعاد
( هنري ) بما التقطه من صور ، ليبهر العالم كله بما توصل إليه ، وليعلن أن
العالم القديم قد عرف ما كنا نتصور أنه مخترعات ومبتكرات حديثة للغاية ..
وفي
الوقت ذاته ، الذي عاد فيه ( هنري لوت ) بكشفه المذهل ، كان ( جيسوب )
يحمل إلى العالم صورة لنقش من نقوش معابد ( بيرو ) ، يمثل هنديًا يجلس داخل
ما يشبه كابينة قيادة فضائية ، في محاولة لتأكيد نظريته القديمة ..
ووسط كل هذا ظهرت النظرية الجديدة ..
نظرية
تستبعد تمامًا فكرة الفضائيين القدامى ، وتضع احتمالاً آخر ، ربما يبدو
أكثر غرابة ، ولكنه ، وعلى الرغم من هذا ، أقرب كثيرًا إلى المنطق ..
نظرية
تقول : كانت هناك حضارة أرضية عظيمة ، سبقت حضارتنا المعروفة بآلاف ، أو
ربما ملايين السنين ، وسادت الأرض ، وبلغت أضعاف ما بلغناه نحن قبل أن تقضي
عليها كارثة طبيعية رهيبة ، أو حروب نووية عنيفة ، فتندثر تمامًا ، ولا
يتبقى منها إلا ما تركته لنا من دلائل غير مباشرة على وجودها ..
والعجيب أن تلك النظرية لم تواجه بالغضب والثورة والاستنكار ، كنظرية رواد الفضاء القدامى ..
فبعض
العلماء ، وربما معظمهم ، مالوا إلى تصديقها ، مؤكدين أن هذا يمكن حدوثه
لحضارتنا الحالية نفسها ، وخاصة بعد صنع القنابل الذرية والنووية
والهيدروجينية ، والسباق على انتاجها وتخزينها ، والتهديدات الأميركية
السوفيتية المستمرة لاستخدامها ، في ذلك الحين ..
ولقد وضع أحد العلماء
تصورًا لحضارة شبيهة بحضارتنا ، سادت ثم بادت ، بسبب حروب نووية عنيفة ،
أطاحت بكل منجزاتها ، وسحقت كل ما صنعته ، في حين راحت القلة القليلة من
البشر ، التي نجت من ذلك الدمار الرهيب ، تكافح للاستمرار في الحياة ، بعد
أن فقدت كل شيء ، فعادت بها الأمور إلى العصور الحجرية ، وعصور الكهوف وراح
الذين نجوا ينقشون تاريخهم على جدرانها ، قبل أن يندثروا بدورهم ، وتضيع
ذكرياتهم مع ضعف إمكانياتهم ، ويسير العالم نحو حضارة جديدة ، هي حضارتنا
الحالية ..
ووجد الشطر الأعظم من العلماء في هذا تفسيرًا للغوامض العديدة ، التي يموج بها العالم ، وحسمًا لفكرة الفضائيين ، و ..
ولكن
( جيسوب ) رفض الفكرة بشدة ، وأصر أكثر وأكثر على موقفه ، وراح ، ولأول
مرة في حياته ، يهاجم بعنف نظرية علمية جديدة مطالبًا بالأدلة عليها
ومقدمًا أدلة جديدة ، على فكرة الفضائيين ، الذين زاروا الأرض منذ آلاف
السنين ..
فمن وجهة نظر ( جيسوب ) ، لم يكن من المنطقي أن تتطور حضارة
أرضية ، حتى تبلغ ذلك الرقي المدهش ، ثم تضيع وقتها في صنع أحجار عملاقة ،
ذات نقوش معقدة ، أو بناء أهرامات حجرية ضخمة ، أو جدران من قطع حجرية
واحدة ، تزن آلاف الأطنان .
أما لو كان صناع تلك الأشياء مجرد فضائيين ،
من عالم آخر ، فالأمر يبدو أكثر منطقية في هذه الحالة ، إذ أن الفضائيين
المتقدمين سيصنعون ما يبهر سكان الأرض البدائيين حينذاك ، حتى لو كان
أحجارًا منقوشة ، باعتبار أن هذا سيصبح يومًا أحد أدلة وجودهم ..
وعاد (
جيسوب ) هذه المرة ، ليؤكد أن الفضائيين ، ما زالوا يزورون الأرض ، لدراسة
ردود الأفعال ، تجاه ما تركوه لها من آثار ودلائل ، باعتبار أن لحظة توصل
الأرضيين إلى الحقيقة ، هي اللحظة المناسبة لإعلان وجودهم ..
وفي هذه المرة ، لم يكن ( جيسوب ) موفقًا في مقاله الغاضب ، والذي لم يقنع أحدًا على الإطلاق ، سواء من معارضيه أو مؤيديه ..
ثم إن الاقتناع بوجود حضارة سابقة ، أكثر سهولة من الاقتناع بوجود حضارة من عالم آخر بالتأكيد ..
وهكذا كانت المعارضة عنيفة ، وقاسية ..
وإلى أقصى حد ..
وعلى
الرغم من أن ( جيسوب ) كان في أواخر الخمسينات من عمره ، إلا أنه لم يكن
قد فقد روح المقاتل الشرس بعد ، لذا فقد واجه العالم كله بمقال ملتهب جديد ،
يؤكد فيه صحة نظريته ..
وفي هذه المرة ، لم يكتف ( جيسوب ) بآرائه الشخصية ، وإنما أكد أن لديه أدلة جديدة ، لا تقبل الشك ..
أدلة حاسمة ، ومدهشة ..
إلى أقصى حد ممكن .
نهاية الفصل الثالث .
الموضوع الأصلي :
لذين كانوا – الفصل الثالث – (منذ ملايين السنين) الكاتب :
المدير{ع~المعز}العامالمصدر :
منتديات طموح الجزائرالمدير{ع~المعز}العام : توقيع العضو
|