أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـات بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا .
القسم الأول - الفصل الثالث - أحكامُ عامَّة تتعَلّق بالمَولُود
المبْحَثُ الثّالثُ - عقيقة المولود وأحكامها(2)
[b]
5- هل عقيقة الذكر مثل الأنثى؟
سبق أن ذكرنا أن العقيقة سنة مستحبة على رأي جمهور أهل العلم من المجتهدين والفقهاء، وهي سنة مستحبة عن الذكر والأنثى على السواء.
للحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي عن أم كرز الكعبية أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: (عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة).
وللحديث الذي رواه ابن أبي شيبة من حديث عائشة "أمرنا عليه الصلاة والسلام أن نعقّ عن الغلام بشاتين، وعن الجارية بشاة". إلى غير ذلك من الأحاديث التي سبق ذكرها في دليل المشروعية.
وهذه المفاضلة هي ما تدل عليه ظواهر الأحاديث، وهي مذهب ابن عباس، وعائشة، وجماعة من أهل العلم والحديث.
ومذهب الإمام مالك أن عقيقة الذكر شاة، والأنثى شاة، ولما سئل كم يُذبح عن الغلام والجارية؟ أجاب بقوله: (يذبح عن الغلام شاة واحدة، وعن الجارية شاة). واحتج على مذهبه بالأحاديث التالية:
- روى أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين كبشاً".
- وروى جعفر بن محمد عن أبيه: أن فاطمة ذبحت عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً.
- وقال الإمام مالك: (وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يعق عن الغلمان والجواري من ولده شاة شاة).
وصفوة القول: أن من أغدق الله عليه من رزقه وإنعامه، فلّيعقّ عن الذكر شاتين، وعن الأنثى شاة واحدة، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المفاضلة بينهما... ومن كانت أحواله المادية في حدود الوسط، أو دون الوسط، فيجزئه عن الذكر شاة، وعن الأثنى شاة، وإذا فعل ذلك يكون محظياً بالأجر، متحققاً بالسنة، والله أعلم.
الرد على اعتراض: رب معترض يقول: لِمَ فرق الإسلام بين الذكر والأنثى في أمر المفاضلة في العقيقة، ولِمَ كان هذا التمايز والتفاضل؟
والرد على هذا الاعتراض من وجوه:
1- المسلم مستسلم لكل ما أمر الإسلام به، وما نهى عنه، تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً} النساء: 65.
وبما أن المفاضلة في العقيقة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسلم لا يسعه إلا التسليم والتنفيذ.
2- ولعل وجه الحكمة والمعقولية في هذه المفاضلة، إظهار الرجل على المرأة بما وهبه الله من القوة الجسمانية، وبما كلفه من حق القوامة والمسؤولية، وبما خصه به من الاتزان والانضباط العاطفي، وصدق الله العظيم القائل:
{الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم..} النساء: 34.
3- تأكيداً لزرع الإلفة والمحبة لاجتماع الناس على عقيقة المولود، ثم بالتالي تقوية لروافد التكافل الاجتماعي بين الطبقات الفقيرة، والأسر المحرومة.
6- كراهية كسر عظم العقيقة:
من الأمور التي يجب مراعاتها في عقيقة المولود ألاّ يكسر من عظم الذبيحة شيئاً، سواء حين الذبح أو عند الأكل. بل يقطع كل عظم من مِفْصله بلا كسر، للحديث الذي رواه أبو داود عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: "أن ابعثوا إلى القابلة منها برجلٍ، وكلوا وأطعموا، ولا تكسروا منها عظماً". وروى ابن جريج عن عطاء كان يقول: تُقطع جدولاً[b][4]، ولا يكسر لها عظم. وروى ابن المنذر عن عطاء عن عائشة مثله.
والحكمة في ذلك تتعلق بشيئين:
الأول: إظهار شرف هذا الإطعام أوالاهداء، في نفوس الفقراء والجيران، وذلك في تقديم القطع التامة الكبيرة، التي لم يُكسر من عظامها عظم، ولا ينقص من أعضائها شيء، ولا ريب أن هذا التصرف أجلّ موقعاً، وأعظم في باب الجود والإكرام في نفوس المُهدَى لهم.
الثاني: تيمّناً وتفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود وصحته وقوتها، لكون العقيقة جرت مجرى الفداء للمولود، والله أعلم.
7- أحكام عامة تتعلق بالعقيقة:
هناك أحكام عامة تتعلق بالعقيقة يجب مراعاتها، وهي على الترتيب التالي:
أ) أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الأضحية. والذي يجوز في الأضحية[5] هو ما يلي:
1- أن يكون عمرها سنة ودخلت في السنة الثانية إذا كانت من الضأن أو المعز، وإذا كان الضأن كبير الجسم سميناً، فإنها تصح به إذا بلغ ستة أشهر، بشرط أنه إذا خلط بما له سنة لا يمكن تمييزه منه. وأما المعز فإنها لا تصح به إلا إذا بلغ سنة ودخل في السنة الثانية على كل حال.
2- أن تكون الأضحية سليمة من العيوب، وعلى هذا لا تصح الأضحية بالعمياء، ولا بالعوراء، ولا بالعجفاء (وهي المهزولة التي لا مخ في عظامها)، ولا بالعرجاء (التي لا تستطيع المشي إلى الذبح). وكذلك لا تصح بمقطوعة الأذن أو الذنب أو الإلية إذا ذهب أكثر من ثلثها. ولا تصح بالهتماء (التي ذهب أكثر أسنانها)، ولا تصح بالسكّاء وهي (التي لا أذن لها بحسب الخلقة)، ولا بالتّولاء (وهي المجنونة التي يمنعها جنونها من الرعي).
أما ما عدا ذلك من العيوب التافهة فإنها تجوز، كأن تكون مشقوقة الأذن، أو مكسورة القرن، أو مصابة بالعرج الذي تستطيع المشي معه، كأن تمشي بثلاث قوائم وتضع الرابعة على الأرض لتستعين بها على المشي، أو مصابة بجنون لم يمنعها من الرعي، أوذهب بعض أسنانها ولكن الأكثر موجودة، أو كانت مقطوعة الأذن أو الذنب أو الإلية وبقي الثلثان وذهب الثلث فقط. كل ذلك لا يمنع من الأضحية بها.
3- أما الأضحية بالبقر والجاموس فلا تصح إلا إذا بلغ سنتين ودخل في السنة الثالثة، وأما التضحية بالإبل فلا تصح إلا إذا بلغت خمس سنين ودخلت في السنة السادسة.
ب) لا يصح الاشتراك فيها: كأن يشترك سبعة على جمل مثلاً، لأنه لو صح الاشتراك فيها لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد، ولما كانت الذبيحة بالتالي فداءً عن المولود.
ت) يصح أن يذبح عن الغنم بالإبل أوالبقر، بشرط أن يكون الذبح بأحدهما عن مولود واحد. لما روى ابن القيم عن أنس بن مالك أنه كان يعق عن ولده بالجزور. وعن أبي بكرة أن نحر عن ابنه عبد الرحمن جزوراً، فأطعم أهل البصرة..
وبعض أهل العلم ذكر أنه لا تصح العقيقة إلا بالغنم للأحاديث الواردة.
ولكن حجة من أجاز العقيقة بالإبل والبقر، ما رواه ابن المنذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً"، ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم دماً دون دم، فما ذُبح عن المولود على ظاهر الحديث فإنه يجزئ، سواء كانت الذبيحة غنماً أو بقراً أو إبلاً.
ث) يصح في العقيقة ما يصح في الأضحية: من ناحية الأكل منها، والتصدق، والإهداء، ويزاد بإهداء جزء منها إلى القابلة لإدخال السرور عليها، للحديث الذي رواه البيهقي: عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة رضي الله عنها، فقال: "زني شعر الحسين، وتصدقي بوزنه فضة، وأعطي القابلة رِجْلَ العقيقة".
ومن أراد أن يولم على العقيقة، ويدعو من أحب لحضور الطعام فلا بأس في ذلك، وقد أجاز ذلك كثير من الفقهاء لما ينشر في المجتمع المسلم من أجنحة الإلفة، والمحبة، والأخوّة.. بين الأهل والأصدقاء، والجيران.. وهذا ما يحرص عليه الإسلام في تماسك وحدة الأمة، لتكون دائماً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
ج) يستحب أن تذبح العقيقة على اسم المولود: لما روى ابن المنذر عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذبحوا على اسمه (أي على اسم المولود) فقولوا: بسم الله، اللهم لك وإليك، هذه عقيقة فلان". وإن نوى الذابح العقيقة ولم يذكر اسم المولود، أجزأت وحصل المقصود.
8- ما الحكمة التشريعية من العقيقة؟
يكفي العقيقة فائدة وحكمة أنها:
· قربان يتقرب منها المولود إلى الله في أول لحظة يستنشق فيها نسائم الحياة.
· فدية يفدى بها المولود من المصائب والآفات، كما فدى الله إسماعيل عليه السلام بالذبح العظيم.
· فكاك لرهان المولود في الشفاعة لوالديه.
· إظهار للفرح والسرور بإقامة شرائع الإسلام، وبخروج نسمة مؤمنة، يكاثر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة.
· تمتين لروابط الإلفة والمحبة بين أبناء المجتمع، لاجتماعهم على موائد الطعام ابتهاجاً بقدوم المولود الجديد.
· إرفاد موارد التكافل الاجتماعي برفد جديد، يحقق في الأمة مبادئ العدالة الاجتماعية، ويمحو في المجتمع ظواهر الفقر والحرمان والفاقة، إلى غير ذلك من هذه الفوائد والثمرات.
وبالمناسبة.. يجدر بك – أيها القارئ – أن تعرف أنواع الأطعمة والولائم التي شرعها الإسلام في أوقات مخصوصة، وفي أيام المناسبات، وهي كما يلي: